تعتزم وزارة التربية إنشاء وحدة أو مكتب تحت مسمى الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال، ستنفق عليه أموالاً من مشاريعها الممولة من منظمة اليونيسف. هذا ما يستشف من فحوى نوعية الوظائف التي سبق وأعلنت عنها الوزارة، للتعاقد مع مستشارين متخصصين بحماية الطفل وبالإعلام والعلوم التربوية وغيرها. وهذا رغم أن المهام المطلوبة لشغل هذه الوظائف هي في صلب عمل الوزارة، ولا سيما في جهاز الإرشاد والتوجيه، الذي حاول وزير التربية عباس الحلبي جعله مديرية كسائر مديريات الوزارة، في جلسة مجلس الوزراء في 19 تشرين الأول.
إزدواجية بالمهام والعمل
طريقة الإعلان عن هذه الوظائف كعقود استشارية، وإقفال الباب للتقديم لها بعشرة أيام، أثار حشرية البعض في وزارة التربية والشكوك حول هذه التوظيفات. وتلفت المصادر إلى أن الوزارة لم تضع شروطاً حول كيفية تسلم الوظيفة. ولم تذكر المهام المطلوبة من المستشارين الذين ستتعاقد معهم، ولا المدة الزمنية للعمل. ولم تفرض أي شروط حول عدم جواز الجمع بين الوظيفة العامة وتوقيع عقد لهذه المهمات. ولم تضع الشروط والأحكام للفصل بين الوظيفة العامة وهذه الوظيفة، وعدم تكريس الازدواجية في العمل والمهام، والذي يؤدي إلى هدر المال العام. بل اكتفت بوضع مواصفات المؤهلين لتقديم الطلبات لناحية الشهادات العلمية وسنوات الخبرة المطلوبة.
ووفق المصادر، عنوان الوظائف المطلوبة يحيل إلى إنشاء مكتب للدعم النفسي للطفل. واليونيسف تمول هكذا مشاريع. لكن جهاز الإرشاد والتوجيه يتولى هذه المهام أصلاً. ما يعني أن هذه الوظائف تقع إما في إطار هدر الأموال على مشاريع لا طائل منها، لأنها من ضمن مهمات الإرشاد، أو أنها مجرد "تنفيعة"، لاسيما أن الرواتب لهذه العقود بالدولار النقدي. وبالتالي تكون هذه الوظائف شبيهة باللجان الكثيرة والمتعددة في الوزارة، والتي تشكل غب الطلب لإرضاء المسؤولين التابعين للأحزاب في الوزارة، مثل لجان المناهج وغيرها.
على مقاس موظفين بالتربية
ما زال أمر هذه الوظائف غير واضحاً. وتقول المصادر أن طبيعة الوظائف موضوعة على مقاس موظفين في الوزارة، الذين تقدم بعضهم بطلباتهم للحصول عليها. علماً أنه لا يحق للموظف أن يوقع عقداً استشارياً أو العمل خارج الإدارة إلا في مجال التعليم وبعد الدوام الرسمي. وبالتالي، لا يمكن الموظف توقيع عقد مع إدارته وللمهام عينها التي يقوم بها في عمله. هذا فضلاً عن أن المهام المطلوبة في هذه العقود، التي تعتبر بمثابة إنشاء واستحداث مكاتب وهيئات، لها طابع تنظيمي، بحسب مقتضيات القانون. وبالتالي، أي قرار بشأنها يجب أن يمر على مجلس شورى الدولة ويجب أن يبدي مجلس الخدمة المدنية رأيه بها.
داخل جهاز الإرشاد؟
الأسوأ من ذلك، هو ما يشاع في أروقة الوزارة عن أن هذه الوظائف قد تنشأ داخل جهاز الإرشاد والتوجيه نفسه، الذي ترأسه هيلدا الخوري. هذا رغم أن المهام المطلوبة في تلك الوظائف المستحدثة تقع في صلب المهام التي يتولاها جهاز الإرشاد. أي تصبح هناك ازدواجية في العمل والمهام والإنفاق. وبمعزل عن الخلافات حول قانونية هذا الجهاز (صدرت توصية سابقاً عن المفتشية التربوية بإلغائه وإعادة جميع الأساتذة إلى مدارسهم)، لدى هذا الجهاز عدد ضخم من الأساتذة المكلفين بالإرشاد الصحي والاجتماعي والتربوي. ويفترض أن المهام المطلوبة لتلك الوظائف تقع ضمن عملهم اليومي. ما يعني أن الوزارة بصدد خلق وظائف أو إنشاء مكتب أو وحدة جديدة لإنفاق أموال هي بمثابة هدر للمال العام.
في جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في 19 تشرين الأول الفائت، عرض وزير التربية عباس الحلبي "مشروع قانون يرمي إلى استحداث مديرية الإرشاد والتوجيه في ملاك وزارة التربية"، بقرار حمل الرقم 6، وذلك وفق المحضر رقم 56، الذي اطلعت عليه "المدن". ومن المبررات التي عرضها الوزير في مشروع القانون أن الجهاز لم يعد يكفي لتحقيق رسالة الإرشاد المتنوعة، وهي تفرض جعله مديرية شبيهة بباقي المديريات في الوزارة. لكن مجلس الوزراء رفض الأمر، وقرر "سحب القانون وكلف الحلبي برفع الاقتراحات اللازمة التي من شأنها إضفاء الصفة الشرعية والقانونية على عمل الجهاز بحالته الراهنة".
استدرك مجلس الوزراء الإشكالية التي تدور حول هذا الجهاز، وأوصى الوزير بتقديم مقترحات لإضفاء الشرعية على عمل الجهاز. لكن في حال صدقت الشائعات التي تتداول في الوزارة عن أن الوظائف الآنفة الذكر ستكون داخل الجهاز، فالإشكاليات القانونية ستتعقد أكثر. وتكون بمثابة فضيحة جديدة، ووزارة التربية بالغنى عنها. هذا فضلاً عنه أنه يعيد تكرار الخلافات والمشاكل حول الجهاز التي انفجرت قبل نحو ثلاث سنوات.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها