الأحد 2023/03/26

آخر تحديث: 11:06 (بيروت)

طريقة عملنا ستتغير قريباً.. الذكاء الاصطناعي يتطور شهرياً

الأحد 2023/03/26
طريقة عملنا ستتغير قريباً.. الذكاء الاصطناعي يتطور شهرياً
الكتابة الإبداعية ستبقى حكراً على البشر (Getty)
increase حجم الخط decrease

خلال الشهور الماضية، أصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي، التي تعمل منذ فترةٍ طويلة في خلفية العديد من الخدمات، قادرةً على مساعدتنا في عملنا بطريقةٍ لم نكن حتى لنتخيلها. وفي غضون بضعة أشهرٍ وحسب، ربما قد نتمكن من مناقشة مساعد افتراضي والطلب منه تدوين ملاحظات الاجتماع أثناء محادثات العمل، وتلخيص رسائل البريد الإلكتروني الطويلة لصياغة الردود المقترحة بسرعة، وإنشاء مخطط محدد في برنامج "إكسل Excel" بسرعة البرق، وتحويل مستند "وورد Word" إلى ملف عرض "باوربوينت Powerpoint" في ثوانٍ معدودة.

التعامل مع العمل الشاق
العروض الأخيرة المقدمة من شركات التكنولوجيا الكبرى كان هدفها واضح، ويتلخص بجعل الذكاء الاصطناعي للإنسان أكثر إنتاجية وتمكينه التعامل مع العمل الشاق. وقد عبّر الرئيس التنفيذي لشركة "مايكروسوفت Microsoft"، ساتيا ناديلا، عن ذلك بشرحه أن الهدف لهذه الشركات يتمثل بإزالة الكدح من مهامنا ووظائفنا اليومية.

العدد الهائل من الخيارات الجديدة التي تصل إلى السوق تصيب المرء بالذهول، وتثير في الآن عينه تساؤلاتٍ حول ما إذا كانت ستولد عواقب غير مقصودة. ويعتبر روان كوران، محلل علوم البيانات في شركة الاستشارات الأميركية "فوريستر Forrester"، بأن دمج هذه التكنولوجيا في الأجزاء التأسيسية لبرامج الإنتاجية التي يستخدمها معظمنا يومياً، سيكون له تأثير كبير على طريقة عملنا. لكن هذا التغيير لن يطال تأثيره كل شيءٍ وكل شخص في الغد القريب، إنما نحتاج بعض الوقت لتعلم أفضل طريقة للاستفادة من هذه الإمكانات، لتحسين وتعديل تدفقات العمل الحالية.

تغيير سريع في أدوات مكان العمل
وسط المنافسة حامية الوطيس بين شركات التكنولوجيا العملاقة، أعلنت شركة "مايكروسوفت" الأميركية هذا الأسبوع عن دعم برامجها المكتبية المستخدمة في حزمة "مايكروسوفت أوفيس Microsoft Office"، ببرنامج "كوبايلوت إيه آي AI Copilot"، الذي يدمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في البرامج المكتبية مثل جداول بيانات "إكسل"، وبرنامج المستندات "وورد"، وبرنامج العروض التقديمية "باور بوينت" والبريد الإلكتروني "أوتلوك".

تتضمن الميزات التي كشفت عنها مايكروسوفت طرقاً جديدة لتوليد النصوص وتحليل التقارير وتلخيصها وإبداعها بواسطة روبوتات طُورت باستخدام نماذج اللغة الكبيرة والتي تستهدف زيادة الإنتاجية وتحسين جودة العمل. ويحدث ذلك بعد أن أعادت هذه الشركة إحياء محرك البحث "بينغ" للحصول على إجاباتٍ سريعة عن أي سؤالٍ تقريباً، وأيضاً دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في متصفح "مايكروسوفت إيدج" لتحليل صفحات الويب وتقديم اقتراحات سريعة وتوليد النصوص في أي موقع.

في برنامج "وورد" ستعمل تقنية "كوبايلوت" لإنشاء نصٍ جديد من الصفر بناءً على ما طلبته، مع خيارات التخصيص لضبط أسلوب السرد ونبرة النص ليكون المحتوى إبداعياً أو دقيقاً. أما في برنامج "إكسل"، فستمكننا هذه التقنية من استخراج البيانات المطلوبة بسهولة، وتنسيق الجدول وجعله يبدو أفضل بصرياً، وإنشاء تقرير موجز اعتماداً على البيانات المضمنّة في الجدول. والأمر نفسه ينطبق على "باور بوينت"، حيث ستساعد التقنية بإنشاء عرضٍ تقديمي من الصفر استناداً إلى النقاط الموجزة التي يوفرها المستخدم.

وجاء إعلان "مايكروسوفت" رداً على إطلاق شركة "غوغل" وصف "العصا السحرية" على برنامجها الشهير "غوغل دوكس"، الذي سيكون قادراً على تلخيص موضوعات الرسائل، في خدمة البريد الإلكتروني التابعة لها، "جي ميل"، وصياغة ملاحظات الاجتماعات وتدوينها. وقد كشفت "غوغل" أيضاً عن مجموعة من أدوات الذكاء الصناعي التوليدي لعملاء الحوسبة السحابية، لإنشاء نصوص تشبه التي ينشئها الإنسان.

الروبوت الذي حفز المنافسة
بدأت هذه الموجة الجديدة من المنافسة لإطلاق منتجات الذكاء الاصطناعي منذ ما يقرب من أربعة أشهر عندما أصدرت شركة "أوبن أي"، روبوت الدردشة "تشات جي.بي.تي"، مما أدى إلى إذهال المستخدمين من خلال توليد استجابات تبدو بشرية على مطالبات المستخدم، واجتياز الاختبارات في جامعاتٍ مرموقة وكتابة مقالات مقنعة عن مجموعة من المواضيع.

ولم تكتفِ الشركة بذلك فأطلقت النموذج الجديد "GPT-4"، القادر على فهم الأسئلة الصعبة، مع توفير ردود أكثر دقة، وذلك بفضل المعرفة العامة والقدرات الأوسع في فهم الأسئلة. ويمكن لهذا النموذج إنشاء وتحرير النصوص التي يطلبها المستخدمون سواء في الكتابة الإبداعية أو التقنية، مثل تأليف الأغاني أو كتابة السيناريو أو تعلم أسلوب كتابة المستخدم وكتابة نصوص بالأسلوب نفسه. 

وهذا النموذج قادر على تحليل الصور وفهمها وكتابة تسميات توضيحية لها، وهو ما يعتبر تطوراً كبيراً مقارنةً مع الإصدار السابق، فيمكن على سبيل المثال التقاط صورة لمكونات مثل الدقيق والبيض والزبدة وطلب وصفات طعام منه تعتمد على هذه المكونات.

التحديات المقبلة
رغم هذه التحديثات المذهلة، يقول أريجيت سينغوبتا، مؤسس شركة حلول الذكاء الاصطناعي "إيبل Aible"، إن مشكلة أي نموذج لغة كبير تتمثل بأنه يحاول إرضاء المستخدم ويعتمد بياناته، فإذا بدأ الناس في النميمة، سيقبلها الذكاء الاصطناعي كقاعدة، ثم يبدأ في إنشاء محتوى متعلق بذلك. مضيفاً أنه قد يُصعدّ من المشكلات الشخصية ويتحول إلى تنمر في مكان العمل.

من جهته، أوضح المحلل أرون تشاندراسيكران، من مؤسسة "غارتنر ريسيرش"، وهي مؤسسة بحثية عالمية في مجال تقنية المعلومات، أن المؤسسات ستحتاج إلى تثقيف مستخدميها حول هذه الحلول التي تقدمها هذه النماذج، ومعرفة حدودها. معتبراً أن الثقة العمياء في هذه الحلول خطيرة، إذ يمكن لحلول الذكاء الاصطناعي التوليدية أيضاً تكوين حقائق أو تقديم معلومات غير دقيقة، لذا يجب أن تستعد المؤسسات للتخفيف من التأثير السلبي.

في الأثناء، ضجت وسائل التواصل الإجتماعي في الولايات المتحدة، بما كشفه الكاتب الأميركي في صحيفة "نيويورك تايمز" كيفن روس، بعد تفاعله مع روبوت الدردشة الاصطناعي "سيدني"، التابع لشركة "مايكروسوفت". إذ شرح هذا الأخير ما حدث معه قائلاً "بعد دقائق من المحادثة أعلن الروبوت فجأة، من العدم، أنه يحبني. ثم حاول إقناعي بأنني لست سعيداً بزواجي، وأنه يتوجب عليّ أن أترك زوجتي وأن أكون معه بدلاً من ذلك".

يعني ذلك أن ذهاب الناس إلى هذه الروبوتات وطلب نصيحة حياتية منها، سيعود عليهم بنصائح ضارة جداً. وفي الواقع، قال مطورو هذه التقنيات بصريح العبارة إنها يمكن أن تزودنا بمعلوماتٍ مضللة بسهولة في الوقت الراهن.

هل تؤثر هذه المنتجات على مؤلفي النصوص؟
يخشى كثيرون من سيناريو استبدال التقنيات التي سبق أن تطرقنا إليها، لوظائف مؤلفي النصوص. وما نستطيع أن نقوله هنا هو أن الذكاء الاصطناعي لن يحل أبداً محل الكتّاب البشر لكونهم يتمتعون بصفاتٍ لا يمكن لبرمجيات الكتابة بالذكاء الاصطناعي أن تقلدها. إذ يمتلك البشر صفاتٍ لا يمكن للذكاء الاصطناعي تكرارها، ومنها الإبداع البشري الذي يُعدّ جزءاً مهماً من عملية الكتابة، وهو ليس شيئاً يمكن تضمينه في برنامجٍ بسيط. وإذا قرأت يوماً محتوى مكتوباً بواسطة برنامج ذكاء اصطناعي، فستلاحظ أن هناك لمسة مفقودة، لأن برامج الذكاء الصطناعي مقيّدة بعدد الكلمات التي تعرفها.

وهناك عاملٌ أخر يتمثل بالتعاطف. يفهم الكتّاب ذوو الخبرة حجم الدور الذي تلعبه عواطفهم في عملية الكتابة. فالعواطف مهمة لأنها تسمح لنا أن نشعر بمشاعر الكاتب. والكاتب لا يحاول ببساطة أن يروي قصةً وحسب، بل يحاول أيضاً جعل قرائه يشعرون بطريقةٍ معينة. وهذا يصحّ سواء كنت تهمّ بكتابة نسخة تسويقية أو قصة قصيرة أو رواية ملحمية. فيما الروبوتات على الجانب المقابل، ليس لها عواطف، لذا فهي لا تفهم التجربة البشرية. ومن دون هذا الجانب العاطفي، ليس من السهل أتمتة عملية إنتاج كتابة مقنعة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها