السبت 2023/01/28

آخر تحديث: 11:56 (بيروت)

انتكاسة الطبقة الوسطى تفرض واقعا جديدا على أسواق صيدا

السبت 2023/01/28
انتكاسة الطبقة الوسطى تفرض واقعا جديدا على أسواق صيدا
تأقلمت الطبقة الوسطى مع الأزمة فلجأت للموازنة بين خياراتها وقدرتها الشرائية (المدن)
increase حجم الخط decrease
عادت "غراند سينما" لتفتح أبوابها في صيدا، بعد إقفال طويل فرضته الأزمة الاقتصادية. افتتاح أعاد الحركة التجارية نسبيا في "صيدا مول"، دون أن يعيد لمولات صيدا عصرها الذهبي الذي عاشته قرابة عقد من الزمن.

فعاصمة الجنوب التي لطالما تميزت بأسواقها التجارية، كانت مقصدا لأهالي الجنوب والإقليم والقرى المحيطة. ودفعت كلفة الانهيار تقلصا في أسواقها، سيما تلك التي تستهدف الطبقات الوسطى كالأوتوستراد الشرقي، ليستعيد السوق التجاري ذو الطابع الشعبي اليوم شيئا من مركزيته، في انعكاس طبيعي للتغيرات الاقتصادية-الاجتماعية التي منيت بها المدينة.

"الأغنياء" يفقدون سوقهم
عاشت صيدا انتعاشاً استثمارياً على مستوى أسواقها التجارية بين الأعوام 2010-2018، فاحتوت 3 أسواق أساسية: الأوتوستراد الشرقي، والذي يستقطب الزبائن ذوي الدخل المتوسط والمرتفع. ودخلت عصر "المولات" مع "Saida Mall" و"Le Mall"، اللذان شكلا محطّ جذب لعشاق الماركات العالمية مثل Zara وBershka. والسوق التجاري في وسط المدينة، الجاذب للطبقات الشعبية والمتوسطة، من داخل صيدا وخارجها.

أول "خضة" تعرض لها السوق الصيداويّ كانت قبل الأزمة الاقتصادية بأعوام، وتحديدا عام 2012، إثر الاعتصام المفتوح للشيخ أحمد الأسير عند المسلك الشرقي للمدينة، ما انعكس تراجعا في توافد الجنوبيين لأسواقها، واستتبع بافتتاح أسواق صور والنبطية، لتخسر صيدا زبائن كانوا يوما يعتمدون على أسواقها بشكل أساسي.

ومع اعتماد تقاطع إيليا المحاذي لـ "لو مول" ساحة لاعتصامات عام 2019 جنوبا، بدأت الاستثمارات في مولات المدينة بالتراجع، فالاعتصامات تلاها أقفال طويل إثر انتشار فيروس كورونا، قبل أن يستشري الانهيار على وقع تصاعد سعر صرف الدولار، ما جعل موسم شتاء 2020 الموسم الأكثر سوءا في أسواق المدينة.

2020: عام الخيارات الصعبة
يشبّه عبد سعدي صاحب محل  Gift Sacchetto للحقائب والملابس قراره بالإقفال عام 2020 بقرار الأطباء الذين فضّلوا الهجرة في ذلك العام، على "دولرة" المعاينة الطبية، واصفا تلك المرحلة بالضبابية.

"لم أملك قلبا قويا كفاية لأبيع الناس ثيابا على تسعيرة عالية وقتها، كنا في عز الانهيار والناس تقف بالطوابير لتشتري المواد المدعومة من أرز وسكر، وكانت الثياب آخر همها".

نتيجة ارتفاع الدولار وهبوطه بشكل مستمر، كانت هناك استحالة في التسعير العادل، أسفرت عن خسائر بآلاف الدولارات للمحال الصغيرة والمتوسطة المتفرعة كمحل Sacchitto، وبملايين الدولارات لمؤسسات كبرى، لينتج عن ضرب موسم شتاء 2020، قرارات باقفال محلات عديدة في الأوتوستراد الشرقي والمولات وحتى السوق التجاري، في محاولة التجار، الحد من خساراتهم.

أما اليوم، وبعد 4 أعوام على الأزمة، يخرج السوق التجاري في وسط صيدا مستعيدا عافيته بشق الأنفس، لكن ليس هذا الحال في الأسواق الأخرى، ففي Le Mall تم الاستغناء عن طابق بأكمله، فيما الأوتوستراد الشرقي غزته المقاهي على حساب متاجر الألبسة التي تواجه تحدي دفع إيجاراتها بالفريش دولار تزامنا مع تراجع أرباحها، لتتقلص هذه الأسواق، وتتقلص تاليا، خيارات زبائنها.

خصائص "الأوتوستراد الشرقي"
"بس يمشي السوق بيمشي عالكل وبس يوقف بيوقف عالكل" يقول صاحب محل Gents محمود حجازي في حديثه لـ"المدن"، مبررا صمود محله على الأوتوستراد الشرقي، بتعافي الأسواق تدريجيا بعد 3 سنوات على الأزمة.

والأزمة على صعوبتها، لم تدفع أصحاب متاجرPellini  والكف الأبيض وغيرهم للإقفال، فالموطنون عادوا للشراء بعد انقطاع، وبالفريش دولار، لكن تبدلاً جذرياً طرأ على خياراتهم. وتقول داليا التي كانت تعتمد متجر Aviator لشراء ملابسها "كنت لأقدم على شراء قطعة بمئة دولار على دولار الـ1500، أي بـ150 ألف ليرة عندما كان راتبي 600 دولار، لكنني اليوم لن أشتري قطعة ثياب بـ5 ملايين ليرة، وراتبي لم يعد يتجاوز الـ8 ملايين ليرة!

بدوره، يعزو أحد مدراء المتاجر الكبرى في السوق التجاري، صموده على عكس محال كبرى أقفلت عند الأوتوستراد الشرقي مثل Center Point  و Aviator والمعرض الأوروبي، لأسباب عدة، أبرزها قدم السوق التجاري وكثرة الخيارات فيه ورخص البضاعة مقارنة بالأسواق الأخرى، عدا عن الإيجارات المتدنية نسبة لإيجارات المولات والأوتوستراد الشرقي.

وبالأرقام، تسعّر إيجارات السوق التجاري اليوم على أسعار صرف 12 و15 ألف ليرة، بينما باتت بالفريش دولار للمحال على الأوتوستراد الشرقي، حيث تصل كلفة المحل متوسط الحجم لقرابة  1000 دولار، هذا ويحكى عن تسعيرة جديدة مشابهة لتسعيرة ما قبل الأزمة، أي قرابة 3 آلاف دولار قريبا!

النفقات جميعها مرتفعة في محال الأوتوستراد الشرقي، من مصروف المازوت للمولدات الخاصة إلى رواتب الموظفين الأعلى من رواتب السوق التجاري، في حين أنّ رفع هامش الأرباح لتعويض النفقات لم يعد بالأمر السهل، مع تراجع القدرة الشرائية للزبائن الذين يستهدفهم هذا السوق، ما يهدد استمرارية تلك المتاجر.

في معرض تعليقه لـ"المدن" على هذا التحدي، يكشف أحد التجار عن "لجوء بعض محال الأوتوستراد الشرقي لعرض بضائع بنوعيات متنوعة، بهدف إعطاء الزبون خيارات متعددة، دون أن تفقد بضاعتهم الأساسية، مكانتها وزبائنها.

نوعية الزبون وقدرته الشرائية
ولفهم أسواق المدينة لا بدّ من فهم العقلية الشرائية لزبائنها. ويجمع التجار ممن خبروا السوق الصيداويّ لسنوات، على أن أهالي صيدا ينقسمون الى قسمين أساسيين. قسم هم القلة الميسورة، والتي تشكل نسبة 10 الى 15 % من الصيداويين، وهم بغالبيتهم يبحثون عن التميز في الإطلالة الخارجية.

هذه الفئة تتفرع منها فئتان أخرييان: فئة "ما بتملي عينها" أسواق صيدا، فتلجأ تقليديا لأسواق بيروت، وفئة تقصد محال الاوتوستراد الشرقي.
أما الفئة الثانية، وهي بغالبيتها من الطبقات الشعبية والمتوسطة، والتي غالبا ما تلجأ للسوق التجاري والأسواق المحيطة في دلاعة وساحة القدس ومحال بعينها.

العامل الاقتصادي محوري، لكن للبعد الاجتماعي تأثير كذلك. في السياق، يلفت أحد التجار في حديثه لـ"المدن" إلى عامل الاختلاط بثقافات أخرى، فأهالي صيدا "قليلو السفر" وهو ما أثّر على عدم اهتمام غالبيتهم بثقافة "البراند" و"الفايك براند"، ما يصعّب علينا كتجار في أحيان كثيرة، إقناع الزبائن أن بضاعة محالنا مرتفعة السعر لتفردها عن بضاعة السوق التجاري، وعملية الإقناع هذه، لطالما كانت عاملا حاسما في قرارهم الشراء من عدمه، فكيف بعد الأزمة!

السوق التجاري والزبائن الجدد
تعزو رانيا عودتها للتبضع بعد انقطاع لحقيقة أنه "ما في بيت ما عندو حدا برا ما بيبعتلو دولار"، بعدما اقتصر تبضعها آخر عامين على الضروريات الملحة. وهي إذ كانت تجد ضالتها في متجر Zara  في "لو مول"، استعاضت عنه بـLC Waikiki الذي افتتح مكانه.

ومع إقفال Zara "بتنا نرى فئات جديدة من الزبائن في السوق التجاري"، يقول صاحب محل Quality يوسف الترك لـ"المدن"، متحدثا عن "زبائن جدد" على السوق من مناطق مجدليون وعبرا الصيداويتين.

تأقلمت الطبقة الوسطى مع الأزمة فلجأت للموازنة بين خياراتها وقدرتها الشرائية التي أصبحت وحدها القوة الحاكمة، فيما تأقلمت أسواق المدينة مع هذه الشريحة الكبرى في المدينة، وعلى قاعدة أن "البقاء للأقوى"، كان سوق صيدا التجاري هو الأقوى بين أسواقها، لكنّ عودته لأمجاده السابقة، دونها تحديات جمة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها