السبت 2023/11/18

آخر تحديث: 14:15 (بيروت)

مشاريع "خصخصة" تعليم السوريين: تمويل دولي تحت رقابة "التربية"

السبت 2023/11/18
مشاريع "خصخصة" تعليم السوريين: تمويل دولي تحت رقابة "التربية"
تتلقى المدرسة 250 دولاراً عن كل طالب ويتراوح أجر الأساتذة بين 150 و400 دولار بالشهر (المدن)
increase حجم الخط decrease
العام المنصرم علت صرخة المسؤولين في وزارة التربية وأصدر الوزير عباس الحلبي قرارات طلب فيها من المدارس الخاصة عدم تسجيل الطلاب السوريين. الذريعة حينها كانت "رفض أي محاولة لدمج تلامذة نازحين ولتوطينهم من خلال القطاع التربوي الخاص". و"دعت (الوزارة) المدارس الخاصة التي يتم التواصل معها من جانب أي جهة كانت لهذه الغاية بعرضها عليها تغطية كامل أقساط هؤلاء، إلى الامتناع عن الاستجابة لهذه العروض وبالتالي رفضها كاملة لتعارضها مع السياسة العامة". ثم خفتت الأصوات تجاه هذه المدارس لأسباب مجهولة. فأحد المشاريع المستهدفة في هذه التصريحات كان مشروع "دراسة" الممول من منظمة اليونيسف، والمنفذ من جمعيات محلية عدة، في المدارس الخاصة.

تفاصيل المشروع
من دون مبررات مخالفة لبيان الوزارة الآنف الذكر استمر مشروع "دراسة" بالعمل وبعلم الوزارة، ممثلة بمصلحة التعليم الخاص. فالأخيرة تشرف على المدارس التي تنفذ المشروع، والذي يهدف إلى توسيع المستفيدين فيه إلى نحو خمسين ألف طالب في مئتي مدرسة خاصة، في العام 2025.

في التفاصيل التي حصلت عليها "المدن" بدأ تنفيذ المشروع منذ نحو ثلاث سنوات كمشروع تجريبي في أربع مدارس. وتوسع ليطال عشرات المدراس في لبنان، وتعمل عليه خمس جمعيات في مختلف المناطق (البقاع والجنوب والشمال) ويضم حالياً نحو خمسة الاف طالب لهذا العام.

كلفة الطالب، في هذا المشروع تصل إلى نحو 600 دولار بالسنة تدفعها اليونيسف، بكلفة إجمالية للمشروع تصل إلى نحو مئة مليون دولار. ويقسم مبلغ كلفة كل طالب على 250 دولاراً للمدرسة عن كل طالب، فيما المبالغ المتبقية هي لتغطية مصاريف القرطاسية والهندام المدرسي والدعم النفسي والاجتماعي والأنشطة الرياضية وغيرها.

والمشروع هو للتعليم النظامي. أي أنه يختلف عن مشاريع التعليم غير النظامي، التي تهدف دعم الأطفال ومدهم بالمهارات اللازمة مثل محو الأمية وغيرها أو الدمج اللاحق في المدارس المهنية أو العادية. فالمشروع يطال التلامذة المنقطعين عن الدراسة لإعادة دمجهم بالمدارس. وتشترط مصلحة التعليم الخاص عدم قبول إلا التلامذة المنقطعين عن المدرسة لسنتين، بما يتعلق بالطلاب السوريين، وسنة بما يتعلق بالطلاب اللبنانيين. وتشترط أيضاً أن تكون نسبة الطلاب في الصف مناصفة بين اللبنانيين والسوريين.

بتنسيق مع مصلحة التعليم الخاص
الملفت في الأمر أن المشروع استمر بالعمل رغم عدم صدور قرارات عن وزارة التربية تتراجع فيها عن القرار الآنف الذكر، الذي هوّل بدمج وتوطين الطلاب السوريين. جل ما حصل أن الوزارة امتنعت عن إعطاء إفادات للطلاب تثبت انهاءهم صفوف أو مرحلة تعلمية ما، وذلك في انتظار حل بعض الأمور العالقة مع منظمة اليونيسف. ما يفهم أنها عبارة عن ضغوط لتحصيل مكاسب وتمويل إضافي للوزارة من اليونيسف. أي لا توطين ولا دمج ولا شيء من التهويل الذي حصل. فالمشروع قائم ويعمل، وتشارك في تنفيذه مدارس خاصة مجانية وغير مجانية، وبالتنسيق مع مصلحة التعليم الخاص.

ليس هذا فحسب بل حصلت إشكالية، تقول المصادر، متعلقة بمدارس استقبلت طلاباً غير منقطعين عن الدراسة انتقلوا من التعليم الرسمي. فقد اعتبر البعض أن الإضرابات، التي حالت دون انتظام العام الدراسي في المدارس الرسمية، انقطاعاً عن التعليم. وتسجّل طلاب انتقلوا من المدارس الرسمية إلى تلك المدارس. وأبلغ دليل على وجود تنسيق مع مصلحة التعليم الخاص تأكيد بعض العاملين في هذا المشروع أن "المصلحة" تراقب الأمر ولديها نظام إلكتروني يكشف أي انتقال لأي تلميذ من الرسمي إلى تلك المدارس. وهناك مستشارين في مكتب المدير العام للتربية يشرفون على المشاريع الدولية. وخارج رقابة واطلاع محتلف مديريات ووحدات التربية. 

تشكيك بدور اليونيسف
بمعنى آخر، في العلن تظهر الوزارة أنها خائفة على دمج الطلاب السوريين وتوطينهم، لكن خلف الكواليس تسير هذه المشاريع وينكشف أن الأمر مجرد تهويل وممارسة ضغوط على المانحين في ملف النزوح السوري.

في المقابل، الانتقادات التي توجه لهذه المشاريع أن اليونيسف والمانحين ينحون نحو "خصخصة تعليم السوريين" في لبنان. والسؤال الذي يطرح لماذا ترفض اليونيسف دفع أموال تلك المشاريع على التعليم الرسمي؟ ولماذا تدعم بشكل غير مباشر مدارس مجانية أو غير مجانية تصنف في لبنان "دكاكين التعليم"؟ (جمعيات عدة معروفة في لبنان رفضت مشاركة اليونيسف في هذا المشروع لأنه تعليم نظامي في مدارس خاصة مجانية نبتت كالفطر في لبنان) ولماذا تدفع أجوراً في تلك المدارس تعتبر مرتفعة للأساتذة قياساً بما يتقاضاه الأساتذة في التعليم الرسمي، وترفض رفع مساهماتها لتحسين شروط عيش أساتذة التعليم الرسمي؟

قد يكون انتقال اليونيسف لدعم المدارس الخاصة مرده إلى فشل التعليم الرسمي قياساً بالكلفة المرتفعة التي أنفقت عليه من دون الفعالية المطلوبة. وهذا ما دفع اليونيسف والمانحين إلى إجراء تقييم شامل لكل المشاريع التربوية في لبنان. والهدف هو وضع خطة متكاملة لكيفية التدخل المستقبلي في هذا القطاع. هذا ما يقال في اللقاءات مع اليونيسف، تقول المصادر. وهذا أحد أسباب وقف الدعم للوزارة إلا بالحدود الدنيا، التي تشمل حق الطفل بالتعلم، من خلال دعم صناديق المدارس. وذلك وسط رفض لتمويل أجور المعلمين والحلول مكان الدولة.

لكن وزارة التربية، بكامل أركانها، لم تقتنع أن المانحين يبحثون عن طرق جديدة لكيفية التدخل في قطاع التربية. ويعتقدون أن الضغط من خلال ملف الطلاب السوريين سيؤدي إلى إعادة الأمور إلى ما كانت عليه سابقاً. فمشكلة وزارة التربية مع المشاريع الممولة من اليونيسف من خلال المجتمع المدني أنها تحرمها من التمويل الذي كان في السابق يمر عبرها، من خلال وحدة التعليم الشامل. وتحرمها من أعداد كبيرة من الطلاب التي تنتقل إلى التعليم الخاص، وبتمويل من اليونيسف (تمويل صناديق المدارس الرسمية يعتمد على عدد الطلاب المسجلين) وتحرجها أمام الهيئة التعليمية. فتعويضات الأساتذة في المدارس الخاصة المشاركة في هذا المشروع أو في مشاريع أخرى للدعم المدرسي، تتراوح بين 150 و400 دولار بالشهر، بحسب عدد ساعات التعليم. ما دفع العديد من الأساتذة إلى ترك التعليم الرسمي والعمل في تلك المدارس. واستمرار الوضع على حاله يعني حكماً الانتقال إلى "خصخصة تعليم السوريين".



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها