الجمعة 2023/02/17

آخر تحديث: 14:40 (بيروت)

طلاب لبنانيون يروون لـ"المدن" نجاتهم من هجوم جامعة ميشيغان

الجمعة 2023/02/17
طلاب لبنانيون يروون لـ"المدن" نجاتهم من هجوم جامعة ميشيغان
حادث جامعة ميشيغان هو من بين مئات حوادث إطلاق النار التي تحصل سنوياً في أميركا (Getty)
increase حجم الخط decrease

لم يكن يخيّل للطالبة اللبنانية الناجية من الهجوم المسلح في جامعة ميشيغان الاثنين الفائت، لانا السباعي، أنها بعد نيلها "شهادة تقدير" من الجامعة، كانت على مقربة من "شهادة حية" عايشت خلالها وقائع ذلك الهجوم الدمويّ، والذي أسفر عن مقتل 3 طلاب وإصابة 5 آخرين، وتهديد حياة 50 ألف طالب من بينهم عشرات اللبنانيين.

وإذ تستأنف الدروس في الجامعة الأسبوع المقبل، لا يبدو أن الطلبة ممن تواصلت معهم "المدن" مطمئنون للعودة، ليس "لضعف السياسات الأمنية في جامعتهم" وحسب، بل لاستمرار سياسة التساهل بحيازة رخصة السلاح الأميركي من دون أدنى ضوابط.

واللبنانيون الهاربون من واقع السلاح اللبناني المتفلت، يواجهون في الولايات المتحدة، سلاحاً مشرعاً بلوبي قوي وقوانين، وهم يعولون بعد هذه الحادثة التي هزت مجتمع ديترويت بالكامل، على لوبي مضاد لضبط اقتناء السلاح، سيما بعدما علّق الرئيس جو بايدن نفسه على الحادثة داعياً "للتحرك ضد وباء العنف المسلح".

القاتل يقتل نفسه
وانتحر مسلّح قتل ثلاثة طلاب وأصاب خمسة آخرين بجروح داخل حرم جامعة ولاية ميشيغان، بعد مطاردة واسعة النطاق أطلقتها الشرطة للقبض عليه، في حين صدرت أوامر للطلبة بالاختباء في أماكنهم بعد الهجوم على الحرم الجامعي الرئيسي في مدينة إيست لانسينغ في ساعة متأخرة من مساء الاثنين بتوقيت ميشيغان.

وبدأ اطلاق النار عند الثامنة والنصف في مبنى Berkey Hall حيث قتل أنطوني مكراي (43 عاماً) طالبين اثنين، قبل أن يتجه إلى مبنى Michigan State student union  ليقتل الطالب الثالث مخلفاً عدداً من الجرحى.

وبعد ساعة من الهجوم الذي انتهى قرابة الحادية عشرة والنصف، حددت الشرطة الأميركية المشتبه به بأنه "رجل أسود قصير القامة"، وقالت أن ليس له ارتباط معروف بالجامعة. لتحسم الجدل حول عدد المهاجمين، فيما المشتبه به الذي قتل نفسه لاحقاً، ما زالت دوافعه مجهولة حتى الساعة.

ساعات الذعر القاتلة
"المدن" تواصلت مع الطالبة اللبنانية الناجية لانا السباعي، التي ما زالت بعد مرور أكثر من 48 ساعة على الحادث، في حالة صدمة كبيرة.

وتروي طالبة الحقوق ساعات ذعر عصيبة عاشتها، محاولة النجاة بروحها من خطر محدق، كان قريباً منها كفاية ليهدد بالفعل حياتها وحياة العشرات من زملائها المقربين: "كنت أدرس في مكتبة الجامعة، حين وردني اتصال من زميلتي في السكن الجامعيّ، سألتني خلاله إذا ما سمعت إطلاق نار في الحرم الجامعيّ وأجبتها بالنفي، فأوعزت لي بالبقاء في المكتبة وأن أبقى بأمان. ما زلت أذكر نبرتها حين قالت لي stay safe، ونبرتها تلك، دفعتني لأخذ إنذارها على محمل الجد، فتحققت على الإثر من البريد الالكتروني للجامعة، لأجد أنه بالفعل هناك مسلح طليق في الجامعة، يطلق النار في أكثر من مبنى.

على الفور، طبقت تعليمات أمن الجامعة، فذهبت لغرفتي واختبأت مع صديقتي في السكن الجامعي، وأحكمنا القفل، لكننا لم نكتف به، إذ كانت فكرة تسلل المسلح إلى غرفتنا بحد ذاتها مرعبة، ما جعلنا ندعّم القفل بمقتنيات الغرفة التي استطعنا جرّها نحو الباب بكل ما أوتينا من قدرة بدنية.

ولتكتمل فصول الرعب، كانت غرفة لانا في الطابق الأول، مع نافذة تطل على الخارج، تسهل إصابتها بالرصاص، فلم تجد وزميلتها سوى الأسرّة كملجئ يحتميان فيه من عيون القاتل وأعيرة سلاحه النارية، بعد إطفاء أنوار الغرفة بالكامل.

كان كل شيء في الغرفة يدعو إلى الرعب، فقد كان كل شيء صامتاً، وحتى أنفاسنا، بالكاد كانت تجد لها طريقاً، خشية من أن يسمعها القاتل، فتودي أنفاسنا بحياتنا.

حتى الأجهزة الخليوية كانت صامتة silent، شأنها شأن أصحابها. لكنها كانت ملاذنا الوحيد إلى الخارج، ووسيلة طمأنة أهلنا علينا، واطمئناننا على رفاقنا، وتتبعنا الأخبار عن تطورات الهجوم في الخارج، فيما صوت هليكوبتر الشرطة فوق رؤوسنا، كان يزيد من عامل القلق لدينا".

ساعات الرعب الطويلة أصابت لانا بنوبات ذعر وهلع كبيرين: "فكلما كنت أهدئ من روعي، كنت أشكك بعدها في معلومات الشرطة، وأعتقد أن هناك عدة مسلحين لا مسلحاً واحداً".

ودعّمت خشية لانا، عوامل عدة، من بينها شهادات الاتصالات الواردة للشرطة، ومسافة الـ20 دقيقة التي كان لا بدّ للقاتل أن يقطعها بين مبنى Berkey Hall ومبنى MSU Union. فكان السؤال: "كيف لم تتمكن الشرطة الفيدرالية FBI من النيل منه فيما كان مرتاحاً للتنقل بين المباني بكل هذه الأريحية، كأنه في نزهة!".

وعزّزت شكوك لانا، زميلتها ميري في مبنى Akers hall والتي احتجزت لأكثر من 3 ساعات في قاعة المراحيض في ظلام دامس، حيث كان صوت الرصاص الذي أطلقه القاتل، قريباً جداً من مسامعها: "لم أسمع صوت رصاص القاتل بنفسي، لقد كنت في الجهة الجنوبية في الحرم الجامعي بينما القاتل يتنقل بين جهتي الشمال والشرق، لكن مجرد فكرة أن أحداً يترصد بك ومستعد لقتلك، كفيلة بجعلك تشعر أن حياتك برمتها، مهددة، فكيف برفاقي الذين كانوا في مبان أخرى؟ لا أحسدهم أبداً"، تختم لانا.

خوف جماعي.. وخوف من "الجميع"
الطالب اللبناني حسين أحمد، والذي يدرس علوم الحاسوب، كان في مبنى STEM Teaching and Learning Facility، يقوم بأحد فروضه الجامعية، حين بُلّغ بوجود مسلح في الجامعة.

"كنا 40 شخصاً في الغرفة، أصبنا بالذعر الشديد بطبيعة الحال، فحاولنا صرف نظر المسلح عنا، عبر إطفاء إضاءة الغرفة بالكامل ووصد باب القاعة وإقفاله كذلك بالطاولات المتوفرة. مرت قرابة الساعة عشناها في رعب محكم، فبعضنا كان يجهش بالبكاء وبعضنا الآخر كان صامتاً من هول الصدمة.

كنت أرتعد خوفاً من فكرة أنّ "مجنوناً" يسرح ويمرح في الخارج حراً طليقاً ويتحكم بمصائرنا، أما صوت الرصاص في الخارج، فكان يأخذ مخيلتنا مباشرة إلى القاتل، فيما صوت الاسعافات كان بالنسبة لنا دليلاً على سقوط جرحى على أقل تقدير، إن لم يكن قتلى".

وكانت صلة الوصل الوحيدة مع العالم الخارجي، الهاتف الذي استخدمه لطمأنة أبيه وأمه التي كانت تجهش بالبكاء خوفاً عليه، وليطمئنّ بدوره على زملائه في القاعات الأخرى، وليستمع لراديو الشرطة عبر أحد المواقع الالكترونية، كمصدر أساسي لترصد المعلومات حول ما يحصل في الخارج.

"أما تضارب المعلومات التي كان ينقلها الراديو، فلم يكن يزيدنا إلا هلعاً". يقول حسين: "كنت أسمع امرأة تبلغ الشرطة عن مسلح عند أحد مباني الجامعة، ثم أسمع رجلاً يبلغ عن مسلح آخر عند مبنى آخر، لقد ظننا بالفعل أن هناك مسلحين اثنين وربما أكثر".

حتى في مخبئه، لم يبقَ حسين مستقراً، ما زال الطين بلّة. فقد تم إجلاؤنا لطابق آخر قيل لنا أنه "أكثر أمناً". ثم قاموا بتفتيشنا جميعاً قبل عملية الإخلاء، للتأكد إذا ما كان أحد التلامذة يحمل سلاحاً أو آلة حادة. لقد كنا فعلاً في مسرح جريمة مكتمل العناصر حتى آخر لحظة.

تهديد مجتمع الطلبة
صحيح أنّ حادث جامعة ميشيغان هو من بين مئات حوادث إطلاق النار التي تحصل سنوياً في الولايات المتحدة، ويأتي بعد عشرات المظاهرات التي فشلت في الضغط على لوبي السلاح، وعلى رأسه الجمهوريون في الكونغرس والرابطة الوطنية للبنادق RNA، إلا أن هذه الحادثة بالذات تأخذ أهمية بالغة لسببين اثنين قد يؤسسان لتغيير على صعيد السياسات حيازة السلاح في أميركا.

فهي من جهة أظهرت ضعف الشرطة الفيدرالية الأميركية أمام مسلح واحد، هدد صرحاً جامعياً يقطنه الآلاف، وهو ما جعل بايدن يعد حاكمة ولاية ميشيغان، غريتشن ويتمير بـ"موظفين إضافيين من القوات الفيدرالية". والثاني، وهو الوقع الكبير لتهديد مجتمعات المدارس والجامعات، بدلالة أن بايدن نفسه ذكّر بحادثة قتل مدرسين بأسلحة نارية في مدرسة ثانوية في باركلاند بولاية فلوريدا عام 2018، مؤكداً أنه "يجب على كل الأميركيين أن يقولوا كفى، وأن يطالبوا الكونغرس بعمل".

سياسات حماية غير كافية
من جهته، الطالب حسين أحمد ليس مطمئناً للعودة للجامعة الاثنين المقبل. يعلق قائلاً "سأترقب تجاوب الطلبة مع العودة للدراسة، وربما أعطي نفسي أسبوعاً إضافياً للراحة".

الطالبة لانا السباعي بدورها غير مطمئنة للعودة، وترى بأنّ السياسات الأمنية في الجامعة غير كافية، فهي مفتوحة أمام العموم، كما أنّ سياسة حيازة السلاح في الولايات المتحدة، تبقى تهديداً مستمراً لنا.

وفيما يهرب اللبنانيون من "الكوارث" اللبنانية وعلى رأسها السلاح المتفلت، لمواجهة أقدارهم في الخارج، سيبقون إلى حين حصول تغيير في سياسات حيازة السلاح الأميركي، يطبقون عند تعرضهم لهجوم مسلح، تعليمات شرطة جامعة ميشيغان: run hide or fight.. أركض، اختبئ، أو حارب!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها