الخميس 2023/02/09

آخر تحديث: 12:23 (بيروت)

بعد خروج متَّهمي المرفأ: تحذير من تمرّد عنيف للسجناء

الخميس 2023/02/09
بعد خروج متَّهمي المرفأ: تحذير من تمرّد عنيف للسجناء
79 بالمئة من المسجونين هم موقوفون بلا محاكمة (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

في بلدٍ قضائه مُسيّس، يتلهّى بالكيديّاتِ السياسيّة، وبمعاركِ تصفيةِ حسابٍ على ظهرِ العدالةِ المشلولةِ، ينتظرُ السجناء محاكمة تحدّد مصيرهم، الذي تُرِكَ مجهولاً لسنوات عِدّة. ففي السجون اللبنانيّة أكثر من 8 آلاف سجين، 21% منهم محكومونَ ويقضونَ عقوبتهم السجنيّة، فيما 79% الباقون، متروكون خلف القضبان من دون محاكمة، لعدمِ البتِّ بملفّاتهم، لأسبابٍ عديدةٍ، منها سياسيّة، وأخرى تعود إلى شللِ عملِ القضاءِ (استمرَّ إضرابُ القضاةِ لأكثرِ من 9 أشهرٍ، احتجاجاً على رواتِبِهِم المتدنية)، تأجيل الجلساتِ لعدمِ حضورِ الخصوم، الإجراءات القانونيّة الطويلة، تدخّل السياسيين في عمل القضاء إلخ.

العدالة الاستنسابية
ونتيجة هذه الفوضى القضائية، شَهِدَ اللبنانيونَ زورًا على إطلاقِ سراحِ مساجينِ، متهمين بواحدة من أكبر المجازر الإنسانية في العالم، انفجار مرفأ بيروت، وهُروبِ أحدِهم خارج البلاد، ضاربًا بعرض الحائطِ القوانينَ التي تمنعُه من السفرِ. فيما يُترك آخرونَ من دون محاكمةٍ أو عفوٍ، في مخالفاتٍ من الدرجة الأولى لا تتعدى بمعظمِها الجنحة!

وفي ظلِّ مشهدِ العدالةِ الاستنسابيّةِ، تعود مطالبُ العفوِ العام إلى الواجهة من جديدٍ، وهذه المرّة من بابِها العريض. بعد أن قامَ عددٌ من السجناءِ بالتهديد بشنقِ أنفُسِهِم داخِلَ سِجْنِ رومية (راجع "المدن")، وهذه ليست المرة الأولى التي يهدد فيها السُجناء بايذاءِ أنفُسِهِم، (راجع "المدن"). وسط تخوّفٍ من أعمال شغبٍ وتمرّدٍ وعصيانٍ داخلَ السجونِ. خصوصاً، وأنّ العساكرَ المولجة بحمايةِ وضبطِ أمن السجونِ، تعاني بدورِها من الأزمةِ الاقتصاديّةِ، التي انعكست سلباً على رواتِبهم فأصبحت من دونَ قيمة، ما يفسح المجال لعمليات رشوةٍ، مقابلَ تهريبِ بعضِ المساجينِ خارجَ السجونِ. ناهيكُم، عن انتشار الأوبئةٍ والأمراضِ بين المساجينِ، الذينَ يعيشونَ في ظروفٍ قاسيةٍ لا إنسانية، فهم محرومونَ من الأدويةِ، والغِذاءِ، والماءِ، وأبسط حقوقِ الانسان.

هذا ولم يحرّك خبرَ إطلاقِ سراحِ متهمي انفجارِ مرفأ بيروت السجناءَ فقط، بل أهاليهم أيضًا، الذينَ عادوا إلى الساحات محتجين، ومطالبينَ باقرارِ العفوِ العام، وعلى رأسهم أهالي موقوفي "أحداث عبرا"، وأهالي "الموقوفين الاسلاميين" . كما حُرّكت قضيّة تجار المخدرات والموقوفين بتهم  العمالة لاسرائيل (المبعدين) في الكواليسِ السياسيّة. وهذه التحركات، ترافقت ومواقفِ بعض النوابِ الداعمةِ لتلكَ القضايا، ومنهم النائبان وليد البعريني وعبد الرحمن البزري. فأين أصبحت قضية العفو العام؟

في هذا الإطار، تكشف مصادر مطلعة لـ"المدن" أنّ مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، كانَ قد طلبَ شخصياً من رئيسِ حكومةِ تصريفِ الأعمالِ نجيب ميقاتي، إيجادَ حلٍّ لقضية المساجين السنّة. خصوصاً وأنّ دريان يجد نفسه مسؤولاً أمام الوفود التي تطالبه أسبوعياً بالضغط في سبيل حلحلة هذا الملف. وآخرها كانت زيارة مفتي عكار، الشيخ زيد محمد بكار زكريا، لدار الإفتاء.

وتحذّر المصادر من حركة سياسيّة قد تخرج إلى العلن، بعد انتخابِ رئيسٍ الجمهوريّةِ، في حال لم يُحلّ الملفّ، متخوفةً من "أعمالِ شغبٍ وتمرّدٍ وعصيانٍ، لا بل مشاهد دموّية قد تسيطر على السجون اللبنانيّة".

قضيّة الاسلاميّين رهن تسويات طائفية
من جهّته يرى النائب نبيل بدر في حديث لـ"المدن" أنّ "هناك موقوفينَ على ذمّة التحقيق، مرمييّن، منذ أكثرِ من 15 سنة، في السجون اللبنانية من دون محاكمة حتى الآن!"، معتبراً أنّ "قضيّة هؤلاء مرهونة بتسوياتٍ سياسيّةٍ طائفيّة. فإخراج المتهمين السنّة بقضيّةِ ملفِّ عَبْرا، يتطلَّب إخراج الموقوفين الشيعة بتهمة المخدّرات والموقوفين المسيحييّن بتهمة التعامل مع إسرائيل"، رافضاً "ربط قضيّة الموقوفين السنّة وحريّتهم وحقهم بالعدالة بإخراج متّهمين بتجارة المخدرّات والعمالة".

والمطلوب -حسب بدر- هو "فصل القضايا، وبدء المحاكمات"، كاشفاً أنّ "تجّار المخدرات، قد حوكموا بالفعل، وهم اليوم يقضون فترة مسجونيَّتِهم. على عكسِ موقوفي عبرا والإسلاميين".

وشدد بدر على أنّ "العفو يجب أن يخصَّ حالاتٍ خاصّة، مرَّ عليها الزمن، وأشخاص قضوا محكوميَّتَهُم بالفعل". مطالباً "بمحاكماتٍ سريعة. فمن كان عليه جُرم فليحاكَم، وتُخصم الفترة التي سُجِنَ فيها من دونَ محاكمةٍ من محكومِيَّتِهِ"، منتقدًا "المجموعات الحزبيّة التي تخشى الدفاع عن هؤلاء خوفًا من أن تلتصق بهم تهمة الإرهاب".

أغلب المساجين موقوفون بتهم مخدّرات
بدورِه يقول المحامي أشرف الموسوي، إنَّ "ملفّ العفو العام قديمٌ جديد، وليس هناك أي مؤشرات أو بوادر سياسية إيجابية فيه. حيثُ من الصَعبِ أن تجتَمِعَ الهيئة العامّة لمجلس النواب على إحيائهِ، باعتبارِ أنّهُ لا يوجد توافقٌ سياسيّ أو أيّ مقاربة سياسيّة قد تدفعُ بهِ إلىَ خواتيمٍ إيجابية. خصوصاً وأنَّ هناكَ انشقاقاً سياسيّاً حادّاً حول قضيّة الموقوفين بتهمة العمالة لإسرائيل، وملفّات الاسلاميّين، وتجّار المخدّرات"، لافتًا إلى أنَّ "المطلوبين بتهم تجارةِ المخدّراتِ يشكّلونَ العددَ الأكبر من المطلوبين في لبنان، سواء بمذكرات توقيف غيابيّة أو ببلاغاتِ بحثٍ وتحرٍّ أو حتّى بأحكامٍ غيابيّةٍ قد تصلُ إلى المؤبّد. لأنّ ملفَّ المخدرات من ناحية التعاطي أو الاتجار أو حتّى الزراعة أصبحَ يضمُّ الآلاف في لبنان. وهو يشكّل عبئاً على المحاكم وأغرقها بالدعاوى القضائية".

ورأى الموسوي أنّ "لا حلَّ يلوّحُ في الأفقِ بهذا الموضوع، خصوصاً وأنَّ مجلسَ النوابِ لا يجتمعُ، أمّا جهود لجنة العفو العام سواء في نقابة المحامين أو من جهّة لجنة أهالي الموقوفين الذين يطالبون بتحريك الملفّ، وصلت إلى حائطٍ مسدودٍ، حيثُ أنَّ الملفَّ لا يزالُ معطّلاً لأسبابٍ سياسيّةٍ"، والحلُّ الوحيد برأيه يكونُ "بانتفاضةِ المساجينِ لتحريكِ هذا الملفّ".

أمّا في ملفّ المخدّرات فيقترح الموسوي "حلاّ جزئياً، بما أنّ أغلب المساجين موقوفونَ بتُهمة المُخدِّرات، يقضي بتعديل بعض الموادّ القانونية والنصوص، فمِن غير المقبولِ برأيه تحويلَ كلّ من نجد بحوذته 3 غرامات من المخدّرات بتهمة ترويج وإتجار. وهذا الأمر قد يخفّف من الاكتظاظ في السجون"، رافضًا "ربط ملفِّ المخدِّرات بلمفّاتِ العمالةِ أو تُهَمِ الارهاب".

ملفّ المبعدين قيد الدرس..
من جهّته ينطلق عضو تكتّل الجمهورية القويّة النائب رازي الحاج، في مقاربته من "مبدأ عام، ينصُّ على أحقيّة المُتّهم بأن تؤمَّن له محاكمة سريعة وعادلة، ومحامٍ يرافعُ في قضيّتِهِ، وقاضٍ ينظُرُ فيها"، مشددًا على "ضرورةِ حُسنِ سيرِ المرفق القضائي بشكلٍ طبيعيٍّ وعمليٍّ وبسرعة لكيّ يُحاكم الموقوفون وُفقَ الأصولِ". إلا أنّ "انحلال الدولة، وعدم إمكانية تسيير المرفق القضائي بشكلً صحيحً، إن بسبب التأخير المتراكم منذ سنوات، أو الأزمة الإقتصاديّة التي زادت الوضع سوءاً، أو التجاذبات السياسيّة والتدخلات في عمل القضاء أو حتى تعطيل القضاء لنفسه بنفسه، هي الأسباب التي تحول دونَ محاكمة الموقوفين وإبقائهم في السجون".

ويرى الحاج، في حديثه لـ"المدن"، أننا "نحتاج إلى  ورشة عملٍ تعيدُ إحياء عملِ القضاء وتدفعه إلى طريق الإصلاح. حيث أنّ تعويلُنا كان على القضاء بالانطلاق بانتفاضة إصلاحية. ولكن للأسف وقع هذا الأخير رهينة تجاذبات سياسيّة شلّت عمله ووظيفته"، مقرًّا بـ"وجود وضع شاذ في السجون، التي أصبحت مكتظة، وتملأها الأمراض، والغبن. فبعض الموقوفين دخلوا إلى السجن منذ 9 أشهر نتيجة حادث سير! ولم يحاكموا بعد! فيما آخرون مسجونون منذ أكثر من 6 أشهر بقضايا شيكات لم تُبَتّ حتى الآن!".

وعن ملفِّ المُبعدين، يؤكّد الحاج أنّ "نوّاب القوّات يتابعون هذا الملفّ، ويعدّون دراسات قانونيةّ حوله، خدمةً لهذه القضيّة، وغيرها من القضايا، إلاّ أنه ومنعاً من التدخّل في عمل القضاء، علينا الذهاب أولاً إلى تطوير هذا الجهاز عن طريق التحوّل الرقمي والمكننة، الأمر الذي سيسّرع دراسة الملفّات وسيفعّل عمل المحاكمات، وصولاً إلى أحكام ٍعادلة ومُنصِفة تعاقب المذنب وتبرئ المظلوم".

بناء على ما تقدّم نستنتج أنّ ملفّ "العفو العام" سيبقى معلّقاً حتى إشعار آخر، في ظلّ عدالة استنسابيّة، يديرها قضاة يخضعون للتجاذبات السياسيّة. وبالتالي، لا أمل قريب للسجناء من أصحاب القضايا الصغيرة وصولاً إلى أصحاب القضايا الكبرى بمحاكمة عادلة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها