الجمعة 2023/05/12

آخر تحديث: 12:30 (بيروت)

فوز عالمي لمديرة كورال الفيحاء: تجربة عربية فريدة

الجمعة 2023/05/12
فوز عالمي لمديرة كورال الفيحاء: تجربة عربية فريدة
رولا أبو بكر: أهدافنا أن نشجع ثقافة الغناء الجماعي، وأن ننشر موسيقانا في الخارج (المدن)
increase حجم الخط decrease

مع كل نجاح عالمي يحصده "كورال الفيحاء الوطني" بقيادة مبدعه، المايسترو باركيف تسلاكيان، يؤكد أن هذه التجربة الكورالية العربية الفريدة من نوعها، والتي ولدت في طرابلس سنة 2003، تكتب تاريخها بنفسها، ليس في عالم الموسيقى وحسب، بل في أثرها الثقافي والاجتماعي وعلى حياة المئات من الشباب والشابات.

وآخر تلك النجاحات، تجسد في إعلان فوز مديرة الكورال رولا أبو بكر، في انتخابات الاتحاد الدولي لموسيقى الكورال (IFCM)، وحصولها على مركز نائب الرئيس. وهي العربية الوحيدة التي انخرطت وفازت في هذه الانتخابات ممثلة لبنان والعالم العربي.

ويعد هذا الفوز حدثًا استثنائيًا في مسيرة "كورال الفيحاء" التي تناهز عشرين عامًا. وهو فوز كبير للبنان، خصوصًا أنه يأتي بعد عام واحد من إعلان وزير الثقافة محمد المرتضى أنّ كورال الفيحاء أضحى الكورال الوطني اللبناني الرسمي.

فما قصة الفوز؟
داخل مركز "كورال الفيحاء" في ميناء طرابلس، حيث تنحدر وتعيش أيضًا رولا أبو بكر، تحدثت مع "المدن" عن قصة فوزها بمنصب نائبة رئيس الـIFCM، وهو الاتحاد الدولي لموسيقى الكورال الذي تأسس سنة 1982، بغرض تسهيل التواصل والتبادل بين موسيقيي الكورال في جميع أنحاء العالم، وتنفيذ مجموعة متنوعة من المشاريع والبرامج في هذا الإطار. وهذا الاتحاد سجل في أميركا ومقره في البرتغال.

تتعامل رولا أبو بكر (40 عامًا) مع فوزها ببساطة وتواضع، رغم قيمته العالمية وأبعاده، وتجده ثمرة طبيعة لجهود سنوات بذلها الكورال بقيادة المايسترو باركيف.

هذه الشابة الموهوبة والشغوفة والمحترفة بالغناء الكورالي، تقول: "إن ما نحققه في كورال الفيحاء، لم يرد حتى في أحلامي الطفولية حين كان الغناء على المسرح بالنسبة لي حلمًا كبيرًا ومؤلمًا، ظنًا مني أنه لن يتحقق. ولو لم يكن المايسترو باركيف في طرابلس، لما حققت شيئًا مع كل أعضاء الكورال".

تخبرنا أن الاتحاد الدولي لموسيقى الكورال، تواصل معها قبل نحو عامين، وجرى منحها العضوية من دون أن تنخرط في الانتخابات، حتى تمثل المنطقة العربية. لكن هذ العام، قررت أبو بكر الترشح للانتخابات، وسط منافسة شرسة وقوية، وكان بإمكانها الفوز بأصوات قليلة لتمثيل المنطقة العربية، لكنها حصدت ثاني أعلى أصوات بانتخابات الجمعية العمومية، ما شكل مفاجأة للجميع.

تعتبر أبو بكر أن المايسترو باركيف هو صاحب الفضل الأول في هذا النجاح، لأنه هو من آمن بأن تعزيز شبكة العلاقات العالمية، طريق مثالي لنجاح الكورال وتألقه.

كورال الفيحاء بقيادة المايسترو باركيف تسلاكيان


تاريخ التألق
يعد "كورال الفيحاء" أكثر التجارب الفنية ريادة التي حملت طرابلس ولبنان إلى العالمية، على يد المايسترو باركيف، صاحب المغامرات التي خاضها مع شباب وشابات من طرابلس. ومنذ تأسيسه سنة 2003، أصبح الكورال مركزاً للمواهب الموسيقية الشابة في طرابلس. وبعد فترة وجيزة من تأسيسه، حصل على تقدير دولي لعمله في إحياء الموسيقى العربية. وهكذا، صار أول كورال عربي بالعالم، يتغذى من المشاريع الاجتماعية التي عمل عليها كجزء من هويته وتطلعاته.

وهنا، تقول أبو بكر إن "الفن الكورالي لم يكن موجودا بالثقافة العربية، وتطور مع تطور كورال الفيحاء باعتراف الجميع". مثلًا تأسس كورال في السعودية على يد تلميذ لبناني في كورال الفيحاء، وعمل على تدريب شباب وشابات سعوديين على الغناء الكورالي. كما أسس "الفيحاء" كورالاً في المغرب، وكذلك في الأردن ساهم بإنضاج عدد من التجارب. وفي مصر أيضًا، حيث كان لكورال الفيحاء مكتبًا هناك، عمل على تأسيس عدد من الكورالات هناك.

قبل نحو ست سنوات، شغلت أبو بكر منصب عضوية في The International Music Council (IMC)، وهو أعلى مرجع موسيقي عالمي. وتقول: "إن من أبرز أهدافنا أن نشجع ثقافة الغناء الجماعي، وأن ننشر موسيقانا في الخارج، ووجودنا في هذه المنظمة والاتحادات الدولية يساعدنا كثيرًا".

ومع دخولها في الـIFCM، تسعى أبو بكر إلى مضاعفة أعداد العرب في الاتحاد، والمساهمة أكثر في نشر ثقافة الفن الكورالي العربي.

رولا والكورال
مقابل فرعه الرئيس في طرابلس، يمتلك "كورال الفيحاء" فرعين في بيروت والشوف، ويضم ما لا يقل عن 120 شخصًا محترفًا من مختلف المناطق اللبنانية، تتراوح أعمارهم بين 14 و40 عامًا. وتمكن الكورال على مدار سنوات، أن يسافر مع مختلف أعضائه إلى أكثر من 40 دولة حول العالم، وحظي بدعم من المجتمع المحلي، "لأنه يؤثر إيجاباً في حياة الشباب ويفجر طاقاتهم، ويعلمهم معنى الانضباط والالتزام والعمل بإخلاص".

تقر أبو بكر أن الكورال يواجه مصاعب كبيرة في التمويل، لكنه منذ العام 2009، يعمل على مشاريع اجتماعية مع منظمات دولية وغير حكومية، تعزيزًا لدورهم في بناء السلام والترابط الاجتماعي في المناطق المهمشة وداخل مخيمات اللاجئين السوريين والفلسطينيين.

ويأتي فوز أبو بكر توازيًا مع تمثيل كورال الفيحاء للبنان في الـ"سيمبوزيوم العالمي للموسيقى الكورالية" 2023 الذي أقيم في اسطنبول. كما يتحضر الكورال هذا العام لزيارة سوريا وجرش في الأردن، ناهيك عن دعوات أخرى من فرنسا وألمانيا والدنمارك والسعودية وغيرها من الدول.

قبل الكورال وبعده
تعود رولا أبو بكر إلى نشأتها في منزل عائلتها المتواضع في الميناء، حين كانت تحب الغناء وتجده فيه مهربًا من كل ما يحيطها، حتى أن صوتها كان "يلعلع" وفق وصفها في أروقة مدرستها. لم تجد أبو بكر من يمسك بيدها لتحقيق حلمها قبل "كورال الفيحاء". لاحقًا، تخصصت بالعمل الاجتماعي في الجامعة اليسوعية، وكان شغوفة بهذا المجال أيضًا، وعملت في منتدى المعاقين وفي بلديات الشمال، كما أسست أول مكتب تنمية في اتحاد بلديات الفيحاء.

في العام 2004، انضمت أبو بكر إلى كورال الفيحاء بعد عام من تأسيسه، ولقي قرارها استغرابًا كبيرًا من محيطها، لأنها من أجله تركت عملها، ولم يكن حينها معروفًا.

تقول: "لم يتأخر المايسترو حتى اكتشف صوتي وأنه بإمكاني الغناء وحدي مع الكورال، وأخذ أدوار غناء إفرادي".

منذ العام 2005، بدأت تساعد المايسترو في الشؤون اللوجستية، خصوصًا مع بدء جولات السفر حول العالم، إلى أن أصبحت مديرة الكورال. تضيف بحماسة: "أنا أولًا مغنية بكورال الفيحاء، وهذا ما يهمني. بعدها تأتي كل الألقاب الأخرى، ومن خلاله أمزج بين شغفي في الغناء والعمل الاجتماعي".

تتحدث أبو بكر عن المايسترو باركيف بوصفه الأب الروحي لمختلف أعضاء كورال الفيحاء، والمثل الأعلى لهم، رغم صعوبته الكبيرة في التخطيط والتعامل، "لكننا نفهمه كثيرًا". ولو لم يكن فنانًا خارقًا وصعبًا واستثنائيًا، وفقها، لما حلق الكورال إلى هذا المستوى من العالمية.

تتمنى أبو بكر لو ينجز فيلم وثائقي عن قصص نجاح شباب وشابات الكورال، ومدى تأثيره على حياة أفراده، "فهو من علمنا تغليب المصلحة العامة الجماعية، التي من خلالها وحدها، تتحقق أحلامنا ومصالحنا الشخصية ونجاحاتنا".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها