الإثنين 2023/03/20

آخر تحديث: 11:23 (بيروت)

"الثورة الصوتية" و"الذكاء الاصطناعي" سيتيحان للبشر التحدث إلى الحيوانات

الإثنين 2023/03/20
"الثورة الصوتية" و"الذكاء الاصطناعي" سيتيحان للبشر التحدث إلى الحيوانات
استخدام الذكاء الاصطناعي لفك تشفير أنماط الأصوات غير البشرية (الانترنت)
increase حجم الخط decrease

غالبا ما تُمكن الأدوات التكنولوجية الجديدة البشر من تحقيق اكتشافات علمية جديدة. أنظر مثلاً إلى أنطوني فان ليفينهوك، العالم الهولندي الرائد في المجهريات الذي عاصر القرن الـ17، والذي ابتكر ما لا يقل عن 25 مجهراً أحادي العدسة، درس بها البراغيث وحشرات السوس وخلايا الدم الحمراء والبكتيريا وأشياء أخرى.

في مئات الرسائل إلى الجمعية الملكية والمؤسسات العلمية الأخرى، سجل فان ليفينهوك ملاحظاته واكتشافاته بدقة، فاعتُبر الأب الروحي لعلم الأحياء الدقيقة منذ ذلك الحين، بعد أن ساعدنا على فهم جميع أنواع الأمراض ومكافحتها.

الذكاء الاصطناعي التوليدي والتجميعي
قرون بعد ذلك، باتت الأدوات التكنولوجية الجديدة تمكّن مجتمعاً عالمياً من علماء الأحياء والهواة من استكشاف العالم الطبيعي للصوت، بتفاصيل أكثر، وعلى نطاق أوسع من أي وقت مضى. ومثلما ساعدت المجاهر البشر على ملاحظة الأشياء غير المرئية بالعين المجردة، فإن لواقط الصوت ونماذج التعلم الآلي المنتشرة اليوم تتيح لنا الاستماع إلى أصوات لا يتسنى لنا سماعها من دونها. يمكننا استراق السمع إلى مشهد صوتي مذهل من "محادثات" هائلة بين الخفافيش والحيتان ونحل العسل والفيلة والنباتات والشعاب المرجانية. "الصوتيات هي البصريات الجديدة"، حسب كارين باكر، البروفيسورة في جامعة كولومبيا البريطانية.

ما فتئت مليارات الدولارات تتدفق اليوم على ما يسمى بـ"الذكاء الاصطناعي التوليدي"، مثل روبوت الدردشة "تشات جي بي تي" من شركة "أوبن إيه آي"، مع إطلاق عشرات من المشاريع الناشئة لتسويق مثل هذه النماذج. لكن "الذكاء الاصطناعي التوليدي" تسمية خاطئة في جانب ما، فهذه النماذج تُستخدم غالباً لإعادة قولبة المعرفة البشرية الموجودة في تركيبات جديدة بدلاً من توليد شيء جديد حقاً.

أما ما يخلف تأثيراً علمياً ومجتمعياً أكبر فهو "الذكاء الاصطناعي التجميعي"، أو استخدام التعلم الآلي لاستكشاف مجموعة بيانات محددة تم إنشاؤها حديثاً -مستمدة مثلاً من صور الأقمار الاصطناعية أو تسلسل الجينوم أو الاستشعار الكمي أو التسجيلات الصوتية الحيوية- وتوسيع حدود المعرفة البشرية. وبالحديث عن البيانات الصوتية، تطرح باكر، الإمكانية المحيرة للتواصل بين أنواع الحيوانات على مدى العقدين المقبلين، حيث يستخدم البشر الآلات لترجمة أصوات الحيوانات وإنتاج نسخ مطابقة، الأمر الذي ينشئ ما يشبه ترجمة "غوغل" لحديقة الحيوان. كتبت باكر في كتابها "أصوات الحياة": "ليس لدينا قاموس للغة حوت العنبر بعد، لكن في حوزتنا الآن المكونات الخام لإنشاء واحد".

شيفرة الأصوات
هذه الثورة الصوتية أثارها التقدم في كل من الأجهزة والبرامج. يمكن توصيل لواقط الصوت وأجهزة الاستشعار الرخيصة والمتينة التي تدوم طويلاً بالأشجار في الأمازون، أو الصخور في القطب الشمالي، أو ظهور الدلافين، ما يتيح "مراقبة الحيوانات في الوقت الفعلي". ثم يُمكن معالجة هذا التدفق من البيانات الصوتية الحيوية، بخوارزميات التعلم الآلي، التي يمكنها اكتشاف أنماط في أصوات طبيعية ذات موجات تحت صوتية "منخفضة التردد" أو موجات فوق صوتية "عالية التردد"، لا يمكن سماعها بواسطة الأذن البشرية.

وتقول باكر إن فريقاً من الباحثين في ألمانيا يستخدم الذكاء الاصطناعي لفك تشفير أنماط الأصوات غير البشرية، مثل رقصة نحل العسل والضوضاء ذات التردد المنخفض للفيلة، ما يتيح جعل التكنولوجيا ليس فقط وسيلة للتواصل، ولكن أيضاً للتحكم في الحيوانات البرية. وتوضح أنه يمكن إضافة الذكاء الاصطناعي الناطق مع الحيوان إلى الروبوتات التي يمكنها "اختراق حاجز التواصل بين الأنواع بشكل أساسي''.

وتقول الباحثة إن انخراط الذكاء الاصطناعي في العملية هو وسيلة لاستخدام لغة المخلوق الخاصة للتواصل معه. وتقوم التكنولوجيا بتحليل الإشارات الفريدة المرتبطة بالسلوكيات والأنماط لإنشاء اللغة. وتوضح باكر "ما يفعله الباحثون ليس محاولة لتعليم الأنواع الحيوانية لغة بشرية، بل تجميع قواميس الإشارات الخاصة بها ثم محاولة فهم ما تعنيه تلك الإشارات لدى تلك الأنواع".

اتصالات حيتان العنبر
لكن باكر تؤكد أن هذه البيانات لن تكون منطقية إلا عندما تقترن بالملاحظات البشرية عن السلوكيات الطبيعية المكتسبة من العمل الميداني المضني من علماء الأحياء أو التحليل الجماعي من الهواة. فعلى سبيل المثال أسهمت "زونيفيرس"، وهي مبادرة أبحاث جماعية يمكنها حشد أكثر من مليون متطوع، مهمتهم جمع كل أنواع البيانات ومجموعات التدريب لنماذج التعلم الآلي. وتقول باكر "يظن الناس أن الذكاء الاصطناعي أشبه بعصا سحرية خيالية يمكنك توجيهها إلى كل شيء، لكنه ليس كذلك. نستخدم التعلم الآلي لأتمتة ما كان يفعله البشر مسبقاً وتسريعه".

وقد أطلق فريق من العلماء الدوليين مؤخراً مشروعاً طموحاً للاستماع إلى اتصالات حيتان العنبر ووضعها في سياقها وترجمتها، بهدف "التحدث" إلى هذه الحيوانات البحرية المهيبة. المشروع، المسمى (مبادرة ترجمة الحيتان أو "سيتي")، يستخدم الذكاء الاصطناعي لتفسير أصوات النقر، أو "الكودات" التي تصنعها حيتان العنبر للتواصل مع بعضها بعضاً.

ويستخدم الفريق، الذي أطلق المشروع عام 2021، معالجة اللغة الطبيعية أو البرمجة اللغوية العصبية -وهو حقل فرعي للذكاء الاصطناعي يركز على معالجة اللغة البشرية المكتوبة والمنطوقة- والتي سيتم تدريبها على أربعة مليارات من كودات حوت العنبر. وتتمثل الخطة في جعل الذكاء الاصطناعي يربط كل صوت بسياق محدد، وهو إنجاز سيستغرق خمس سنوات على الأقل، وفقا للباحثين. وإذا حقق الفريق هذه الأهداف، فستكون الخطوة التالية هي تطوير ونشر روبوت محادثة تفاعلي ينخرط في حوار مع حيتان العنبر التي تعيش في المحيطات.

نموذج جديد
وتؤيد باكر أيضا فكرة حماية التنوع البيولوجي في الوقت الفعلي لدى المناطق المهددة بالانقراض. يمكن لأنظمة التعلم الآلي التي تراقب لواقط الصوت في الغابات المطيرة تحديد أصوات دوي المناشير الكهربائية وصرخات الحيوانات المذعورة.

من الصعب التوفيق، بين مجال البيانات الصوتية الحيوية الناشئ هذا، والحجة القائلة إن البحث العلمي لم يعد يُحدث الثورات. تُجادل باكر بأن نموذجنا الحالي للفهم العلمي ربما استنزف، لكن هذا يعني أننا بحاجة إلى وضع نموذج جديد. "إنه مجرد قصور في إدراكنا"، كما تقول. نحن فقط في مستهل استقصاء كوننا الصوتي. من يدري ما قد نجد؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها