الأحد 2023/03/05

آخر تحديث: 13:25 (بيروت)

عودة السكن الجامعي بـ"اللبنانية": الصيانة والتشغيل على عاتق الطلاب

الأحد 2023/03/05
عودة السكن الجامعي بـ"اللبنانية": الصيانة والتشغيل على عاتق الطلاب
السكن الجامعي يستوعب 1200 سرير للإناث، و800 سرير للذكور (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease

لا يخفي طالب الهندسة الميكانيكية في الجامعة اللبنانية-الفرع الثالث (الحدث)، جاد السّعيد، حاجته الملّحة لاستئجار ولو سرير في غرفة مشتركة، قريبة من الجامعة اللبنانية، للتخفيف عن كاهله مشقة الطريق من بيته في مدينة بعلبك إلى مجمع الحدث الجامعي، الذي يبعد حوالى الثمانين كيلومترًا عنه، وما يتبعها من تكاليف النقل والحضور، طردية الارتفاع. والتّي قد تتجاوز مبلغ المليون ونصف المليون ليرة في اليوم الواحد أي ما يُقدر بحوالى 17 دولاراً أميركياً (على سعر صرف السّوق السّوداء اليوم).

وبُعيد الإعلان عن القرار الصادر بتاريخ 27 شباط الماضي، الذي قضى بقبول طلبات الطلاب للتسجيل بالسّكن الجامعي (الفواييه/ الدورم)، انشرح السعيد ومثله 1825 طالباً، بهذا الإعلان الذي جاء بعد أشهر من تواتر العقبات التّي حالت دون فتح السّكن الطلابي. وهؤلاء الطلاب القادمين من شتى المناطق اللبنانية البعيدة عن العاصمة، والذين بدورهم عايشوا طوال سنوات الانهيار الأخيرة الانزلاق الدراماتيكي لجامعتهم الوطنية شبه المجانية، نحو درك التوقف القسريّ للأعمال الأكاديمية والإدارية، بوتيرة سابقت الانهيار بترقب وتخوف كبيرين، هللوا لشبه العودة الجزئية لنمط حياتهم الطبيعي.

العودة للسكن الجامعي
الإعلان الذي تمّ بموجبه فتح أبواب السّكن الجامعي بعد شهورٍ طويلة من الاجتماعات الإدارية والمطالبات والاحتجاجات الطلابية، انطوى في مضامينه على عدّة متغيرات، أبرزها كان رفع تسعيرة بدل السّكن التّي كانت لا تتجاوز سابقًا 200 ألف ليرة لبنانية، إلى مليون ونصف المليون ليرة، مُضافةً إلى ثلاثة ملايين ليرة للتأمين، ذلك أسوةً برفع رسوم التّسجيل والضمان بداية العام الدراسي الجاري، الأمر الذي اعتبره غالبية الطلاب طبيعيّاً ومتوقعاً. فضلاً عن التعديل في شروط القبول حيث سُمح لطلاب عدد من الكليات (كالهندسة والطب والصيدلة..) التّي تتجاوز سنوات الدراسة فيها الثلاث سنوات بتقديم طلب للسكن الجامعي، بعد أن كان طلاب السنة الرابعة والخامسة محرومون من السّكن الجامعي، على أن لا تتعدى أعمارهم الخمسة وعشرين سنة.

وتحضيرًا للعودة، أفادت مصادر مطلعة في الجامعة لـ"المدن"، أن الإدارة قامت بتأمين الحراسة (حارس واحد لكل مبنى) والصيانة والتنظيفات اللازمة للغرف والمباني السّتة، التّي تستوعب حوالى الألفي سرير: 1200 سرير للإناث، و800 سرير للذكور، لكن هذه الصيانات والتنظيفات مؤقتة. إذ تم فرض شرط تعهد الطلاب خطيًا لدى استلامهم الغرف/ الأسرة على تنظيفها وصيانة الأضرار على حسابهم الخاص، على خلاف ما كان متبعًا في السّنوات الماضية، حيث كان يتم تبليغ الإدارة بالأعطال فتقوم الأخيرة بصيانتها لاحقًا. كما لا تتحمل إدارة السّكن الجامعي سوى مسؤولية الطوابق عامةً، فيما راج الحديث عن دوريات مراقبة للنظافة العامة في الغرف. هذه الغرف التّي غالبيتها بجدران تقشر طلاؤها، وتفتقر شتاءً للتدفئة، وتحتاج في الصيف إلى التكييف.

العودة المُلتبسة
وهذه المتغيرات أساسها إعلان الشركة المشغلة والمسؤولة عن صيانة السّكن الجامعي "دنش لافارجيت" إنهاء خدماتها في السّكن الجامعي بتاريخ 31 كانون الثاني من العام الجاري، بعد حوالى الثلاث سنوات من انتهاء عقدها مع إدارة الجامعة، الموقَّع مع مجلس الإنماء والإعمار منذ العام 2017، (فيما كانت قيمة القعد تُقدر بستة ملايين دولار سنويًا، وقد استفادت الشركة المشغلة بحوالى 18 مليون دولار حتّى بداية الأزمة)، من دون توقيع تمديد أو استلام الشركة المشغلة لأي من مستحقاتها، كما نصّ عليه قرار مجلس الوزراء رقم 4 الصادر بتاريخ 12 أيار 2022، والذي كلّف الجامعة اللبنانية باتخاذ الإجراءات اللازمة لاستلام منشآت الجامعة اللبنانية في الحدث منذ مطلع العام 2023. وطرديًا، فإن الشركة التّي لم تستحصل على أي من مستحقاتها في آخر فترات عقدها، ومع الارتفاع المتفاقم لسعر صرف الدولار، امتنعت عن القيام بالتصليحات اللازمة لجهة كون كلفة الصيانة وقطع الغيار تُدفع بالدولار الأميركي حصرًا. بل اقتصر عملها على الحدّ الأدنى من الصيانات بموجب الوساطات السّياسيّة مع صاحب الشركة وعقود المصالحة الظرفيّة.

فيما كان مجلس الوزراء قرر منح "دنش" 133 مليار ليرة عن ثلاث سنوات خدمة، بعد تراجع سعر صرف العملية اللبنانية.. لكنها لم تصرف. فقرر دنش سحب يده إزاء امتناع الجهات الرسمية عن صرف مستحقاته. وبالرغم من عدم قدرة الجامعة على استلام هذا المرفق، أصرت "دنش" على قراراتها. وللآن لم تُعلن الجامعة عن عقود المناقصات الجديدة لتأمين شركة تشغيل بالحدّ الأدنى. وفي حين كشفت مصادر رسمية في الجامعة، أن الإدارة لم تجرِ منذ حوالى عشر سنوات ونيف أي مناقصات لازمة لتوفير مستلزمات جديدة للخدمات الداخلية في السّكن، فضلاً عن الحراسة، علمت "المدن" أيضًا أن طاقم حراسة جديد سيستلم حراسة السّكن الطلابي. أما عن الكافيتريا التّي كانت تعمل تحت جناح الإدارة، والتّي كان يشتكي الطلاب من أسعارها الجنونية حتّى ما قبل الأزمة، فمصيرها لليوم مجهول. وكان يُنتظر من الحكومة تأمين مبلغ يُقدر بـ60 مليار ليرة للسكن الجامعي، مخصّصة لصيانة وحراسة ونظافة المجمعات الجامعية.

تدابير ترقيعية
وإزاء ضغط تكتل طلاب السّكن الجامعي في الحدث على إدارة الجامعة، لحثّها على التعاطي بجدية وبسرعة مع إعادة افتتاح السّكن، وأصوات الطلاب التّي علّت مطالبةً الإدارة بوضع خطط عاجلة وتدابير سريعة، أطلقت الجامعة في الأشهر الأخيرة حملة نظافة وصيانة لمباني السّكن الجامعي المزدحمة بالأعطال البنيوية وأساسيات العيش، فضلاً عن النفايات والأوساخ. إذ انتشرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي للغرف والمطابخ والحمامات القذرة، فيما كانت المياه السّاخنة والتكييف هي حلم الطلاب، كما هو تخرجهم، وهي لليوم على حالها. وكان مقرّرًا أن يُعلن عن أسماء المقبولين منذ شهر كانون الثاني الماضي، تمهيدًا لافتتاح السّكن، لولا إعلان "دنش" للمقاولات والتجارة توقفها عن إسداء الخدمات منذ 31 كانون الثاني الماضي. وهي ترفض اليوم التوقيع على قرار تمديد العقد الصادر في مجلس الوزراء.

وبالرغم من هذه التدابير التّي اتخذتها إدارة الجامعة، في محاولة لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه من العام الأكاديمي الحالي، وتسيير شؤون الطلاب، الذين رحبوا بهذه الخطوات، فإن جزءًا يسيرًا منهم اعتبروا أنها بلا شكّ محاولة لتجميل واقع الجامعة المأزوم على كافة الصُعد، طالبين من المعنيين تحمل مسؤولياتهم بجديّة. خصوصًا أن هؤلاء الطلاب الذين يلجؤون لاستئجار أسرة في السّكن الجامعي أو المساكن الخارجية، هم بغالبيتهم من الأرياف والأطراف البعيدة، فيما لم يَعد بمقدرة غالبيتهم الاستمرار بالدراسة كما سابق عهدهم. إذ يضطر غالبيتهم للعمل بدوامين أو أكثر لتأمين معيشتهم المتدهورة أساسًا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها