في ظل الاهتمام المتزايد بإمكانية توفير خدمة "ستارلينك" للإنترنت السريع في لبنان، ومع ما يدور من أحاديث حول تأمين هذه الخدمة لبعض المرافق الحكومية والمؤسسات الأمنية ومنظمات الإغاثة في حال اندلاع حرب (راجع "المدن")، نعرض فيما يلي تعريف مبسط لهذه التكنولوجيا، وسوف نحاول في النهاية الإجابة على السؤال المُلح: هل يحتاج لبنان فعلاً إلى ستارلينك، وهل يمكن أن تكون حلاً لمشاكل الإنترنت في هذا البلد؟
الهدف من ستارلينك
تعتمد خدمة "ستارلينك" على تقنية الأقمار الصناعية لتقديم خدمة الإنترنت السريع إلى مناطق واسعة من العالم، لاسيما المناطق النائية والريفية التي لا تتوفر فيها البنية التحتية التقليدية للإنترنت. وقد أطلقت شركة "سبيس إكس" هذه الخدمة بهدف تأمين الاتصال مع سكان هذه المناطق وإشراكهم في حلقة الاقتصاد العالمي.
لكن تبين أن خدمة "ستارلينك" الذي تتراوح سرعتها بين 60 و250 ميغابايت بالثانية، يمكن أن تكون أيضاً حلاً مناسباً لبعض الأماكن الحضرية، خصوصاً في الولايات المتحدة، حيث تسوء الخدمة في بعض الولايات الداخلية. ويرجع ذلك إلى أن تأمين شبكة ألياف ضوئية إلى بعض هذه الأماكن يمكن أن يكون مكلفاً للغاية، حيث يصل في بعض الحالات إلى عشرات آلاف الدولارات التي تقع على عاتق المستخدم.
بدأت ستارلينك كمشروع حضاري لوصل المناطق النائية ببقية الكوكب، أو هكذا صُورت. ثم أصبحت الممول الرئيسي لأعمال سبيس إكس في اكتشاف الفضاء وتطوير الصواريخ لا سيما مشروع Starship.
مدارات ستارلينك
الإنترنت عبر الأقمار الصناعية موجود منذ سنوات، ولكنه لم يكن أبداً مثالياً. فلكي يغطي القمر الصناعي منطقة واسعة، يجب أن يكون مداره مرتفعاً جداً، أي على ارتفاع 35,786 كيلومتراً فوق خط الاستواء. وهو يُعرف باسم المدار المتزامن مع الأرض (GEO). تدور الأقمار الصناعية في مدارات GEO بسرعة دوران الأرض نفسها، مما يجعلها ثابتة بالنسبة إلينا. لكن هذا الارتفاع الكبير له أيضاً عيوبه التي لا نشعر بها مع البث التلفزيوني مثلاً.
تبلغ سرعة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية التقليدية بين 10 و50 ميغابايت بالثانية وتأخير مرتفع في الاستجابة (high latency) حوالى 100 مللي ثانية (ms)، وهي غير مناسبة للتطبيقات التي تتطلب سرعات عالية واستجابة سريعة، مثل البث المباشر والألعاب عبر الإنترنت. بالنهاية كل شيء محدود بسرعة الضوء.
لحل مشكلة بطء الاستجابة، قامت "سبيس إكس" بإطلاق آلاف الأقمار الصناعية الصغيرة إلى المدار الأرضي المنخفض LEO، الذي يمتد من 550 إلى 2000 كيلومتر فوق سطح الأرض. هذه المسافات تضمن سرعة إنترنت أعلى تصل إلى 250 ميغابايت في الثانية وتأخير استجابة أقل (بين 10 و 20 مللي ثانية). لكن المدار المنخفض LEO يتطلب أن تكون الأقمار الصناعية سريعة الحركة لتجنب السقوط بسبب جاذبية الأرض. ولتغطية مناطق واسعة، كان لا بد من إنشاء شبكة ضخمة لأقمار ستارلينك (Mega Constellation) تتحرك كالقطارات في السماء. حالياً، تتألف شبكة ستارلينك من 5000 قمر صناعي، وتخطط شركة سبيس إكس لزيادتها إلى 12000 في المستقبل القريب و 42000 قمر صناعي في عشر سنوات.
تقنيات واستثمارات
يتألف المنتج الذي يمكّن المستخدم من الاتصال عبر ستارلينك من صحن هوائي صغير وجهاز راوتر وقاعدة تثبيت الصحن وبعض الكابلات فقط. ولا تقدم ستارلينك خدمة تثبيت هذه المعدات. وهو أمر سهل نسبياً لمعظم الناس. يمكن ملاحظة الفارق بالشكل بين صحن هوائي الجيل الأول والثاني حيث تحول من الشكل الدائري إلى ما يشبه المستطيل، أما راوتر الجيل الثالث فيتضمن تقنية WIFI 6 ومقبس إيثرنت عدد 2 تعطي إمكانية وصلها بأجهزة راوتر إضافية عبر الكابلات وتوسعة نطاق التغطية.
أما الصحن الهوائي الذي يسمى Dishy هو عبارة عن إبداع تكنولوجي، فهو يضبط اتجاهه نحو السماء بشكل آلي بمساعدة محرك صغير يتبع حركة الأقمار الصناعية. ولكنه لا يحتاج إلى التحرك كثيراً بعد ذلك، لأنه صُمم بطريقة تمكنه من الانتقال من قمر صناعي إلى آخر بطريقة رقمية وليس ميكانيكية. فهو يحتوي على طبقتين من الهوائي داخل الصحن، كل منها يعمل على تردد مختلف، وعندما يتقاطع هذين الترددين، يتم توجيه الهوائي نحو القمر الصناعي المطلوب.
تحتاج هوائيات ستارلينك إلى تثبيتها في موقع مفتوح من دون عوائق، فحتى بعض الأشجار قد تقلل من سرعة الإنترنت وتؤدي إلى عدم استقرار الاتصال. وحتى من دون عوائق يواجه بعض المستخدمين انقطاعاً لمدة ثوان في الاتصال بمعدل مرة كل عدة أيام وهي نسبة لا تذكر للعديد من المستخدمين. لكنها قد تكون مؤثرة للتطبيقات التي تحتاج الاتصال الدائم مثل الألعاب.
التحدي الأكبر عندما يتعلق الأمر بالانتقال من مزود الإنترنت التقليدي إلى ستارلينك هو الكلفة العالية لهذا النظام. فسعره يصل في الولايات المتحدة إلى 600 دولار للأجهزة و 120 دولاراً كاشتراك شهري، في حين قد تنخفض هذه الأسعار جداً في دول مثل كندا واستراليا (150 دولار للأجهزة).
وصل عدد مستخدمي ستارلينك حول العالم إلى أكثر من مليوني مستخدم خلال سنتين بعائدات بلغت 1.4 مليار دولار العام الماضي، حيث أعلن إيلون ماسك أنه بلغ نقطة التعادل مع الكلفة. ومن المتوقع أن تبلغ عائدات ستارلينك السنوية في 2026 ما يقرب من 15 مليار دولار، لذلك تعتبر ستارلينك الممول الأساسي لشركة سبيس إكس.
هل يحتاج لبنان إلى ستارلينك؟
يحتل لبنان المركز 169 بسرعة الـBroadband وفق تصنيف Ookla، وفي حين تفاخر وزير الاتصالات بصعود لبنان عدة مراكز بسرعة الإنترنت على شبكات الخليوي (المركز 73 حالياً)، بات معلوم للجميع أن سوء خدمة الإنترنت تتلخص بالفساد وانعدام الصيانة وانقطاع الكهرباء، وعدم تحديث المعدات، وعدم الاستثمار بشبكة ألياف بصرية، رغم كل الأموال التي أنفقت على هذا القطاع.
في العام المقبل سيكون الكابل البحري الجديد CADMOS-2 بسعة 2.4 Tbps الذي سوف يربط بين بيروت ومدينة بنتاسخينوس القبرصية بديلاً عن نظام الكابل الذي يصل بين البلدين منذ عام 1995. يمكن أن يساهم هذا الكابل الجديد في توفير إنترنت سريع عن طريق الألياف البصرية لجميع المستخدمين، لكن يجب أيضاً تحسين مستوى الخدمات المحلية لتصل إلى معايير مقبولة.
ليس هناك ما يدعو للفخر في المرتبة 169 التي يحتلها لبنان في سرعة الإنترنت، ولا يمكن حل مشاكل هذا القطاع بالتسرع في جلب بعض أجهزة ستارلينك لتركيبها في بعض المؤسسات الحكومية، بحجة التواصل في زمن الحرب. فهذه المؤسسات التي تعاني من تراجع الأداء نتيجة انخفاض الرواتب وانقطاع الكهرباء في السنوات الأخيرة، لا تحتاج إلى ستارلينك، فهناك إنترنت عبر الأقمار الصناعية التقليدية يمكنها الاعتماد عليه في حالة الحرب.
ما يحتاجه لبنان فعلاً هو شبكة ألياف بصرية تغطي كافة الأراضي وارتفاع مستوى الصيانة وبعض المعدات الجديدة لشبكة Broadband، ولا مانع من تنظيم دخول ستارلينك لمن يرغب في الاشتراك في هذه الخدمة الباهظة الثمن.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها