الجمعة 2023/05/19

آخر تحديث: 15:46 (بيروت)

التعسف بالأقساط: المدارس كالمصارف تكره الحلول "اليسارية"

الجمعة 2023/05/19
التعسف بالأقساط: المدارس كالمصارف تكره الحلول "اليسارية"
نواب الأمة باتوا أمام مسؤولية كبيرة تجاه أهالي الطلاب لوقف تمادي المدارس الخاصة (المجلس النيابي)
increase حجم الخط decrease
لم يعد أمام المجلس النيابي أو نواب الأمة أي ذريعة للتهرب من إنصاف أهالي الطلاب في المدارس الخاصة، ووقف المهزلة الحالية في كيفية فرض المساهمات الطائلة بالدولار ومن خارج الموازنات المدرسية. فقد تقدم النائب ورئيس لجنة التربية النيابية حسن مراد، صاحب سلسلة مؤسسات تربوية ضخمة، بمشروع قانون لتعديل بعض مواد القانون 515، لاعتماده استثنائياً في ظل الفوضى الحالية في تحديد الأقساط المدرسية.

ما قام به مراد في لجنة التربية النيابية بمثابة "شهد شاهد من أهلها"، عندما أبلغ النواب الحاضرين وممثلي لجان الأهل، بأن اقتراح القانون يعاكس مصلحته الشخصية كصاحب مؤسسات تربوية. فالاقتراح ينص على رقابة لجان الأهل في التدقيق بالموازنات المدرسية، وينصف بالتالي الأساتذة في كيفية احتساب أجورهم ورواتبهم، كما ينصف المدرسة في ديمومة عملها واستمرار رسالتها التعليمية. وهذه المبادئ تناقض الفوضى الحالية التي يعيشها القطاع في لجوء المدارس إلى فرض أقساط عشوائية من دون أي أصول محاسبية.

القسط بالتوافق في صيدا
ما بدر عن إدارات غالبية المدارس في لبنان ضرب بعرض الحائط حقيقة عدم تمكن الموظفين من تأمين المبالغ المفروضة من خارج الموازنة، أي مساهمات الأهل بالدولار. ففي حال تمكن الموظف من تأمين القسط المدرسي بالليرة اللبنانية (يتراوح بين 18 مليون و80 مليون ليرة)، عليه الاستدانة لتغطية القسط الثاني بالدولار (يتراوح بين 550 دولاراً و3500 دولار). وهذا قبل الحديث عن شراء الهندام المدرسي والكتب والقرطاسية وبدلات النقل (وصلت في العاصمة إلى 1200 دولار في العام الدراسي الحالي).

والمثال الحديث على المهزلة الحالية والعشوائية بتحديد الأقساط، تجسد بتوجه "الشبكة المدرسية" في صيدا للاتفاق على قسط موحد في مدارس المدينة لا يقل عن 1800 دولار. ووفق مصادر لجان الأهل، أبلغت إدارة مدرسة القلعة في صيدا أهالي الطلاب بأن مبلغ الدعم بالدولار سيكون 1800 دولار، أما القسط باللبناني فلم يحدد بعد. وعندما اعترضت لجنة الأهل، التي تضم متخصصين بالمحاسبة على هذا الإجراء التعسفي، الذي لا يراعي انتهاء تسجيل الطلاب لمعرفة القسط الواجب تحصيله، أبلغوا أن المدارس في صيدا اتفقت على هذا المبلغ. وبمعنى آخر، هذا الإجراء المتبع في اتفاق المدارس على الأقساط، عشوائي وتعسفي ولا يراعي حجم المدرسة وعدد الطلاب وعدد أفراد الهيئة التعلمية والموظفين، ولا حجم المصاريف التشغيلية. بل ببساطة يتم بالتوافق والتشاور بين أصحاب المدارس.

حق الأهل بأن يكونوا شركاء
اقتراح قانون مراد من شأنه وقف تمادي المدارس في فرض المساهمات العشوائية، ورفض إدخالها في الموازنة المدرسية. فرئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة، لما الطويل، تعتبر أن القانون المقترح يحفظ حق أهالي الطلاب، لكنه ينصف المدارس والأساتذة أيضاً. فلجان الأهل لا تعترض على حجم المبالغ التي تريد المدارس تقاضيها، بل على دقة حجم هذه المبالغ وكيفية احتسابها. أي بمعنى آخر، تكريس حق أهالي الطلاب كشركاء في تحديد القسط المدرسي، بناءً على موازنات مدرسية تخضع للتدقيق المالي. وحينها تتقاضى الهيئات التعليمية المستحقات العادلة وفق الأقساط المبررة محاسبياً. غير ذلك تبقى إدارات المدارس على ممارساتها الحالية بالتحجج بدعم الأساتذة، من دون دفع المستحقات العادلة لهم. ويدخل الأساتذة في نزاع مع الأهل أيضاً.
وشددت الطويل على أن نواب الأمة باتوا أمام مسؤولية كبيرة، ليس بضياع مستقبل جيل بكامله، بل أمام أهالي الطلاب، الذين ينتخبونهم. أي يفترض بهم الدعوة لجلسة تشريعية خاصة بالتربية وإقرار اقتراح مراد. والأخير صاحب مؤسسات تربوية، أي لن يقترح قانوناً لا ينصف المدارس. بل العكس، ميزة مراد أنه يعرف "البئر وغطاءه" ويريد انصاف الجميع، ووقف الفوضى في هذه الظروف الاستثنائية في لبنان.

موازنتان مدرسيتان
أما رئيس اتحاد لجان الأهل في مدارس كسروان الفتوح وجبيل، رفيق فخري (كان حاضراً في اجتماع لجنة التربية النيابية)، فله مقاربة مختلفة. فهو يرى أن انعقاد جلسة تشريعية للمجلس النيابي قد يأخذ وقتاً، فيما المطلوب التحرك سريعاً. فأغلبية المدارس بدأت بتسجيل الطلاب وفق الأقساط التي أعلنت عنها. ولوقف العشوائية الحالية في تحديد الأقساط يجب على وزارة التربية إصدار قرار تمنع فيه المدارس من تحديد الأقساط كما هو حاصل حالياً. وتطلب بالمقابل من المدرسة تقديم موازنتين للجان الأهل قبل آخر حزيران. واحدة بالليرة اللبنانية للمصاريف الثابتة بالليرة، وأخرى بالدولار تلحظ المصاريف التشغيلية ورواتب الأساتذة وغيرها. وعندما توافق لجان الأهل عليها تحدد المدارس الأقساط. فرغم أن هذا الإجراء من خارج القانون، إلا أنه أفضل طريقة لوقف التمادي الحالي. وعندما يقر قانون مراد تصبح الأمور على أفضل ما يكون. 

تعيين لجان الأهل
بدورها ترى الطويل أن الحلول سهلة في حال وجدت النوايا الحسنة. فبإمكان وزير التربية إصدار قرار يمنع فيه المدارس من تحديد الأقساط وإلزامها بالقانون لناحية تسجيل الطلاب على أساس تقاضي المدرسة رسم تسجيل يوازي 10 بالمئة من قيمة القسط السنوي السابق. وفي مطلع الفصل الثاني من العام الدراسي تحدد المدارس أقساطها، كما يفرض القانون، بعد تقديم موازنات مدققة من لجان الأهل. لكن المشكلة ليست في اقتراحات الحلول، بل في عدم وجود نوايا لتغيير النهج المتبع من إدارات المدارس.
المشكلة التي ستبقى قائمة هي الوضعية القانونية للجان الأهل في المدارس. فثمة مدارس تشكل لجان أهل غب الطلب للتوقيع على الموازنة. وهناك بعض اتحادات لجان أهل غير مرخصة والقيمون عليها موظفون في مدارس خاصة. أي هناك تضارب مصالح. ورغم أن قانون مراد لم يلحظ هذه الإشكالية، إلا أنه شدد على وضعية لجان وآلية انتخاباتها، كي لا تأتي معينة من إدارات المدارس.
بالمختصر، قانون مراد تقدمي بما يتعلق بحقوق أهالي الطلاب في ظل التعسف القائم في السنتين الأخيرتين. وقد لا يجد طريقه إلى الإقرار في المجلس النيابي في ظل ترابط المصالح بين القوى السياسية وأصحاب المدارس الخاصة. وقبل تقديمه إلى المجلس النيابي (سيسجل اليوم) بدأت تطلق عليه أوصاف بأنه قانون "شعبوي". وبناء على تجربة اللبنانيين، ربما يُنعت لاحقاً بأنه يساري و"شيوعي"، لتبرير رفضه، أسوة بما حصل مع خطة إصلاحات صندوق النقد، التي وصفتها جمعية المصارف بأنها شعبوية ويسارية.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها