الأحد 2023/01/08

آخر تحديث: 11:48 (بيروت)

"الإكراميات" لعبور الحدود السورية: سجائر وبنّ وخبز وبنزين

الأحد 2023/01/08
"الإكراميات" لعبور الحدود السورية: سجائر وبنّ وخبز وبنزين
مع الانهيار الاقتصادي في لبنان وسوريا، لم تعد الإكراميات باهظة الثمن (الأرشيف)
increase حجم الخط decrease

منذ لحظة الوصول إلى أول نقطة حدودية سورية بعد معبر "المصنع"، تبدأ مرحلة دفع "البرطيل"، كما يسميها سائق الباص الذي يُقل ركاباً من لبنان إلى سوريا، والتي لا تتعلق بالمبالغ النقدية فقط، بل تتألف من خبز لبناني وبنّ وغالون بنزين 10 ليترات.. وبعض الليرات السورية.

يجمع سائق الباص أوراق اللبنانيين، مع 4 ربطات خبز من الكيس الضخم المتواجد قرب مقعده، و5 آلاف ليرة سورية (أي أقل من دولار واحد)، ويدخل إلى مركز ختم الجوازات السوري. يعود خلال 10 دقائق منجزاً ما يلزم لدخول البلد، ثم يتوجه إلى النقطة العسكرية الثانية، ليُظهر الأوراق مع الخبز مجدداً. لكن هذه المرة بالإضافة إلى الخبز، يمرر ليد المسؤول عن الحاجز نصف كيلو بنّ من ماركة لبنانية شهيرة.

يتكرر الأمر على أربع نقاط أمنية بعد اجتياز الحدود، إلى أن ينفذ الخبز والبنّ، ويبقى البنزين، الذي سيكون من نصيب الحاجز الخامس والأخير قبل الوصول إلى دمشق، وهو حاجز عسكري (الفرقة الرابعة) يُقال أنه متشدد، لكن ليس مع سائقي الخط بين لبنان وسوريا.

في الثمانينات، كانت سوريا أيضاً تحت الحصار. وكانت تلك الحواجز نفسها و"الإكراميات" إياها. حينها كان الموز من عدادها، والمحارم الورقية، وبالطبع علب السجائر الأميركية. وكان للضباط أحياناً هدايا فاخرة: زجاجة ويسكي مثلاً.

كان الجندي أو عسكري الجمارك السوري يفعل المستحيل من أجل فرزه إلى الحدود مع لبنان. الطريقة المضمونة لتأمين مدخول كبير يومياً.

حالياً، وكما في الثمانينات وربما أسوأ، عادت سوريا دولة محاصرة وباقتصاد شبه منهار. ومع تدني رواتب العاملين في القطاع العام، تفتح "الدولة" باب الرشى لموظفيها، لكي يتمكنوا من الاستمرار وتسيير عملها في كل المرافق العامة. ففي حال كانت الرشوى سابقاً تتم من تحت الطاولة، فهي أصبحت اليوم علنية، وبخسة الثمن في آن، أمام أعين كل الأجهزة. وهنا نتحدث عن التجربة السورية التي تبدأ من أول نقطة حدودية مع لبنان، وتمتد إلى كل المرافق.

قوننة "الإكراميات" 
لطالما عُرفت الحدود السورية مع لبنان والعاملين في أجهزتها بـ"حبّ" الحصول على الرشى لتسيير شؤون اللبنانيين والسوريين على حد سواء. فسابقاً، قبل الحرب في سوريا، كانت الرشوى عبارة عن مبالغ مالية تُوضع داخل الأوراق المطلوب ختمها على الحدود، أو "كروز" سجائر، عادة ما يكون من الماركات الأجنبية المعروفة. وكانت الأمور تحصل إلى حدّ ما ببعض الخفر. لكن اليوم مع اشتداد الأزمة ووصول راتب الموظف السوري إلى حوالى 150 ألف ليرة سورية، أي ما يوازي اليوم حوالى 23 دولاراً أميركياً، اختلف الحال. إذ تشعر وكأن السلطات الرسمية فتحت الباب أمام الموظفين للحصول على ما يسمونه "إكراميات"، من أجل تأمين متطلباتهم الشهرية والتي تبلغ حوالى 150 دولاراً.

ربع دولار
مع الانهيار الاقتصادي في لبنان وسوريا، لم تعد الإكراميات باهظة الثمن، يقول أحد اللبنانيين الذين زاروا سوريا عبر خط النقل العام بين البلدين، مشيراً في حديث لـ"المدن" إلى أن الإكراميات على الحدود أصبحت ربطة خبز، تكفي لعبور حاجز أمني. وسياسة الإكراميات تستمر خلال كل الزيارة.

في أحد القصور الأثرية يُمنع التصوير، وهذا المنع مكتوب بشكل واضح على اللوحات. يقترب حارس الغرفة من السائح، "يوشوشه" بأنه غير معني بالمنع، ويمكنه التصوير بسرعة حتى أنه يضيء له كامل المصابيح لتصبح الصورة أجمل.

هو لا "يطلب"، لكن اللبيب من الإشارة يفهم، وربع دولار هو مبلغ جيد بالنسبة إليه، وهذه الطريقة تتكرر في كل مكان سياحي، حتى في المطاعم.

نظام حياة
منذ عشرات السنين كانت "الإكراميات" نظام حياة في سوريا، لكنها ليست ثقافة شعوب بقدر ما هي تخلٍ رسمي من قبل الدولة عن تحسين ظروف حياة مواطنيها والموظفين لديها، والدليل هو أن لبنان ليس بعيداً عن هذه التجربة، لا بل يمكن القول أنه دخل فيها بشكل كامل. فالموظف الذي يتقاضى راتباً بسيطاً يفهم جيداً معنى أن يُقال له "دبّر حالك". وخلال هذه الأزمة الاقتصادية لم يعد يختلف حال اللبناني والسوري، وتحديداً الموظفين الرسميين منهم. فالكل بات يعمل حسب "الإكرامية"، تماماً مثل تلك الآلات التي تلقمها المال كي تمنحك ما تطلب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها