الثلاثاء 2023/11/21

آخر تحديث: 00:01 (بيروت)

المناخ المتطرف والأمطار الغزيرة غير المنتظمة يهددان لبنان

الثلاثاء 2023/11/21
المناخ المتطرف والأمطار الغزيرة غير المنتظمة يهددان لبنان
وضع لبنان المناخي مقلق للغاية (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
على نحوٍ شديد الغزارة، هطلت في هذين اليومين الأمطار في لبنان، متسببة بسيول في عدد من المناطق. وبدت كمؤشر لما ينتظر اللبنانيين في فصل الشتاء الذي بات يتأخر عن موعده الموسمي. ويحكي كثير من اللبنانيين بأنهم لم يعتادوا على هذا النوع من الأمطار غير الاعتيادية، والتي تهطل من دون سابق إنذار، ومن دون تمهيد بموجة من الأمطار الخفيفة.

وفيما يعد لبنان جزءًا من المنطقة التي تتأثر على نحو خطير بالتغير المناخي وتطرف الطقس، صيفًا وشتاءً، يبدو أن هذه القضية التي تهدد مستقبل سكان الأرض، ليست على سلم أولويات السلطة والحكومة. حيث لا تسارع الأطراف الرسمية المعنية لوضع خطط تحد من آثار هذا التغير وتداعياته وكلفته، على شتى المستويات البيئة والزراعية والاقتصادية والسكانية.

الهطول الغزير
شهد لبنان يومي الأحد والاثنين، هطولًا غزيرًا للأمطار مصحوبًا بكتل هوائية وريح شمالية ناشطة، نتيجة تأثره بمنخفض جوي بعد مضي نحو ثلاثة أسابيع من شهر تشرين الثاني من دون أمطار، ما تسبب بسيول جرفت الأتربة والحجارة، إضافة إلى تكون برك للمياه عند بعض الطرقات.

وواقع الحال، قد يكون هذا الأمر بالنسبة لكثيرين طبيعيًا، ومدعاة خير في فصل الشتاء. لكن لبنان عمليًا، أصبح يشهد وفق خبراء المناخ هطولًا غير منتظم بالأمطار، بفعل تغير المناخ الذي يفاقم هذه الظاهرة في بلدان كثيرة من العالم. وبدل أن تهطل الأمطار بصورة موسمية وطبيعية ومتناسقة، أصبحت شدة هطول الأمطار تتزايد، ما يهدد بالسيول التي تجرف التربة وتتسبب بتآكلها. وهو ما يفاقم أيضًا الآثار المدمرة على البنى التحتية والسكنية وعلى الأرض والزراعة والمياه الجوفية.  

وفي هذا الإطار، يدق رئيس مصلحة الأرصاد الجوية في لبنان، المهندس مارك وهيبة ناقوس الخطر، واصفًا وضع لبنان المناخي بالمقلق للغاية.

ويفيد وهيبة في حديث لـ"المدن"، بأن لبنان راهنًا، يواجه ظاهرة هطول أمطار غزيرة وشديدة ثم تتوقف لفترة معينة، من دون توازن في توزعها على مدار فصل الشتاء.

وفي ظل الاحتباس الحراري والتغير المناخي، يواجه لبنان بوادر السيناريو الذي يحذر منه خبراء المناخ حول العالم، حسب مارك وهيبة، وهو التالي: نتيجة تفاقم الظروف المتطرفة للمناخ، وبدل أن تهطل الأمطار على فترات طويلة خلال الموسم، تهطل دفعات واحدة وبكثافة قوية بفترة قصيرة جدًا. ويعود لإحدى الدراسات القديمة حول نمطية الفصول، والتي تفيد بأن الفصول كانت معتدلة ومتساوية زمنيًا حتى 1950. لكن منذ ذلك العام حتى نحو 2010، بدأ الخبراء يلاحظون أن حر فصل الصيف يمتد، حيث يبدأ باكرًا وينتهي متأخرًا. وذلك على عكس الشتاء، الذي يبدأ متأخرًا وينتهي باكرًا. وهذا ما يحصل في لبنان راهنًا.

وما جرى في هذين اليومين، حسب وهيبة، هو عبارة عن هطول غزير غير اعتيادي للأمطار، وبدل أن يغذي الأرض والمخزون الجوفي للمياه، يتسبب بالسيول التي تجرف التربة ولا تصل إلى المخزون الجوفي بالأرض.

في بيروت مثلًا، هطلت حتى الآن 205 ملم من الأمطار، بينما على مدار ثلاثين عامًا في السابق، كان معدل الأمطار في بيروت خلال الفترة عينها هو نحو 127 ملم. في طرابلس هطل حتى الآن 227 ملم، بمعدل يرتفع عن السابق بالفترة نفسها حيث كان 132 ملم. وفي زحلة والبقاع، هطل حتى الآن معدل 100 ملم، بنسبة أعلى عن المعدل السابق الذي كان 72 ملم، حسب وهيبة، الذي يرد ذلك إلى غزارة الأمطار في فترة وجيزة رغم عدم انتظام هطولها. ويقول: "في العادة، ارتفاع كمية هطول الأمطار مؤشر إيجابي، ولكن هطولها بغزارة وفي فترة وجيزة ومحدود مقلق وينذر بمخاطر كثيرة، خصوصًا أن لبنان وبنيته التحتية غير مهيأة لمثل هذه الظروف".

بوادر سابقة
عمليًا، يؤدي تساقط الأمطار الفجائي والغزير لفترة قصيرة، إلى سيول وفيضانات من دون أن تمتصها الأرض بشكل مناسب، وهو ما يؤثر تلقائيًا على المياه الجوفية وعلى الكثير من أصناف المزروعات، وينذر تاليًا بالجفاف بعد طول مدة الحر والصيف.

وفي فصل الشتاء الماضي (2022 – 2023)، شهد لبنان بين شهري كانون الأول وكانون الثاني، احتباسًا كبيرًا في هطول الأمطار، وتأثر بطقس دافئ غير اعتيادي، قبل أن يعود ليشهد لبنان في شباط هطول غزيرًا وشديدًا للأمطار.

وعمليًا، يقف العالم أمام منعطفات مفصلية في تاريخ المناخ مع جنوح نحو المزيد من التطرف، الذي تسبب أخيرًا بكارثة ليبيا بعد فيضان الأودية في درنة.

لكن الدولة في لبنان، ما زالت تتعاطى وفق كثيرين، كما لو أنها ليست جزءًا من العابرين في هذا المنعطف. في حين، تواجه دول الشرق الأوسط تحديات هائلة تعيق قدرتها على التكيف والتأقلم مع الأنماط الجديدة في هطول الأمطار. وخصوصًا في بلد مثل لبنان غير المهيأ لتطوير بنيته التحتية لتخزين المياه، والتي تعاني من اهتراء خطير، يجعل من التصدي لمفاجآت تطرف المناخ مهمة شبه مستحيلة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها