الأحد 2023/04/16

آخر تحديث: 11:28 (بيروت)

خطة "تاريخية": السيارات في أميركا كهربائية عام 2032

الأحد 2023/04/16
خطة "تاريخية": السيارات في أميركا كهربائية عام 2032
دعم عددٍ كبير من الشركات العملاقة لخطة وكالة حماية البيئة الأميركية (Getty)
increase حجم الخط decrease

في خطةٍ وُصفت بأنها الأكثر طموحاً في تاريخ الولايات المتحدة، أعلنت وكالة حماية البيئة الأميركية يوم الأربعاء الفائت، عن رؤيتها التاريخية لفرض قيودٍ قاسية على انبعاثات المركبات السائرة على الطرقات، والعمل في الوقت ذاته لأن تكون 67 في المئة من السيارات الجديدة المباعة في الولايات المتحدة بحلول عام 2032، كهربائية بالكامل.

الخطة الأكثر طموحاً
الخطة الجديدة وصفها مايكل ريغان، مدير وكالة حماية البيئة الأميركية، بأنها تمثل "أقوى المعايير الفيدرالية على الإطلاق لمكافحة تلوث السيارات والشاحنات". إذ تقيّد مجموعة المقترحات التلوث الناتج عن أنابيب العادم في المركبات الثقيلة والسيارات والشاحنات الصغيرة والحافلات والجرارات وعربات التوصيل. وستعمل هذه القيود على تجنب ما يقرب من 10 مليارات طن متري من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول منتصف القرن، أي ما يعادل ضعف إجمالي انبعاثات الولايات المتحدة في عام 2022، مع تقليل ملوثات الهواء الخطيرة كأكسيد النيتروجين ضمن المسار الزمني المحدد.

وتحظى خطة وكالة حماية البيئة الأميركية بدعمٍ قوي من الحكومة وعدد كبير من الشركات الأميركية. ففي آب 2021، وقع الرئيس الأميركي جو بايدن أمراً تنفيذياً لجعل نصف المركبات الجديدة المباعة في 2030 خالية من الانبعاثات. وفي العام نفسه، أعلنت "جنرال موتورز" أنها ستتوقف تدريجياً عن تصنيع محركات الاحتراق الداخلي بحلول عام 2035. والتزمت "فورد" و"فولكس فاغن" و"ستيلانتيس" بجعل نصف مبيعاتها في الولايات المتحدة خالية من الانبعاثات بحلول عام 2030. 

ورؤية الوكالة هذه تُعتبر أكثر طموحاً من مشروع بايدن للمركبات الخالية من الانبعاثات. فهي ستحدّ من انبعاثات 67 في المئة من السيارات و46 في المئة من مبيعات المركبات المتوسطة بحلول عام 2032. وبالنسبة للمركبات التجارية الثقيلة، تقضي الرؤية بأن تكون 35 إلى 57 في المئة من مبيعاتها الجديدة صفرية الانبعاثات في العام نفسه.

المركبات الكهربائية ستكتسح السوق الأميركي
وفق رؤية الوكالة، سيتعين على ما يقرب من ثلثيّ سيارات الركاب الجديدة المباعة أن ينتج عنها انبعاثات صفرية بحلول عام 2032، ما يعني أنها ستكون إلى حدٍ كبير مركباتٍ كهربائية تعمل بالبطاريات وخلايا الوقود. وهذا ما سيعطي زخماً هائلاً لسوق المركبات الكهربائية، التي شكلت 5.8 في المئة وحسب من مبيعات السيارات الجديدة والشاحنات الخفيفة في الولايات المتحدة العام الماضي.

تتزامن هذه الرؤية مع تضاعف الالتزامات الاستثمارية في صناعة السيارات والبطاريات الكهربائية في الولايات المتحدة، وسيتم استثمار 120 مليار دولار فيها تقريباً في الربع الأول من العام الجاري. في حين أضاف "قانون الاستثمار والوظائف في البنية التحتية" من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، مئة مليار دولار لـسياسة السيارات الكهربائية والطاقة النظيفة، فضلاً عن أن "قانون خفض التضخم (IRA)" يوظف 369 مليار دولار أخرى في استثمارات الطاقة النظيفة على مستوى الاقتصاد. ويوفر هذا القانون إعفاءات ضريبية تصل إلى 7500 دولار للمركبات الكهربائية الجديدة، و 4000 دولار للمركبات الكهربائية المستعملة، وما يصل إلى ألف دولار لمحطات شحن المركبات الكهربائية، و 40 ألف دولار للمركبات التجارية الخالية من الانبعاثات، ومئة ألف دولار لمحطات شحن الشاحنات الثقيلة.

وضمن الخطة المطروحة، سيستفيد الأميركيون الذين يشترون المركبات الكهربائية من انخفاض تكاليف الوقود والصيانة. وبذلك سيكون امتلاك المركبات الكهربائية أرخص بحلول عام 2025، ليحقق في السنوات الست الأولى من تنفيذ الخطة وفراً مالياً للمواطنين يتراوح بين 6600 إلى 11 ألف دولار.

قبول المستهلك ودعم الولايات
ولا بد من الإشارة في السياق، أن هذه الاستثمارات تعمل على تغيير سوق السيارات في الولايات المتحدة بسرعة. إذ وجدت دراسة حديثة لـ"جي دي JD Power"، وهي شركة أميركية معنية بتحليل البيانات وسلوك المستهلك، أن حوالى نصف مشتري السيارات الجديدة في الولايات المتحدة سيمكنهم العثور على سيارةٍ كهربائية بالسعر والحجم الذي يريدونه، من علامتهم التجارية المفضلة، بحلول نهاية هذا العام. كما وجدت دراسة من "المجلس الدولي للنقل النظيف"، أن المركبات الكهربائية للركاب التي يصل مداها إلى 482 كم ستكون أرخص من مركبات البنزين قبل عام 2030. ومن بين المركبات التجارية الثقيلة، ستكون بعض الشاحنات والحافلات الكهربائية أرخص في الشراء من نظيراتها التي تعمل بالوقود بين عاميّ 2025 و2030، وسيكون تشغيل معظمها أرخص بحلول عام 2030.

من ناحيتها، تبنت ولاية كاليفورنيا الأميركية بالفعل سياساتٍ تتطابق مع خطة الوكالة الأميركية، فطلبت من صانعي السيارات رفع حصة مبيعات سيارات الركاب الكهربائية إلى نسبة مئة في المئة بحلول عام 2035. وبالنسبة للشاحنات والحافلات التجارية، وقعت مجموعة من الولايات التي تمثل 36 في المئة من سوق المركبات الثقيلة في الولايات المتحدة، ومنها نيويورك وماريلاند، اتفاقية لتحقيق مبيعات كهربائية بنسبة 30 في المئة للشاحنات التجارية والحافلات بحلول عام 2030.

والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة لا تزال متخلفة عن أوروبا والصين في سياسات المركبات خالية الانبعاثات. ذلك أن الاتحاد الأوروبي وضع نصب عينيه الوصول إلى أن تكون كل المركبات الجديدة صفرية الانبعاثات بحلول عام 2035 عبر الدول الأعضاء التي تضم حوالى 450 مليون شخص. فيما ساعدت سياسات "مركبة الطاقة الجديدة" الصين على أن تصبح اللاعب المسيطر في سلسلة القيمة العالمية للسيارات الكهربائية، حيث تجاوزت المبيعات المحلية بالفعل أهداف الدولة. وبفضل السياسات القوية المتبعة والإشارات المرسلة إلى القطاع الخاص، باتت السيارات الكهربائية العام الماضي تمثل 30 في المئة من سيارات الركاب الجديدة في الصين و 22 في المئة في أوروبا. بينما تتخلف الولايات المتحدة حالياً عن كليهما بنسبة 8 في المئة وحسب.

فوائد بيئية هائلة
إلى ذلك، تهدف قواعد الانبعاثات المقترحة إلى الاندماج مع مجموعة من سياسات تغيّر المناخ التي أقرتها الحكومة الأميركية. ونذكر هنا أن قانون "البنية التحتية" الأميركي يخصص ما يقرب من 25 مليار دولار لبناء شبكة من أجهزة شحن المركبات الكهربائية وشراء حافلات مدرسية خالية من الانبعاثات، بينما يحتوي قانون "الحد من التضخم" على قروضٍ ومِنَحٍ تبلغ حوالى 6 مليارات دولار لبناء ونشر المزيد من السيارات النظيفة. ويتزامن كل ذلك مع إقرار البيت الأبيض نيته مضاعفة العدد الحالي لشواحن المركبات الكهربائية العامة ثلاث مرات تقريباً إلى حدود 500 ألف بحلول عام 2030، جنباً إلى جنب مع الاستثمارات في بناء سلسلة توريد للبطاريات وتدريب القوى العاملة على النقل الأنظف.

وسيكون لخطة الوكالة الأميركية فوائد صحية وبيئية هائلة تطال المستهلكين، من المتوقع أن تكون قيمتها الاقتصادية ما بين 850 مليار إلى 1.6 تريليون دولار. وبموجبها سيتم خفض التلوث الكربوني بمقدار 7.3 مليار طن متري، أي ما يُعادل الانبعاثات السنوية لـ1.6 مليار سيارة ركاب تقريباً. كما سيتم تقليل انبعاثات الجسيمات والتلوث بأكسيد النيتروجين بشكلٍ كبير. وهما سببان يؤديان إلى تدهور جودة الهواء وتفاقم مشاكل الجهاز التنفسي والتسبب بحالاتٍ مرضية مثل الربو. ناهيكَ أن الشقّ المرتبط بالشاحنات الثقيلة سيقلل من التلوث الكربوني بمقدار 1.8 مليار طن متري، وهو ما يُعادل الانبعاثات السنوية لـ480 محطة طاقة تعمل بحرق الفحم تقريباً، ما يحقق فوائد صافية تتراوح بين 180 و320 مليار دولار.

وإنطلاقاً من ذلك، تُعدّ المعايير الجديدة أهم إجراء تنظيمي لإدارة بايدن لمكافحة تغير المناخ من خلال قطاع النقل، وهو أكبر مصدر للغازات المسببة للاحتباس الحراري في البلاد. وتمنح هذه المعايير الولايات المتحدة فرصة للوفاء بتعهداتها المناخية الدولية، المصممة لتجنب أسوأ آثار الاحتباس الحراري. 

عوائق محتملة
يبقى أن نشير في النهاية بأن الولايات التي يقودها الجمهوريون مثل تكساس، ترفض العمل بمقرحات وكالة حماية البيئة، ومن المرجح أن تتحدى الأنظمة الجديدة. وقد أظهر القضاة الجمهوريون في المحاكم الفيدرالية، بما في ذلك المحكمة العليا، عداءً متزايداً للوائح البيئية التنظيمية الجديدة. ما يعني أن هذه القيود المطروحة من المحتمل أن تكون عرضةً لتسوياتٍ معينة تغير من جوهرها بعض الشيء.

وفي مقابل دعم عددٍ كبير من الشركات العملاقة لخطة الوكالة الطموحة، ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أن جزءاً من الشركات سيتضرر من التشريعات الجديدة التي تنوي وكالة حماية البيئة فرضها، بتطبيق سياسة الثلثين والثلث، بل إن هذه المؤسسات قد تعتبر هذه التشريعات والقيود الجديدة متطرفة من جانب الإدارة الأميركية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها