الخميس 2023/06/08

آخر تحديث: 12:47 (بيروت)

أعمار المجرمين ترسم مستقبلاً قاتماً بلبنان:كلنا خسرنا بالحرب السورية

الخميس 2023/06/08
أعمار المجرمين ترسم مستقبلاً قاتماً بلبنان:كلنا خسرنا بالحرب السورية
أعمار المجرمين تكشف عن جيل جديد من الخارجين عن القانون (Getty)
increase حجم الخط decrease

تكثُر أخبار التوقيفات مع كثرة الجرائم والمجرمين في كثير من المناطق اللبنانية، بعضها يستدعي التوقف عنده بشكل بسيط، وبعضها يحتاج الى دراسة وتحليل، خصوصاً مع بروز مؤشرات تتعلق بعمر الموقوفين وجنسيتهم تستدعي طرح التساؤلات والغوص فيها لقراءة "المستقبل" الذي ينتظر المجتمع اللبناني، الذي دخل عليه الوجود السوري، حيث باتت بعض البيئات "لبنانية – سورية" بشكل كامل.

في تموز 2021 نشرت "اليونيسيف"  ملفاً بعنوان: " لبنان: مستقبل الأطفال على المحك"، تحدثت فيه عن "الأجيال اللبنانية والسورية الصاعدة"، متحدثة عن مستقبل أسود، بدأنا نتلمس خطورته، من نسب الجرائم وأعمار مرتكبيها.

مجرمون بأعمار صغيرة..
في شهري آذار ونيسان تم توقيف حوالى 120 مطلوباً في منطقة جغرافية واحدة في بيروت. حوالى 20 منهم رؤوس بارزة في عملهم الإجرامي. ربعهم، أي 5 من أصل 20، هم من الجنسية السورية. وهذه النسبة تسري تقريباً على كل التوقيفات في لبنان، وأغلب الموقوفين السوريين يعملون إما في السرقة، وإما في ترويج المخدرات، وفي الحالتين، وفي أغلب الحالات، يكون "رب العمل" لبنانياً.

تبرز إحصاءات تؤكد أن ما بين 30 إلى 40 بالمئة من الموقوفين في لبنان من السوريين. وحسب أرقام الحكومة اللبنانية التي وردت في كلمة لبنان في الدورة السادسة من مؤتمر "مستقبل سوريا والمنطقة"، في بروكسل، العام الماضي، فإن النازحين يشكّلون 30 في المئة من سكان لبنان. وبالتالي، المشكلة اليوم ليست بنسبة المجرمين السوريين مقارنة بأعداد النازحين وأعداد اللبنانيين، إنما بالمستقبل الذي ينتظرنا، إذا ما تم التركيز على أعمار المجرمين.

منذ أيام قليلة أعلنت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي عن إنجاز نوعي يتعلق بتوقيف عصابة أقدمت على تنفيذ سرقات واسعة النطاق، طالت كابلات التوتّر العالي الرئيسية وكابلات الإنارة وأنظمة التأريض وخزائن التحكّم ومضخّات المياه في وسط بيروت، كان كل عناصرها من الجنسية السوري، واللافت أن عمر الرأس المدبر فيها 23 عاماً، وأعمار 8 من أصل 10 موقوفين هي أقل من 25 عاماً. وبالتالي نشأ هؤلاء في لبنان، ما يعطي صورة واضحة عن التوجه المستقبلي في المجتمع اللبناني والسوري، داخل لبنان. فهؤلاء لم ينزحوا إلى لبنان مجرمين، بل أطفال قُدّر لهم التهجر، ووجدوا أنفسهم خارجين عن القانون. هكذا كانت تربيتهم.

التسرب المدرسي بأرقام مخيفة
مع انحلال الوضع الأمني كثرت الجرائم. وهذا طبيعي في أي مجتمع، لكن هناك خطر فعلي يتهدد كل بيئة لبنانية- سورية مشتركة، سواء كانت مخيمات أو أطراف قرى وأرياف أو ضواحي مدن. فالجرائم فيها تكثُر، واستغلال اللبنانيين للسوريين تزداد، وأعمار المجرمين تكشف عن جيل جديد من الخارجين عن القانون، سيتبعه جيل آخر أيضاً بسبب غياب أي وسيلة من وسائل حماية أطفال هذه البيئات.

حسب ليزا أبو خالد، المتحدثة باسم "مفوضية اللاجئين" في لبنان، فإن 30 بالمئة من الأطفال السوريين الموجودين في لبنان لم يذهبوا إلى المدرسة مطلقاً. مشيرة في كلام العام الماضي، إلى أن من أصل 660 ألف طفل سوري في لبنان، فإن 60 بالمئة منهم لم يسجلوا في المدارس خلال السنوات الأخيرة.

تُظهر النشرات الإحصائية للمركز الوطني للبحوث والإنماء أرقاماً مخيفة، بما يتعلق بالتسرب المدرسي لدى الأطفال السوريين من العام 2018 حتى العام 2021. ففي العام الدراسي  2018 – 2019، قبل الأزمة الاقتصادية في لبنان، فقط 15 بالمئة من الأطفال بعمر الدراسة دخلوا المدارس، وعددهم لا يتجاوز 103 آلاف، وهذه النسبة انخفضت أكثر بعد الأزمة حتى سجلت في العام 2021، 13 بالمئة فقط. فأي مستقبل ينتظر هؤلاء، كما أي مستقبل ينتظر لبنان الذي يُعاني اطفاله مشاكل مماثلة.



بيئة خصبة للإجرام واستغلال النازحين
عندما نتحدث عن نازحين سوريين مجرمين، لا بد من الإشارة الى أرباب عملهم. ففي تجارة المخدرات على سبيل المثال يعمل السوريون في الترويج، لصالح تجار لبنانيين، وفي السرقات عادة ما يبيع السارق مسروقاته لتجار لبنانيين، كما حصل مع ملف نحاس كهرباء لبنان، وكما يحصل في عصابات سرقة الدراجات النارية حيث يتولى لبنانيون مهمة تغيير أرقام الهيكل، أو تفكيك الدراجات أو إخراجها من البلد.

لا يقتصر استغلال قضية النزوح على الاستفادة المالية من بعض الشخصيات والجمعيات والمنظمات، بل هناك أيضاً استغلال جرمي، ظهر بشكل لافت خلال العامين الماضيين. فحسب مصادر أمنية لـ"المدن"، أصبح اعتماد تجار المخدرات على السوريين للترويج اليدوي، فنكاد لا نقبض على لبناني بهذا المجال. وهنا أيضاً، يكون السوري ضحية البيئة التي يتواجد بها.

الجرائم والوضع الاقتصادي والمعالجة
عادة، تكون الإجابة عن سؤال سبب تنفيذ الجريمة هو "الوضع الاقتصادي الصعب". فالأخطر من النزوح السوري إلى لبنان، هو النزوح بظل انهيار اقتصادي يُعاني منه كل شخص يعيش على الأرض اللبنانية، لأن الإجرام في ظروف كهذه يشكل الطريق الوحيد لفئة واسعة من الأجيال الصاعدة التي لم تُكمل تعليمها، ولا نشأت ببيئات سليمة، خصوصاً بظل ضعف أجهزة الدولة، وفقدان السيطرة في كثير من المناطق رغم الجهود الجبارة للجهات الأمنية.

من جهته يرى الإستشاري النفسي الاجتماعي، أحمد يوسف، أن النتائج التي نتوصل إليها بما يتعلق بوضع النازحين طبيعية للغاية، بسبب ضعف الدولة وهيبتها وغياب وجودها، مشيراً في حديث لـ"المدن" إلى أن هذا الأمر سيكون له تداعيات وستظهر أزمات أكثر وجرائم أكثر. مشدداً على أن الوضع الإقتصادي السيء والصعب الذي يعيشه النازح والمواطن اللبناني على حد سواء، سيؤدي الى زيادة إخراج كل ما هو مكبوت، فتزيد فكرة الجريمة. معتبراً أنه إذا لم يضبط الوضع ولم يكن هناك توجهات حقيقية لإدارته بشكل سليم، فسنصل إلى وضع صعب جداً. لذا، ستزيد معدلات الجريمة، التحرش والاغتصاب.

بالنسبة إلى المعالجة، فهي حسب يوسف مهمة الدولة التي تضع السياسات، أما المعالجات الصغيرة والموضعية، فستبقى قاصرة عن تحقيق الهدف المنشود. ويقول: "المعالجات الحقيقية الكبيرة يجب أن تكون من خلال سياسات الدولة أولاً".

يحدّثني صديقي عن تجربته بالتوقيف في نظارة الأمن العام وبعدها قوى الأمن الداخلي، بسبب تشابه أسماء بينه وبين تاجر مخدرات. فيصف الساعات الـ72 التي قضاها بالتوقيف بأبشع العبارات. إذ وجد نفسه برفقة تجار مخدرات، مرتكبي جرائم وأصحاب سوابق. وكان لهذه التجربة البسيطة أثر نفسي كبير عليه، فكيف حال القصّار الذين يدخلون السجن أطفالاً، ويتعرضون لهذا الكم من الإجرام المجتمِع في مكان واحد، من دون رعاية أو إصلاح أو اهتمام خاص.. ماذا ينتظر مستقبل لبنان؟

مستقبل البلد يُقرأ من واقع "أطفاله".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها