الجمعة 2023/03/10

آخر تحديث: 12:07 (بيروت)

"إنارة الشوارع" لا لعن الظلام: قليل من الحياة للعاصمة

الجمعة 2023/03/10
increase حجم الخط decrease

لطالما كان ملف الكهرباء في لبنان ملفاً شائكاً. فرغم صرف مليارات الدولارات على هذا القطاع، لا تزال الكهرباء غائبة. ومؤخراً خلال السنوات الأربع الماضية زاد حجم المصيبة، فوصلت التغذية الكهربائية إلى "الصفر" في كثير من الأحيان، قبل أن ترتفع إلى 3- 4 ساعات باليوم حالياً.

انعكس الظلام الدامس داخل بيوت اللبنانيين وخارجها، قلقاً نفسياً ومادياً، خصوصاً بعد اللجوء إلى كهرباء المولدات الخاصة لإضاءة البيوت، ما جعل الشوارع "وحيدة" تعيش في سواد دائم وخطر داهم. فالعتمة ساهمت بانتشار حالات السرقة والنشل، التي زاد حجمها بشكل ملحوظ بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها اللبنانيون. فعلى سبيل المثال، وحسب "الدولية للمعلومات"، ارتفعت جرائم السرقة خلال الأشهر الـ10 الأولى من العام 2021 مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2019 بنسبة 265.6 في المئة. إذ سجلت خلال شهر واحد مثلاً 503 سرقات. وهذا ما تثبته أيضاً الأرقام الصادرة عن مجلة قوى الأمن الداخلي.

إزاء هذا الوضع الصعب الذي تعيشه المدن اللبنانية، حاول القطاع الخاص التدخل لإنارة شعلة نور في النفق المظلم. ومن هنا انطلقت جمعية Rebirth Beirut بالشراكة مع شركة "ميدكو" في أيار عام 2022، بفكرة إنارة الشوارع في بيروت، بالتعاون مع المجتمع المحلّي والقطاع الخاص.

"ضوّي شارعك"
تأسست Rebirth Beirut عام 2020، بعد شهر من انفجار مرفأ بيروت. وكانت هذه المبادرة كرد فعل على عهد الانفجار وتداعياته، حسب ما يقول رئيس الجمعية، غابي فرنيني، الذي يُشير إلى أن الجمعية بدأت بمساندة المنطقة المنكوبة جراء الانفجار في الجميزة ومار مخايل عبر مساعدات متنوعة. وفي العام 2021، وبعدما حلّ الظلام في لبنان بسبب انقطاع الكهرباء، قررنا أن نقوم بمبادرات نضيء من خلالها مدينة بيروت، ونعيدها كما كانت سابقاً مدينة النور والسياحة.

ويضيف فرنيني في حديث خاص: "بعد المبادرة الأولى بتركيب إشارات ضوئية على الطاقة الشمسية، وُلدت في أيار 2022 فكرة إضاءة الشوارع بالتعاون مع Medco، وبالشراكة مع القطاع الخاص، أي المؤسسات والشركات التي تُساهم بإضاءة الشوارع المحيطة بها. وسميّت المبادرة "ضوّي شارعك".

البداية كانت من شارع الجميزة. ومنذ أيار 2022 إلى تاريخ اليوم، قمنا بإضاءة 65 شارعاً و6 جادات وساحتين ودرجين. الهدف الذي وضعته الجمعية لنفسها مع نهاية هذا العام هو إضاءة 200 شارع في بيروت.

يُشير فرنيني إلى أن الجمعية تعمل بشكل مكثف مع الجامعات والمؤسسات وأصحاب مولدات الأحياء والمباني. والهدف هو إضاءة كل المدينة. وبدأت الناس تشعر بالفرق، خصوصاً من الناحية الأمنية، والاقتصادية. فالنور أساس كل شيء.

التنفيذ يتم بالتعاون مع القطاع الخاص. لذلك سميت المبادرة "ضوي شارعك". ففي كل حي تقوم مؤسسة، مستشفى أو جامعة أو مبنى، بتقديم الكهرباء لإنارة الشارع، وتساعدها "ميدكو" بالحصول على حسومات على أسعار المازوت. وهكذا يتعاون الجميع لتحقيق النتيجة، فتقوم الجمعية بتجهيز الشارع ليستقبل هذه الكهرباء، وتقوم بصيانة الإنارة، على أن تمدها هذه الجهات بالطاقة.

الحياة عادت مع النور
قبل إنارة شارع الجميزة، كانت المحال التجارية تُقفل أبوابها عند الساعة الخامسة عصراً، وأماكن السهر تُعاني من "قلق" الرواد بالتنقل في الشوارع المظلمة، يقول فادي، وهو صاحب "pub" في المنطقة. يُشير الشاب إلى أن العمل ما قبل الضوء وما بعده لا يُقارن. فالحياة عادت مجدداً إلى شارع الجميزة الذي لا يفرغ حتى ساعات متأخرة من الليل.

من جهته يؤكد مارسيل، وهو شاب لبناني يُساعد شقيقته في إدارة محل لبيع الكتب والاكسسوارات في الجميزة، إلى أن المحل كان يُقفل أبوابه عصراً قبل إنارة الشارع، لأن المكان يتحول ليلاً إلى مكان مرعب. ويقول: "عادت الثقة وعاد الأمان، واليوم نفتح أبوابنا حتى العاشرة ليلاً".

تقلص أعداد السرقات في عين المريسة والجميزة
يرتبط الاقتصاد بالأمن ارتباطاً وثيقاً، فازدهاره يعتمد على الأمن والأمان، والظلام معاكس لمفهوم الأمان لدى المواطنين، والعكس تماماً. لذلك تكشف مصادر أمنية في قوى الأمن الداخلي مسؤولة في منطقة الحمرا، الجميزة، المنارة، أن عدد السرقات تضاءل بعد إنارة الشوارع، خصوصاً عمليات السلب والنشل، التي كانت تحصل بكثرة خلال ساعات الليل، مشيرة إلى أنه لا يوجد أرقام رسمية بعد، لكنها تُدرك الفارق من خلال الشكاوى التي تصل إليها.



مبادرة تستحق التقليد 
تسعى هذه المبادرة لتحقيق المثل القائل "أشعل شمعة بدل لعن الظلام"، ولو أن الظلام مسؤولية الدولة اللبنانية، لكنها تبقى لوحدها غير قادرة على إعادة الضوء للشوارع اللبنانية، ففي بيروت وحدها ما يزيد عن ألف شارع، ناهيك عن باقي المناطق اللبنانية التي تشهد محاولات خجولة في السياق نفسه، تعتمد  بأغلبها على الطاقة الشمسية التي لا تتمكن من إضاءة الشوارع بالشكل الكافي.

تحاول الجمعية تحقيق المستحيل، رغم الصعوبات المتمثلة بالتمويل، وهو العائق الأول والأكبر، فكلفة تجهيز الشارع الصغير لمدّه بالكهرباء من إحدى المؤسسات المساعدة، تبلغ 1000 دولار أميركي، 2000 للشارع متوسط الحجم، و3 آلاف دولار للشوارع الكبيرة، كذلك هناك صعوبات تقنية، نظراً لغياب صيانة اللمبات والكهرباء والبوستات منذ أكثر من 3 سنوات، بعد أن فقدت الدولة القدرة على تأمين الكهرباء، وغرق البلد في ظلام دامس.

تستحق مبادرة الجمعية تقليدها في كل المناطق، لأن " Rebirth Beirut" تهتم بالعاصمة التي هي نبض لبنان، وإذا عاد النبض عادت الروح إلى الجسد كله، والجمعية على لسان رئيسها مستعدة للمساعدة تقنياً لمن يرغب، بهدف نقل هذه المبادرة إلى مناطق أخرى.

* تم إنجاز هذا العمل بالتعاون بين الكاتب ومؤسسة مهارات ومؤسسة دوتشيه فيله، في إطار التدريب على "الصحافة البناءة".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها