أكثر من ثلاث سنوات مرّت على انفجار مرفأ بيروت والسلطة السياسية مستمرة في "قطع الطريق" أمام المحقق العدلي طارق البيطار لمنعه من متابعة هذه القضية الحساسة. لكن، وفي كل مرة يظن فيها المواطن اللبناني أن قضية المرفأ تحولت إلى ملف سياسي يصعب معالجته، يثبت القضاء اللبناني أنه قادر على تحريك المياه الراكدة في هذا الملف، مؤكًدا بأن القضية لم تُنس بعد، وأن العدالة ستتحقق.
إبطال القرار
في خطوة لافتة للإنتباه، تبنت الهيئة الحاكمة في مجلس شورى الدولة برئاسة القاضي فادي إلياس تقرير القاضي كارل عيراني بكامله، فأبطلت قرار وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال القاضي بسام المولوي، الصادر في العام 2021، الذي كان مضمونه عدم تبليغ الأوراق القضائية الصادرة عن المحقق العدلي طارق البيطار وإعادة الأوراق إلى مرجعها لإتمام التبليغ بالطرق العادية.
قرار المولوي المعمم في الثاني والعشرين من أيلول العام 2021 على قوى الأمن الداخلي والذي أُبلغ به البيطار لاحقًا وتحديدًا قبل أيام قليلة من موعد استجواب بعض السياسيين، تضمن الامتناع عن تبليغ بعض السياسيين عبر قوى الأمن الداخلي وهم: حسان دياب، علي حسن خليل، غازي زعيتر، نهاد المشنوق بمواعيد جلسات استجوابهم التي حددها البيطار آنذاك.
استند المولوي في قراره آنذاك إلى أن قيام عناصر القوى الأمن الداخلي بالتبليغات هو "من باب التعاون مع السلطات القضائية ويرمي إلى تسيير وتسهيل عملها وليس موجبًا عليها"، معتبرًا أن تنفيذ التبليغات قد يؤدي إلى وقوع ضرر على المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، ومن الممكن ادخالها في تجاذبات سياسية قد تؤثر على استقلالية المديرية، مستندًا على أحكام المادة 147 من أصول محاكمات جزائية، علمًا أنه كان رئيسًا لمحكمة جنايات الأحداث في جبل لبنان، والمعروف ضمن أهل القضاء أن المُكلف بالتبليغ مُلزم بالتنفيذ (أي إجراء التبليغ).
مجلس شورى الدولة أبطل قرار المولوي، معتبرًا "أنها سابقة خطيرة من حيث تمنع العناصر الأمنية عن تنفيذ التبليغات تحت ذريعة التجاذبات السياسية، مشدّدًا على أن سلطة وزير الداخلية ليست اعتباطية أو كيدية..." وهي سلطة قائمة على المبدأ والقانون.
"خطوة ايجابية"
وفي حديث خاص لـ"المدن" اعتبرت بعض المراجع القضائية أن قرار المولوي أبطل لكون تمنع الوزير عن تنفيذ ما كلف به من شأنه تعطيل سير العدالة. مما يعني أن امتناعه عن تنفيذ التبليغات السابقة أدى إلى عرقلة التحقيق العدلي فلم يتمكن المحقق العدلي من تبليغ من يستدعيهم من السياسيين بواسطة القوى الأمنية، لافتًا إلى أن الاعتماد على المباشرين لتنفيذ الإستنابات قد يشكل خطرًا عليهم. فالمباشر لا يتمتع بالسلطة ولا يعتبر من القوى المسلحة، وبالتالي من الممكن أن ترفض الحماية الشخصية التابعة لأي سياسي من تبليغ الأخير عبر المُباشر، إنما لن تتمكن من منع العناصر الأمنية التابعة لقوى الأمن الداخلي.
بالنسبة لعدد من المطلعين على قضية المرفأ، فإن خطوة مجلس شورى الدولة صُنفت أنها من الخطوات القضائية المهمة والتي من شأنها التأثير ايجابًا على مجرى الملف لاحقًا، لأنها أثبتت أن القضاء اللبناني لا يزال قادرًا على معالجة جميع الثغرات التي تعرقل قضية المرفأ.
في الواقع، تنطوي أهمية هذه الخطوة في التأكيد بأن القضاء اعتبر أن العناصر الأمنية يتوجب عليها تنفيذ جميع التبليغات الصادرة عن المحقق العدلي البيطار. لكن، الثغرة الأساسية التي يفترض معالجتها ليعود الملف إلى مساره الطبيعي بشكل تدريجي، هي حل الإشكال الواقع بين البيطار والنيابة العامة التمييزية.
معالجة الثغرات
مفاد هذا الكلام، بأن الملف سيعود إلى مساره الطبيعي بعد تعيين الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف القاضي حبيب رزق الله جلسة استماع للقاضي البيطار فيما يتعلق بالدعوى المرفوعة ضد الأخير من المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات بجرم "اغتصاب السلطة"، وهو الأمر الذي لم يحدث بعد. ومن ثم معالجة الإشكالات القضائية، والأهم أن يعين مجلس القضاء الأعلى الهيئة الاتهامية للنظر في القرار الذي سيصدر عن رزق الله. كما يحتاج الملف، لينطلق مجدّدًا، إلى موافقة النيابة العامة التمييزية على استلام القرارات والتبليغات والمستندات من البيطار.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها