السبت 2023/03/11

آخر تحديث: 10:21 (بيروت)

من يُعطّل التحقيقات بتزوير رخصة سكن في بلدية داربعتشار؟

السبت 2023/03/11
من يُعطّل التحقيقات بتزوير رخصة سكن في بلدية داربعتشار؟
تخوف من ضغوط تمارس على التفتيش المركزي والنيابة العامة المالية
increase حجم الخط decrease

فيما اللبنانيون اليوم منكبّون على مدى مطابقة الأبنية السكنية لمواصفات البناء في موسم الخوف من الزلازل، كان رئيس بلدية داربعشتار-الكورة اسحق عبود منكبّا على اعطاء رخصة سكن لمبنى غير مستوف لشروط رخصة البناء. وعبود، الملاحق جزائيا اليوم من قبل النيابة العامة الاستئنافية في الشمال، لإعطائه رخصة سكن مزورة بناء على كشف فني مزور، يواجه تهمتي التزوير واستعمال المزور في حال ثبتت التحقيقات ذلك.

الملف رغم خطورته، شهد عرقلات عدة، وعلى رأسها "اختفاء" إحالة محافظ الشمال رمزي نهرا، التي أتت جوابا على طلب المحامي العام الاستئنافي طارق طربيه الإذن لملاحقة عبود، وذلك لأكثر من  4 أشهر من استلام النيابة العامة للاحالة، قبل أن تظهر الاثنين الفائت "بسحر ساحر"، على إثر تقفي "المدن" أثر الملف، ويظهر اكتفاء نهرا  بـ"الاستماع" لعبود لا ملاحقته.
صورة عن الشكوى

"الضغوط السياسية مورست منذ اللحظة الأولى"، يقول المهندس ريمون الشالوحي الذي حرّك الدعوى بوجه عبود في حديثه لـ"المدن". وفي حين تعزز هذه "الضغوط" برأيه فرضية الاخفاء المتعمد للملف في النيابة العامة لعرقلة التحقيق، فخوفه اليوم من ضغوط أخرى في الملف، سيما على مستوى التفتيش المركزي والنيابة العامة المالية.

فما هي الشوائب التي اعترت الظهور المفاجئ للإحالة؟ وماذا عن مسار التحقيق وآخر تطوراته واحتمالات العرقلة؟ وكيف واجه رئيس البلدية هذه الاتهامات عبر المدن؟

العقار 2623- داربعشتار
يدّعي المهندس ريمون الشالوحي على رئيس البلدية اسحق عبود بتهمة تزوير مستندات في بلدية داربعشتار، عبر إعطائه رخصة سكن مزورة للعقار 2623 -داربعشتار بناء على كشف فني مزور، في تضارب فاضح للمصالح، كونه رئيس البلدية الصادرة عنه الرخصة، ومهندس البناء في آن.

وتعطى رخص السكن إما وفقا لكشف فني يؤكد مطابقتها لرخصة البناء والخرائط، او عبر التنظيم المدني. وفي حالة العقار 2623، أعطى رئيس البلدية اسحق عبود رخصة السكن بناء لكشف فني زعم أنه صادر عن اتحاد بلديات الكورة، وهو ما نفاه الاتحاد باعتراف خطي لاحقا.

وبالتفاصيل، وبتاريخ 13/1/2020 صدرت عن بلدية داربعشتار رخصة السكن رقم 512 للعقار رقم 2623، موقعة من رئيس البلدية اسحق عبود، استنادا الى كشف للاتحاد يحمل الرقم 34/س تاريخ 18/5/2016.

ولم يكن على شالوحي، وهو مهندس أيضا، أن يمحّص كثيرا لاستدراك أن هناك مخالفات جسيمة في البناء، أبرزها أنّه مكون من 5 طوابق مكشوفة في حين أنه من غير المسموح بناء أكثر من 3 طوابق مكشوفة في داربعشتار (10 أمتار ارتفاع).  

وبعد تواصله مع اتحاد بلديات الكورة، وإفادته "شفهياً" بأن الموافقة على رخصة السكن لم تصدر بل رفضت لمرات عدة بسبب وجود مخالفات عدة في البناء، تقدم شالوحي بتاريخ 5/1/2022 بإلاخبار رقم 2022/1604 بشأن قيام رئيس بلدية داربعشتار المهندس اسحق عبود بتزوير مستندات في البلدية.

إتحاد البلديات يؤكد المؤكد!
"في البدء لم يؤخذ إخبارنا على محمل الجد. لكن نقطة التحول الجذري في مسار التحقيق، كانت بطلب قائمقام الكورة كاترين الكفوري إفادتها من اتحاد بلديات الكورة حول الكشف الفني المفترض أنه صادر عنه.

وجاء رد الإحالة الصادر عن رئيس اتحاد بلديات الكورة بتاريخ 23/2/2022 ليقطع الشك باليقين بأن الكشف الفني الذي استند رئيس البلدية إليه لإعطاء إفادة السكن، مزور، فهو "ليس صادرا عن الاتحاد".

"المدن" حصلت على صورة لرد الاتحاد، الذي يفيد بأنه "بالفعل استلم الاتحاد طلب رخصة الاسكان عام 2016 لكن لم يصدر عن المكتب الفني في الاتحاد كشف فني لرخصة سكن للعقار رقم 2623"، بل بتاريخ 30/9/2019 طلبت إحالة من المساح ن.ن، التريث باعطاء رخصة السكن لأن المبنى مخالف لمضمون الترخيص الصادر عن الاتحاد".

هذا يعني عمليا أن عبود مرّر رخصة سكن لمبنى غير مستوف للشروط، وهو ما يثير التساؤل حول معايير إعطائه لرخص البناء في داربعشتار، وما إذا كان هذا البناء المخالف الوحيد!

من جهته، ذهب الاتحاد أبعد من الجزم بالتزوير، ففنّد علاماته بدقة، إذ "لا يوجد على الكشف الفني تاريخ صدور، ولا يوجد ختم الأرزة، وهو غير موجود في سجلات الاتحاد، ومطبوع على ورقة عادية لا نموذج المكتب الفني للاتحاد".

إلا أنّ هذه الورقة المزورة وغير الصادرة عن الاتحاد، "عليها ختم رئيس المكتب الفني المهندس ر.س، وتوقيعه، وختم المساح ن.ن، لكن بتوقيع مختلف، فيما يفيد المساح بأن لا علاقة له بهذا الكشف".

أمام هذه المعلومات الخطيرة، توسع النائب العام الاستئنافي طارق طربيه بالتحقيق بعد أن كان حفظه سابقا، ليطلب إذن ملاحقة رئيس البلدية من المحافظة بتاريخ 11/8/2022، ويأتي جواب المحافظة في 17/10/2022 أي بعد أكثر من شهرين على طلب طربيه، وتدخل الإحالة بعدها رحلة "الاختفاء" في أروقة النيابة العامة في الشمال.

إخفاء أم إختفاء؟
لأشهر، ظلّ المدعي ريمون شالوحي يتقصّى خلف رد المحافظ، فلم يحصل من جانب المحافظة الا على أثر واحد للإحالة، وهو رقمها، 1300/ب وتاريخ استلامها في 17/10/2020، دون أي اثر للملف في مكتب النائب العام الاستئنافي في النيابة العامة، فيما ظلّت المساعدة القضائية للقاضي طربيه "تبحث عن الإحالة لأسابيع في مكتبه، دون أن تلقى لها أي أثر".

ومن بين اتصالات عدة بهذه الخصوص، أجرتها "المدن" مع مصادر في النيابة العامة منذ أيام، أفادها مصدر بأنه لم يبلّغ بأن هناك ملفا ضائعا بهذا الخصوص، طالبا توجه المدعي للنيابة للبحث عن الإحالة، ليتم البحث بالفعل عن الملف في أول يوم عمل رسمي بعد الاتصال، ويتم البحث للمرة الألف عن الأحالة، لكنها هذه المرة، ظهرت أخيرا!

هذا الظهور المفاجئ عزز شكوك شالوحي بيد خفية أخفت الملف لأشهر، وفي وقت تعزو مصادر في النيابة العامة اختفاء الاحالة الى "حالة الفوضى بسبب نقص عدد الموظفين وإضراباتهم"، مستشهدة "بإحالات أخرى ضائعة"، لكن شكوك شالوحي تعززها كذلك الوقائع التي أحاطت بإيجاد الاحالة.

وفي التفاصيل، تبرز إفادة خطية عن مسار الإحالة، أعطتها المحافظة أخيرا لشالوحي، عن تسليمها في تاريخ 17/10/2022، لموظف النيابة العامة ع.ط. في حين أن تاريخ الاستلام المدوّن في سجلات النيابة العامة هو 14/10/2022، أي قبل إرسال الملف من المحافظة بثلاثة أيام، ومن سابع المستحيلات طبعا أن يتم استلام الملفّ قبل إرساله!

الخطأ في تدوين تاريخ الاستلام، صعّب بلا شك اقتفاء أثر الإحالة، طالما أن عملية البحث عن استلامها على سجلات النيابة العامة، تبدأ من التاريخ الحقيقي للاستلام لا قبله.

مصادر مطلعة على سير النيابات العامة، لا تخفي وجود شوائب سواء في ظروف اختفاء الملف، أو مدة اختفائه أو حتى تواريخ إرساله واستلامه، سيما وأنه من البديهي أن يتم التسجيل بشكل تراتبي على السجلات.

ووفق معلومات "المدن"، فإن الإحالة لم تصل أصلا الى مكتب القاضي المعني طارق طربيه، ووجدت في مكتب آخر. وهذا يطرح سؤالا جديداً، فلماذا مثلا لم تطلب نسخة أخرى عن المحافظة للإحالة وفقا للأصول عوض انتظار 4 أشهر لإيجاد إحالة، ظهرت "بيوم وليلة".

التحقيقات تتوسع
بعد الإفراج عن الإحالة، وضمها للتحقيق أخيرا، تبين أن المحافظ نهرا اكتفى بإعطاء إذن الاستماع لعبود، وهو ما تراه مصادر قانونية مطلعة "أمرا إيجابيا، ويعني انتظار تطورات التحقيق، ليبنى على أساسه لاحقا".

وفي آخر تطورات التحقيق، فقد تمت إحالة الملف للمفرزة القضائية في الشمال للتوسع بالتحقيق واستكتاب الاشخاص المعنيين بالتواقيع على الكشف الفني لجهة التواقيع المنسوبة اليهم امام المباحث الجنائية المختصة لمقارنة الخطوط وذلك للتثبت من ان المستند المذكور هو مزور ومستعمل من قبل رئيس البلدية.

في الموازاة، تبرز مخاوف شالوحي من "تنويم" التحقيق في درج النيابة العامة المالية "حيث اكتفي بحفظ الملف، وكذلك في التفتيش المركزي حيث تعمل زوجة عبود ونخشى من ضغط تمارسه، سيما وأننا حتى الآن لا نعرف مصير الشكوى 534/2022، المضموم اليها الشكوى 209/2022، ضد عبود، بالرغم من مراجعاتنا المتكررة للتفتيش".

رئيس البلدية يرد عبر "المدن"
رئيس البلدية اسحق عبود بدوره، يتهرب من الواقع والوقائع، ففي معرض رده على تهمة التزوير واستخدام المزور، يؤكد لـ"المدن" أن الملف "طوي قضائياً"، مستشهدا بإفادة عن حفظ القاضي طربيه للملف في المراحل الأولى من التحقيق، ليقف الزمن عند عبود، عند هذه المرحلة، مدعيا "الانتصار على اتهامات شالوحي"، منكرا إعادة فتح الملف والتوسع به، وذلك رغم مواجهتنا له بهذه المعطيات.

في المقابل، يستند عبود لثلاثة حجج لدعم رواية "براءته" المفترضة من تهمة تزوير رخصة سكن للعقار 2623. والحجة الأولى هي إفادة حفظ الملف في 22/3/2022 والتي استخرجها بتاريخ 18/8/2022.

والحجة الثانية، هي ادّعاؤه "تراجع المساح ن.ن عن إفادته الأولى وإقراره بأن التوقيع يعود له". وهذه الحجة، يدحضها تسجيل حديث للمساح حصلت عليه "المدن"، يتمسك فيه بأن التوقيع لا يعود له.

أما الحجة الثالثة، فهي "الدوافع الشخصية الانتقامية لشالوحي"، فعبود يتهم شالوحي بالتجني عليه من خلال الدعاوى القضائية تارة "بهدف الضغط لتمرير رخص بناء مخالفة"، وطورا بهدف "تصفية حسابات سياسية معي من جهة تعرّف عن نفسها"، أو "بأطماع هذا المجنون بالبلدية وعدم تقبله لفوزي في الانتخابات البلدية".

القوات: الكلمة للقضاء
شالوحي من جهته، يرى باعتراف عبود بعرقلة مشاريع له في داربعتشار "دليلا على العقلية الكيدية والاستنسابية التي يعطي على أساسها رخص السكن، ونحن في هذا السياق اشتكينا عليه قضائيا".

ويأتي هذا التحقيق في ظلّ أجواء بلدية مشحونة في داربعشتار، واتهامات من قبل مطلعين على العمل البلدي للرئيس عبود بأنه "بيمشي الرخصة اللي بدو ياها"، وهو ما يثير الريبة ليس فقط حول إعطاء رخص مزورة، بل حيال نوعية الابنية ومطابقتها لشروط السلامة العامة!

وفي حين يواجه عبود دعاوى عدة، من بينها تهمة المراباة، يتهمه خصومه بنسج علاقات مع أحزاب، تؤثر على سير الملفات قضائيا.

أما مصادر "القوات" بدورها، فنفت أن يكون عبود "نقل البارودة منها الى الوطني الحر"، وعن المسار القضائي للقضية، شددت في حديث ل"المدن" على "أننا نحترم القضاء، ونترك له الكلمة الفصل".

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها