أما اليوم، وبعد 4 أعوام على الأزمة، يخرج السوق التجاري في وسط صيدا مستعيدا عافيته بشق الأنفس، لكن ليس هذا الحال في الأسواق الأخرى، ففي Le Mall تم الاستغناء عن طابق بأكمله، فيما الأوتوستراد الشرقي غزته المقاهي على حساب متاجر الألبسة التي تواجه تحدي دفع إيجاراتها بالفريش دولار تزامنا مع تراجع أرباحها، لتتقلص هذه الأسواق، وتتقلص تاليا، خيارات زبائنها.
خصائص "الأوتوستراد الشرقي"
"بس يمشي السوق بيمشي عالكل وبس يوقف بيوقف عالكل" يقول صاحب محل Gents محمود حجازي في حديثه لـ"المدن"، مبررا صمود محله على الأوتوستراد الشرقي، بتعافي الأسواق تدريجيا بعد 3 سنوات على الأزمة.
والأزمة على صعوبتها، لم تدفع أصحاب متاجرPellini والكف الأبيض وغيرهم للإقفال، فالموطنون عادوا للشراء بعد انقطاع، وبالفريش دولار، لكن تبدلاً جذرياً طرأ على خياراتهم. وتقول داليا التي كانت تعتمد متجر Aviator لشراء ملابسها "كنت لأقدم على شراء قطعة بمئة دولار على دولار الـ1500، أي بـ150 ألف ليرة عندما كان راتبي 600 دولار، لكنني اليوم لن أشتري قطعة ثياب بـ5 ملايين ليرة، وراتبي لم يعد يتجاوز الـ8 ملايين ليرة!
بدوره، يعزو أحد مدراء المتاجر الكبرى في السوق التجاري، صموده على عكس محال كبرى أقفلت عند الأوتوستراد الشرقي مثل Center Point و Aviator والمعرض الأوروبي، لأسباب عدة، أبرزها قدم السوق التجاري وكثرة الخيارات فيه ورخص البضاعة مقارنة بالأسواق الأخرى، عدا عن الإيجارات المتدنية نسبة لإيجارات المولات والأوتوستراد الشرقي.
وبالأرقام، تسعّر إيجارات السوق التجاري اليوم على أسعار صرف 12 و15 ألف ليرة، بينما باتت بالفريش دولار للمحال على الأوتوستراد الشرقي، حيث تصل كلفة المحل متوسط الحجم لقرابة 1000 دولار، هذا ويحكى عن تسعيرة جديدة مشابهة لتسعيرة ما قبل الأزمة، أي قرابة 3 آلاف دولار قريبا!
النفقات جميعها مرتفعة في محال الأوتوستراد الشرقي، من مصروف المازوت للمولدات الخاصة إلى رواتب الموظفين الأعلى من رواتب السوق التجاري، في حين أنّ رفع هامش الأرباح لتعويض النفقات لم يعد بالأمر السهل، مع تراجع القدرة الشرائية للزبائن الذين يستهدفهم هذا السوق، ما يهدد استمرارية تلك المتاجر.
في معرض تعليقه لـ"المدن" على هذا التحدي، يكشف أحد التجار عن "لجوء بعض محال الأوتوستراد الشرقي لعرض بضائع بنوعيات متنوعة، بهدف إعطاء الزبون خيارات متعددة، دون أن تفقد بضاعتهم الأساسية، مكانتها وزبائنها.
نوعية الزبون وقدرته الشرائية
ولفهم أسواق المدينة لا بدّ من فهم العقلية الشرائية لزبائنها. ويجمع التجار ممن خبروا السوق الصيداويّ لسنوات، على أن أهالي صيدا ينقسمون الى قسمين أساسيين. قسم هم القلة الميسورة، والتي تشكل نسبة 10 الى 15 % من الصيداويين، وهم بغالبيتهم يبحثون عن التميز في الإطلالة الخارجية.
هذه الفئة تتفرع منها فئتان أخرييان: فئة "ما بتملي عينها" أسواق صيدا، فتلجأ تقليديا لأسواق بيروت، وفئة تقصد محال الاوتوستراد الشرقي.
أما الفئة الثانية، وهي بغالبيتها من الطبقات الشعبية والمتوسطة، والتي غالبا ما تلجأ للسوق التجاري والأسواق المحيطة في دلاعة وساحة القدس ومحال بعينها.
العامل الاقتصادي محوري، لكن للبعد الاجتماعي تأثير كذلك. في السياق، يلفت أحد التجار في حديثه لـ"المدن" إلى عامل الاختلاط بثقافات أخرى، فأهالي صيدا "قليلو السفر" وهو ما أثّر على عدم اهتمام غالبيتهم بثقافة "البراند" و"الفايك براند"، ما يصعّب علينا كتجار في أحيان كثيرة، إقناع الزبائن أن بضاعة محالنا مرتفعة السعر لتفردها عن بضاعة السوق التجاري، وعملية الإقناع هذه، لطالما كانت عاملا حاسما في قرارهم الشراء من عدمه، فكيف بعد الأزمة!
السوق التجاري والزبائن الجدد
تعزو رانيا عودتها للتبضع بعد انقطاع لحقيقة أنه "ما في بيت ما عندو حدا برا ما بيبعتلو دولار"، بعدما اقتصر تبضعها آخر عامين على الضروريات الملحة. وهي إذ كانت تجد ضالتها في متجر Zara في "لو مول"، استعاضت عنه بـLC Waikiki الذي افتتح مكانه.
ومع إقفال Zara "بتنا نرى فئات جديدة من الزبائن في السوق التجاري"، يقول صاحب محل Quality يوسف الترك لـ"المدن"، متحدثا عن "زبائن جدد" على السوق من مناطق مجدليون وعبرا الصيداويتين.
تأقلمت الطبقة الوسطى مع الأزمة فلجأت للموازنة بين خياراتها وقدرتها الشرائية التي أصبحت وحدها القوة الحاكمة، فيما تأقلمت أسواق المدينة مع هذه الشريحة الكبرى في المدينة، وعلى قاعدة أن "البقاء للأقوى"، كان سوق صيدا التجاري هو الأقوى بين أسواقها، لكنّ عودته لأمجاده السابقة، دونها تحديات جمة.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها