الإثنين 2023/01/09

آخر تحديث: 14:26 (بيروت)

مئات حالات التسمّم في مخيّم شاتيلا: "شرب الماء يقتلنا"!

الإثنين 2023/01/09
مئات حالات التسمّم في مخيّم شاتيلا: "شرب الماء يقتلنا"!
سوء استخدام مواد التعقيم يسبب بأمراض للمئات(علي علوش)
increase حجم الخط decrease
يعيش أكثر من ثمانية عشر ألف نسمة في مخيّم شاتيلا البيروتيّ، بخطر داهم يُهدّد حياتهم، ويُنذر بكارثة اجتماعية في زمن انتشار الأوبئة، نتيجة تسرّب مياه الصرف الصحيّ وتآكل شبكات المياه الشرعيّة في بعض أحياء المخيّم لقدمها، ناهيك عن تسمّم المئات خلال الشهر الماضي جرّاء استخدام معقمات تحتوي على مادة الكلور بنسبة عالية، مّا أدّى إلى إصابة عدد كبير من أبناء المخيّم بمشاكل صحيّة وأعراض مشابهة للكوليرا بصورة مفاجئة.

قبل أيّام قليلة، تسمّم مئات الأشخاص داخل مخيّم شاتيلا بشكل غامض من دون معرفة الأسباب. في البداية، اعتقد بعضهم بأن وباء الكوليرا السبب الرئيسيّ وراء العوارض الغريبة التي تُصيب الكبار والصغار على حدّ سواء، ليتبيّن لاحقاً أن المشكلة أكبر من ذلك بكثير، وهي غالباً ناتجة عن تسمّم معويّ أصابهم بسبب ارتفاع نسبة الكلور ومواد كيماوية أخرى وزعتها عليهم إحدى المنظمات لتعقيم خزانات المياه، من دون تقديم أيّ إرشادات صحيّة أو دليل استخدام، وهنا بدأت الحكاية.

دور المعقّمات
مع بداية فصل الشتاء، ووسط انتشار الإنفلونزا والكوليرا وغيرهما من الأمراض والأوبئة، كالعادة تخوّفت بعض المنظمات والجمعيات من خطر انتشارها داخل مخيّمات اللاجئين، فسارعت بتوزيع كمامات ومعقمّات لضبط الأوضاع، أو أقلّه التخفيف من وطأتها، إلّا أن إحدى المنظمات الأجنبيّة حسبما أفاد أهالي المخيّم (الذين لا يذكرون اسمها)، أعطتهم أكياساً صغيرة عبارة عن عقاقير بداخلها مواد تعقمّ خزانات المياه وتقوم بفلترتها لكي تصبح صالحة للشرب، وبعد مرور يومين بدأت حالات التسمّم تظهر واحدة تلو الأخرى بدرجات مختلفة.

تُخبرنا تايهة عبد الله الحسن، وهي إحدى السيّدات اللواتي لازمنَ الفراش لأسبوعين تقريباً، أن "العوارض في البداية كانت صعبة جداً، حتّى أنّني لم أحتملها فذهبت إلى عيادة الطبيب محمد حمادة الذي أكّد لي إصابتي بتسمّم ناتج عن المياه بعد إجراء الفحوص اللازمة، ووصف لي بعض الأدويّة التي لم يبدأ مفعولها إلّا بعد مرور 5 أيّام". تشرح السيّدة الأربعينيّة لـ"المدن" أن العوارض عبارة عن "ألم في الرأس وصداع، غثيان وتقيؤ، هلوسات وارتفاع بدرجة حرارة الجسم، ضعف في العضلات، ألم وتعب، صعوبات في التنفس، التبول بكثرة، تغيرات وتقلبات مستمرة في ضغط الدم، عدم انتظام في ضربات القلب، دوخة حادة وتشنجات، تشوش في الرؤية، أو رؤية كل شيء بنسختين، وهي غالباً تشتدّ ليلاً حيث لا يمكنني النوم من دون أخذ إبرة أو سيروم".

بالنسبة لسحر محمد، وهي أرملة تعيش مع ابنتها في المخيّم، لم يختلف الوضع كثيراً، إذ كانت عوارض إصابتها مشابهة لباقي الأهالي، واستمرّت لمدّة 10 أيّام أيضاً. تقول السيّدة لـ"المدن" إن ما حصل معها "كان مفاجئاً، حيث شعرت فجأة بهبوط حادٍ بضغطها مع مضاعفات متتالية جهلت سببها، فتوجهت إلى العيادة المجاورة لمنزلها لإجراء الفحوص اللازمة خوفاً من إصابتها بالكوليرا، غير أن النتيجة أتت سلبيّة، أيّ أن الطبيب المعالج حسم الأمر بعدم إصابتها بأيّ وباء، مؤكّداً أن السبب وراء حالتها يعود إلى تسمّم معوي نتيجة مياه الشرب الملوثّة، ووصف لها مضاداً جرثومياً عساها تتحسن عليه...".

الحلم بمياه نظيفة 
"الحياة صعبة جداً داخل المخيّم، نحلم بأمور بسيطة كالمياه النظيفة والكهرباء وغيرها من الحقوق البديهية التي نُحرم منها لسبب أو لآخر لمجرّد أنّنا غرباء بالنسبة للبعض"، هكذا اختارت سحر التعبير عن واقعها المأسوي داخل مخيّم شاتيلا، مشيرةً إلى أنّها "ليست بوارد تحمل نفقات شراء مياه شرب من المحال التجاريّة، لذا فهي تقوم كغيرها من السيّدات بتعبئة الغالونات من الآبار الارتوازية في المخيّم، وهي بطبيعة الحال غير صالحة للشرب ولكن رضوخاً للواقع الاقتصادي الراهن، لا حلّ آخر لدينا!".

مياه مكرّرة رخيصة!
يروي أحمد عبد الحقّ، الرجل الخمسينيّ الذي تمكن من دخول مستشفى الرسول الأعظم بواسطة (على عكس باقي سكّان المخيّم نتيجة عدم حيازتهم على أوراق ثبوتيّة رسميّة) جرّاء تسمّم معوي أيضاً، في حديث لـ"المدن" أن "المشكلة الأساسيّة داخل المخيّم تكمن في تآكل شبكات المياه، وعدم اشتراك معظم الأهالي بالعدادات، أيّ أنّهم لا يستفيدون حالياً من الخدمات التي تقدمها مصلحة مياه بيروت- جبل لبنان، وبالتالي فهم يلجؤون إلى الطرق التقليديّة كشراء مياه الشرب بأسعار زهيدة (مقابل 6000 ليرة لبنانيّة) لتسيير حياتهم".

ويُضيف: "بعد انتشار ظاهرة تسمّم المياه، حضرت فرقاً عدّة وأخذت عيّنات من المياه لفحصها، وحتّى الساعة لم يصلنا أيّ ردّ حول الأمر ولا حتّى توضيح، فما كان منّا غير أنّنا توقفنا عن الشرب من مياه الخزانات بسبب نسبة الكلور المرتفعة فيها، حيث أن لونها فيه غرابة وكأنّه ممزوج بمادة نجهلها تفوح رائحتها بشكل سيء.. ولأنّنا لا نملك المال، وبالتالي لا نستطيع كعائلة مكوّنة من 7 أشخاص شراء 3 غالونات شرب يومياً مقابل 36 ألفاً للغالون الواحد أيّ أنّنا بحاجة إلى 765 ألفاً أسبوعياً لشرب المياه فقط، نقوم موقتاً بتعبئة غالونات من الآبار في المنطقة، مع العلم أنّها غير شرعيّة وغير صالحة للشرب ولا صحيّة".

في زوايا شاتيلا، تظهر محلات تكرير المياه المحلية التي يزعم أصحابها أنّها معقمة وصالحة للاستعمال المنزلي، وهي غالباً تباع بسعر رخيص، أيّ 6000 ليرة لبنانيّة فقط للغالون من عشرين ليتراً، بينما تباع الكمية المقننة عينها بما يزيد عن 36 ألفاً في المحال والسوبر ماركت.

دور مصلحة مياه بيروت 
خلال جولة لـ"المدن" في أحياء المخيم الضيّقة والقديمة، تظهر لنا تجمعات المياه السطحية المتدفقة من أسطح البيوت، التي تتسرّب عبر فتحات أغطية شبكات المياه. كما نرى المياه المتسرّبة من أنابيب الصرف إلى الشبكة. فأين الرقابة؟ وهل لمصلحة مياه بيروت- جبل لبنان علاقة بالأمر؟

يوضح أحد المسؤولين في مصلحة مياه بيروت، طوني زغبي لـ"المدن" أن "منطقة شاتيلا وتحديداً المخيّم، هي عشوائية في الأساس ومعظم سكّانها غير مشتركين معنا إذ لا عدّادات اشتراك لهم، وبالتالي لا علاقة لنا بالأمر في هذه الحالة"، مشيراً إلى أن "المياه تصل إلى المخيّم من خطّ الدامور، ونحن لا ننكر أنّها قد تكون مالحة وغير صالحة للشرب بطبيعة الحال، ولكن هذا العام تحديداً الملوحة أخفّ لأنّنا لم نشغل الآبار كثيراً، فمثلاً منذ 10 أيّام لم نعطِ المياه بسبب انقطاع الكهرباء. وفعلياً، لا تتعدّى اشتراكات المياه داخل المخيّم الـ30 اشتراكاً".
ينفي زغبي في كلامه صحة الشائعات والاتهامات التي تطال مصلحة بيروت حول حالات التسمّم في شاتيلا، معلناً استعداده بشكل شخصي "لمتابعة الأمر في حال كان أحد المتضرّرين مشتركاً بصورة رسميّة استناداً لوصل صادر عن المصلحة، أمّا مَن يشتري مياه الشرب بطريقة غير شرعيّة فلا علاقة لنا به، إذ جميعنا يعلم حقيقة وضع المخيّمات وصعوبة الدخول إليها، فلا يُمكن تحميلنا مخاطر الوضع ونحن نمد يد العون والمساعدة في كلّ فرصة، كما فعلنا بالأوزاعي بالتنسيق مع منظمة اليونيسف، لتسهيل وضمان وصول المياه الصالحة للاستعمال إلى المنازل".

الوضع الصحيّ لأهالي مخيّم شاتيلا يتراجع مع مرور الأيّام. ومشكلة المياه تزيد مأساة إلى مآسيهم المتناسلة. فهل تتحرّك الدولة لإنقاذ اللاجئين واللبنانيين على حدٍّ سواء من مخاطر الموت البطيء؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها