الأحد 2023/01/22

آخر تحديث: 12:05 (بيروت)

محاضرات الجامعة اللبنانية بمثابة دروس خصوصية

الأحد 2023/01/22
محاضرات الجامعة اللبنانية بمثابة دروس خصوصية
الصفوف في الجامعة اللبنانية تعاني اليوم من نقص حاد في عدد الحاضرين (جورج فرح)
increase حجم الخط decrease

يقارب الفصل الأول من العام 2022 -2023 على الانتهاء في كليات الجامعة اللبنانية، من دون أي تعديل على ما كان واضحًا منذ البداية. سياسة كيفما اتُفق تزيد الطين بلة، ولا تعالج أساس المشاكل التي كان من المفترض أن تعالجها، ولو بالحد الأدنى، خصوصًا في الكليات التي تفسح المجال أمام إمكانية الانتساب وليس الحضور الفعلي.

تضرب المشكلة عميقًا لتصل إلى ما قبل الانهيار الذي نشهده، بالأحرى منذ أن تم اعتماد نظام التقييم المستمر LMD من دون القدرة على الالتزام بشروطه في كل المراحل، سواء لناحية الحضور، أو الأبحاث، أو الامتحانات الجزئية. وفي السنوات الأخيرة، وخصوصًا هذه السنة، وبعد ما يقارب الشهرين على انطلاقها، الصفوف التي كانت يحضرها نسبة طلاب لا بأس بها، تعاني اليوم من نقص حاد في عدد الحاضرين، إذ لا تصل النسبة، بأحسن أحوالها، إلى ربع الطلاب المسجلين حتى اللحظة (يُمدِّد رئيس الجامعة التسجيل كل عام "في الكليات التي تسمح أنظمتها بذلك". وكأن هناك نظاماً جامعياً في الكون يسمح بأن يتسجّل الطالب قبل انتهاء الفصل الأول!). ما ينعكس في عدم قدرة الصفوف على الانتظام، وفي نقص حاد يصبح معه من الصائب والصادق القول إن ما نقدّمه كأساتذة في الجامعة اللبنانية، أصبح بمثابة دروس خصوصية للطلاب، ولا يقارب أو يشابه التعليم الجامعي، ولا حتى التعليم الثانوي، في شيء.

مشكلة أخرى تتبلور كلما اقتربنا من مرحلة "الماستر"، خصوصًا في مواد الحلقات البحثية. فهذا الطابع من المواد يهدف إلى بداية تحويل الطلاب إلى باحثين، ما يستدعي مشاركتهم وتفاعلهم واستفادتهم من التوجيهات، لا الاكتفاء بمادة نظرية في نموذج محاضرات. فكيف تستقيم روحية الحلقات التي تشكّل النسبة الأكبر من مواد الماستر بالتوازي مع استحالة تفعيل حضور الطلاب؟ ما يجعل من مواد "الحلقات البحثية" الجماعية بالكاد تدريب واحد لواحد في برنامج ثقافوي حياتي مكثّف، يشارك الطالب فيه بمحاضرتين أو ثلاثة على مدار الفصل، وقت الحاجة أو الفراغ.

فكيف يمكن أن تتعايش، في هذه الحالة، أو أن تتفعّل، الحلقات البحثية من دون وجود الطالب الذي يُفترض أن يكون هو الباحث والمناقش والمحاور؟ وكيف يمكن الاكتفاء بإجراء الأبحاث، من دون لحظ لا الحضور، ولا الامتحانات الجزئية، في نظام التقييم المستمر هذا؟

وبمقارنة سريعة بين السنة والسنة الماضية، كانت مجمل الصفوف عن بعد، خصوصًا مرحلة الماستر، تشهد كثافة في عدد الحضور مقارنًة بما نعيشه اليوم. وعلى الرغم من عدم احتساب الحضور، وعدم إجراء الجزئي، إلا أنه كان هناك ما يعوّض، وهو أن قدرة الطلاب على المتابعة كانت أوسع وأخصب، كما وأن التعليم النظري والتوجيهي كان أكثر إنتاجية، ولم يكن يمر أي صف من دون حضور، إلا فيما ندر. كذلك كانت استفادة الطلاب أكبر، لأن الطالب كان يمكنه أن يستعيد المحاضرات لأنها مسجلة، ويستفيد من النقاشات والمعلومات والملاحظات والتوجيهات، ومن التجارب التي يمر زملاؤه بها. ناهيك عن الاستفادة من مروحة الإشكالات التي ينتجها الصف والتي يمكن أن تكون أساسًا لمشروع رسالة ماستر.

فعلى الرغم من مجمل سيئاته، إلا أن التعليم عن بعد كان أقل كلفة وأكثر إفادة وانتاجية من التعليم الحضوري بالشروط التي نتصادم بها اليوم، حيث أن الأعباء المالية الناتجة عن التنقّل (خصوصًا من الأرياف والقرى البعيدة عن الفروع)، سواء بسيارة خاصة أو بالنقل العام، ونحن اليوم على اعتاب المليون ليرة لصفيحة البنزين الواحدة، بالإضافة إلى حالة فقدان الأمن والأمان التي نعيشها ويعيشها الطلاب، وفوقها نقص الكهرباء في القاعات والأبنية، والصيانة المفقودة، ناهيك عن حاجة الطلاب المستمرة للمحافظة على أشغالهم ووظائفهم.. كلها تحمّل الأستاذ والطالب أعباءً إضافية تسمع صداها في مختلف المواضع.

لا شك أن التعليم الحضوري بشروطه الطبيعية هو نظام التعليم الأفضل والأكثر إنتاجية، إلا أن استحالة الشروط الواقعية تقلب كل هذه المعادلة بمختلف مستوياتها. فهل نتكلم مثلًا على الخروقات الكثيرة التي تطال قرار التعليم الحضوري بين الأساتذة؟ أم على سياسة الحشو التي تسود شيئًا فشيئًا، بعد سماح رئاسة الجامعة اللبنانية لأساتذة التعاقد بالساعة تكثيف برامجهم في شهر ونصف كبديل عن الثلاثة أشهر، والذي يُترجَم في الحشو وفي توقيع ساعات أكثر وتعليم ساعات أقل، من دون الحاجة إلى الكلام على الغبن الذي يشعر بقية الأساتذة به؟ فهل نحافظ على أساتذة التعاقد بالضغط على أساتذة التفرغ والملاك؟ أم أن الأمر مقصود ويهدف إلى "تهشيل" ما أمكن منهم، تنفيذًا لشروط صندوق النقد الدولي؟

لقد تم اعتماد التعليم الحضوري بهدف تنفيذ شروط الهيئات المانحة، وبهدف المحافظة على الحد الأدنى من الجودة الذي تفرضه الجامعات الدولية، إلا أن الشرطين سقطا بعد الفشل في توفير أي منحة، وبعد التردي المستمر لجودة التعليم، ما يستدعي إعادة التفكير في القرارات العشوائية إن أردنا المحافظ على ما تبقى. فلعل ما نكتبه اليوم يصوّب الحال، سيما وأن الهم الأول والأساس هو استفادة الطلاب والمحافظة على الحد الأدنى، الشرطان اللذان يتناقصان شيئًا فشيئًا جرّاء القرارات العشوائية، التي تزيد استحالة الالتزام بها من قبل من اتخذها، ناهيك عن قدرته على إلزام الآخرين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها