السبت 2023/01/21

آخر تحديث: 12:10 (بيروت)

محاولات ضعيفة للنهوض بأسواق صيدا: خطة سير وسوق شعبي

السبت 2023/01/21
محاولات ضعيفة للنهوض بأسواق صيدا: خطة سير وسوق شعبي
بدات خطة سير جديدة في صيدا في محاولة لتنشيط حركة المدينة(فتات عيّاد)
increase حجم الخط decrease
 

تبدأ خطة سير جديدة في مدينة صيدا عملاً بإقتراح مبادرة "صيدا تواجه" التي تترأسها بلدية المدينة، بهدف استنهاض السوق التجاري فيها، والذي بدأ يتلمس تحسنا ملحوظا، مع جذبه فئات جديدة إثر تراجع عصر "المولات" في المدينة، كأحد أبرز تداعيات الانهيار فيها.

في السياق، يكشف أمين سر جمعية تجار صيدا محمود حجازي لـ"المدن" عن مبادرات مستقبلية لإنعاش السوق التجاري، من ضمنها تخصيص يوم في الأسبوع لـ"سوق شعبي مفتوح"، في حين أن تجار صيدا يرون بأن "المواجهة المفتوحة" مع الأزمة، لا تحلّ بنشاط موسمي بل تأتي ضمن استراتيجية كاملة للمدينة.

عوائق بالجملة

عوائق كثيرة تحول دون استرداد سوق صيدا التجاري نشاطه الكامل لعل أبرزها تراجع القدرة الشرائية للبنانيين عموما، يضاف إليها رفع الدعم عن البنزين، الذي ساهم بتراجع كبير للوافدين من الزبائن من خارج المدينة من جزين والإقليم والجنوب، إذ يفضّل جزء كبير منهم التسوق ضمن محلة سكنه، على قاعدة أن ما يوفرونه في سوق صيدا، قد يصرفونه على الوقود للوصول إليها.

أما إيجارات المحال في السوق واشتراكات المولدات، فتجبر التجار على رفع أسعار بضاعتهم لتغطية مصاريف تشغيل محالهم، ما يجعل بعض الزبائن الصيداويين يتجهون للشراء "أونلاين"، فتحول "الأونلاين" سوقا منافسا.

لكن كل هذه العوائق وغيرها تتبدد برأي تجار صيدا الذين كان لـ"المدن" تواصل معهم، "لو تم تنظيم السوق وتطويره ضمن مقاربة تعيده جاذبا للزبائن كما كان لعقود خلت".

المولدات والخسائر الكبيرة
لا تكفي لعنة التقنين القاسي لشركة كهرباء لبنان، فتضاف لعنة احتكار عدد من المولدات تغذية السوق التجاري، فارضين شروطهم على التجار، شروط تنتج عنها خسائر بعشرات الدولارات للمحال الصغيرة يوميا، وبالآف الدولارات للمؤسسات التجارية الكبرى.

في السياق، يلفت التاجر بلال قصب، مالك "قصب أوبتيك" في السوق، الى أنه يضطر لإقفال محله يوميا عند إطفاء المولد، شأنه شأن بقية المحال، فتحديد المولدات لساعات التغذية من التاسعة صباحا حتى الخامسة والنصف مساء، يفرض عليه دوام عمل على قاعدة أن "حاكمك ظالمك".

وما يزيد الطين بلّة هو أنّ هذا التقنين محصور بسوق صيدا التجاري، ما يجعل الزبائن الذين ينهون أعمالهم مساء، يذهبون لأسواق مجاورة مثل حمود ودلاعة، ليخسر السوق التجاري -المغلق قسرا- زبائن محتملين تربحهم أسواق أخرى.

وجميع حملات وزارة الاقتصاد وتحركات بعض الأحزاب في المدينة، لم تفلح في إقناع أصحاب مولدات هذا السوق بتركيب عدادات، ليدفع صاحب المتجر فاتورة "مقطوعة" قرابة 200 دولار في الشهر كلفة إنارة للمحل في الشتاء، وهي برأي التجار، كلفة باهظة وغير منطقية.

ماشي؟...مش ماشي
منذ تحويل سوق صيدا سوقاً للمشاة عام 2015، والإلقاء باللائمة على هذا المشروع مستمر من قبل عدد لا يستهان به من تجار السوق، الذين يحمّلونه مسؤولية تراجع مبيعاتهم نتيجة منع دخول سيارات الزبائن إلى السوق، بينما يحمّل الأعضاء المتبنون للمشروع في جمعية تجار صيدا، التجار المعترضين، مسؤولية عدم نجاح الرؤية. والمحصلة، فوضى في التطبيق، فالسيارات اليوم تمر في شارع واحد في السوق، من دون غيره!

الاعتراض لم يكن حول الرؤية وحسب، فمصادر التجار المعترضين على المشروع تشكك في حديثها للمدن بخلفيته، غامزة من قناة "صفقات وتلزيمات وقطب خفية وراء تبليط البنى التحتية"، مستشهدة بـ"سوء نوعية البلاط وغياب الصيانة الدورية". من جهتها، ترد مصادر في البلدية، معتبرة أن "العائق في التمويل، بعد الأزمة، انعكس سلبا على جميع المشاريع في المدينة.

وينتقد التاجر ناجي درزي تطبيق الخطة وليس الخطة بذاتها، فالخطة تفتقد لعوامل النجاح برأيه، والسوق بحاجة لتطوير يجعله مؤهلا للتحول سوقا للمشاة.

درزي سبق أن تقدم باقتراحات عدة للبلدية لتطوير السوق. ويعطي أمثلة عن فتح سينما فيه وعدد من المقاهي، فهذه الاستثمارات تجذب الزبائن للسوق من جهة، وتؤمّن للمشاة فيه الراحة والرفاهية من جهة أخرى، وهذا المستوى من الرفاهية، غير متوفر في السوق اليوم.

محسوبيات سياسية
اللون السياسي الغالب على جمعية تجار صيدا، كان له أثر سلبي على سياساتها بحسب التجار الممتعضين من عملها في السوق "فالطابع السياسي غالبا ما يدخل في قراراتها، عدا عن الكيدية السياسية تجاه تجار غير محسوبين سياسيا عليها، وتغطيتها لمخالفات تجار آخرين وبعض العربات المحظية المضاربة على محالنا".

يدرك المنتقدون ان حماس الجهات المانحة لتمويل المشاريع تراجع مع الأزمة الاقتصادية نتيجة فقدان الثقة بالسلطات المحلية، لكنهم يقرون بأن الجمعية والبلدية تعملان، لكن المشكلة تكمن برأيهم، بـ"أسلوب" العمل.

وفي حين تترأس بلدية صيدا مبادرة "صيدا تواجه" التي من المفترض أن تحتضن كافة أفرقاء المدينة بهدف "توحيد الرؤية على المشاريع فيها"،  يسأل أحد التجار "من تواجه صيدا؟... ناسها؟"، شاكيا "عدم قبول اقتراحاتنا من قبل رئيس جمعية تجار صيدا المشاركة بالمبادرة"، بينما النكايات السياسية أفضت الى استبعاد المرشحة السابقة للانتخابات النيابية، المهندسة هانية الزعتري عن فعاليات مبادرة "صيدا تواجه"، في دلالة على عدم الانفتاح على جميع مكونات المدينة.

من جهتها، توافق الزعتري على أن أسلوب العمل في المدينة هو المشكلة. لافتة الى أن "الناس سئمت من أسلوب العمل القديم، سيما بعد انكشاف تداعياته على مستوى الفساد والانهيار الحاصل". وتؤكد انها" مستعدة  اليوم للانخراط بالعمل السياسي والإنمائي أكثر من أي وقت مضى، لضمان إعادة الأمور إلى نصابها.

أبعد من السوق التجاري
يعتبر السوق التجاري بوابة لمدينة صيدا القديمة وأسواقها مثل سوق الشاكرية وخان الافرنج وقصر دبانة وصولا للواجهة البحرية. من هنا، يكتسب تطويره أهمية سياحية وتجارية في آن، فهو أول مدماك لإعادة صيدا، لمكانتها السياحية، وهنا يتعاظم دور البلدية.

في السياق، يلفت عضو بلدية صيدا، المهندس مصطفى حجازي إلى "تنسيقنا الدائم فيما خص السوق التجاري مع جمعية تجار صيدا، غامزا من قناة خطة السير الجديدة التي بدأناها اليوم واعتماد موقف موحد للفانات في المدينة.

أما أمنيا، فنحن على تنسيق دائم مع القوى الأمنية لضمان أمن السوق، لكن يبقى شح التمويل حائلا دون إنجاز مشاريع جديدة او صيانة مشاريع قائمة، كالإنارة".

وعن تطوير صيدا القديمة، يلفت الى "توأمة بين بلديتي صيدا وبرشلونة" من ضمن مشروع مدن البحر المتوسط medcities نتج عنها تبادل رؤية وخبرات. ومنذ العام 2011، بدأنا بوضع استراتيجية لتطوير المدينة، تأخذ بعين الاعتبار، ذاكرتها التاريخية والأثرية ومكانتها السياحية.

والمشروع الأساسي الذي نتج عن الرؤية، كان ميناء الصيادين Man Fisher Port  بميزانية تقدر بـ10 ملايين يورو، لكنّ الانهيار عام 2019، كان عائقا في رصدها.

وينطلق المشروع من دراسة أجريت للشاطئ البحري الممتد من المدينة الرياضية وصولا للقلعة البحرية، قوامه مرفأ للصيادين، ويضم سنسولين بحريين، مشغّلا لصناعة القوارب، مبنى لإدارة المنشأة، مبنى لسوق السمك، أماكن مخصصة لحاويات الصيادين، مطاعم وممرات مشاة، وأمكنة للعامة لا تحجب البحر... ودوما ضمن استراتيجية الاتصال مع المدينة القديمة في توسعة كاملة للمرفأ كواجهة بحرية، ليصبح مخصصا للصيادين والسياحة بعد نقل المرفأ التجاري منه.

هذا المشروع الحلم. أما على ارض الواقع، فتمّ هدم مبنى الصيادين القديم واستحدث مبنى جديد، بتمويل من الـUNDP، كمشروع صغير منفصل، ريثما يلقى المشروع الكبير، تمويلا له.

تعلق الزعتري على مشروع ميناء الصيادين لافتة الى ان البلدية "لم تطلعنا على جميع الخرائط، ونحن مع تعديله لا إلغائه، رفضا لردم البحر باستحداث السنسول، فصيدا القديمة منطقة أثرية، نرفض تشويهها والمساس بجغرافيتها". وتختم "ليسألوا أهالي صيدا أي صيدا يريدون، هل يريدونها سياحية؟ أم صناعية؟ وضمن أي مقاربة؟"، داعية البلدية لفتح هذا النقاش في المدينة ومشاركة السكان مشاريعها، عوض إسقاطها عليهم.

مع تاريخ يعود لنحو 6 آلاف عام من الحضارة، وأكثر من 40 معلما تراثيا، تحوي صيدا كل مقومات المدينة السياحية الأثرية التاريخية. فمدينة الصيادين مرت عليها العصور الفينيقية المملوكية والعثمانية، ومرت بازدهار وانحسار، لكن لم يمرعليها فترة همّشت تاريخها مثل حاضرها اليوم، وجعلتها مدينة منسية على شاطئ البحر المتوسط، لولا مقوماتها التاريخية، وصمود أهلها، ومواجهتهم، لأزمة اقتصادية، سياسية الجذور.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها