الخميس 2023/01/12

آخر تحديث: 11:13 (بيروت)

الجيل الضائع: تلاميذ المدارس الرسمية هم أيضاً ضحايا كأساتذتهم

الخميس 2023/01/12
الجيل الضائع: تلاميذ المدارس الرسمية هم أيضاً ضحايا كأساتذتهم
التلاميذ يدفعون ثمن الصراع بين الأساتذة والسلطة (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease

لا تقتصر تداعيات الواقع المعيشي المتردي لأساتذة التعليم الرسمي، على فئاتهم التي نفذت سلسلة تحركات احتجاجية ومطلبية بمختلف مناطق لبنان، بالتزامن مع إضرابهم المستمر لليوم الثالث على التوالي. بل تخلّف هذه الأزمة ضغوطاً متزايدة على تلاميذ هذه المدارس، الذين يشكّلون الفئة الأكثر تهميشاً في المجتمع اللبناني، لتزيد من منسوب القلق الذي يعيشه ذووهم على مستقبلهم عموماً. خصوصاً أنها ليست السنة الدراسية الوحيدة التي يعاني فيها تلاميذ المدارس الرسمية من الانقطاع المتواصل عن مقاعد الدراسة، بل تبدو المسألة ككابوس مستمر منذ انتشار جائحة كورونا وما فرضته من إقفال قسري للمدارس، وحتى يومنا هذا.

ثمن الصراع
وعليه تسود في أوساط تلاميذ هذه المدارس الرسمية مشاعر متناقضة حيال التحركات المطلبية لأساتذتهم. فمن جهة هم يعتبرون أن من حق الأستاذ أن ينال كل الحقوق التي تسمح له بأن يكمل حياته بكرامة، ومن ناحية ثانية هم يخشون من أن يدفعوا ثمن الصراع المستمر بينهم وبين المعنيين بالسلطة، وتكون سنتهم الدراسية ضحية المشكلة القائمة على الحقوق وأفقها المسدودة حتى الآن.

منذ ثلاث سنوات إذاً يعيش تلاميذ المدارس الرسمية وذووهم القهر على الواقع الذي بلغه واقعهم الدراسي، والذي جعل الكثيرين يفقدون الثقة بالتعليم الرسمي لينزحوا إلى المدارس الخاصة. إلا أن هذه المدرسة بقيت الملجأ الوحيد بالنسبة للطبقات المسحوقة وطموحات أبنائها بالمستقبل. هؤلاء تحديداً يعلمون ما معنى أن يجتهد أحدهم في عمل ليكافأ براتب قد لا يكفيه أحياناً للوصول إلى وظيفته. ومن هنا تجدهم مؤيدين تماماً لتحركات الأساتذة، ويصرون على وجوب أن تعطى لهم حقوقهم بما يتناسب مع الجهد الذي يبذلونه، ولكنهم يتخوفون من أن يطول تعنّت المسؤولين إلى حد ضياع سنتهم.

ألم الأهل
ليا ويارا وجو، هم عينة عن هؤلاء التلاميذ المجتهدين الذين يعيشون هذا القلق على مستقبلهم الدراسي، ولكل منهم طموح يؤمن بإمكانية بلوغه عبر المدرسة الرسمية، مع تخطي النظرة الدونية للشهادات التي تمنحها هذه المدرسة.

يريد جو كيوان أن يكمل دراسته في هندسة الطيران. ولذلك باشر منذ بداية سنته الدراسية الأخيرة بتقديم الطلبات في جامعات الولايات المتحدة، معوّلا على منحة دراسية تؤمنها له أي جهة، خصوصاً أنه تلميذ مجتهد.

قبل سنتين كان جو مع شقيقه شربل تلميذين متفوقين أيضاً في مدرسة خاصة، إلا أن تدهور أحوال عائلتهما المالية دفع بهما إلى المدرسة الرسمية.

تتألم والدة جو سونيا كيوان كثيراً كما تقول،عندما ترى رفاق ولديها في مدرستهما الخاصة سابقاً، يتابعون دراستهم بشكل طبيعي، بينما علّق مصيرهما على مصير البلد ومؤسساته الرسمية المشلولة منذ سنوات. وتقول "نحن نشعر أننا نظلم أولادنا، ففي وقت علينا تأمين رعايتهم التامة حتى يصبحوا شباباً قادرين على الاعتماد على أنفسهم، نحمّلهم معنا الآن هم تعليمهم، ليس لتكاسلنا، إنما لكوننا نُهبنا ودُمرنا في هذا البلد". وتضيف "جو وشربل مجتهدان، وأنا أؤمن بقدراتهما، وقد تأقلما مع واقع المدرسة الرسمية، وهما مصران على بلوغ طموحاتهما، علماً أن هذا الجيل كله يرغب بالدراسة. ولكن لماذا يجب أن يكون ذلك بالصعوبة التي يواجهونها مع كل تلاميذ المدرسة الرسمية، وفي أبسط الحقوق التي يجب أن تتوفر لكل الأولاد".

عطلة مديدة.. ولا تعليم
يشعر جو في المقابل بملل جراء تمدد عطلة الأعياد المستمرة منذ أكثر من أسبوعين إلى الأسبوع الجاري. وعليه يحاول أن يملأ أوقاته مع رفاقه بالتعلم الفردي. برأيه أن "استمرار إضراب الأساتذة قد يحرمه مع رفاقه من متابعة المنهج الموضوع لعامه الدراسي الأخير قبل الالتحاق بالامتحانات الرسمية. ولكن في الوقت نفسه كما يقول جو "لا يمكن إلا أن نفكر بالأساتذة وأحوالهم، هم يتعبون كثيراً ولا يجوز أن يعمل أحدهم ولا يتلقى حقوقه الموازية لتعبه". ولذلك يجب أن يستجيب المعنيون مع طلبات الأساتذة الذين -انطلاقاً من تجربته- "لا يقلّون كفاءة عن أساتذة التعليم الخاص". ليشير في المقابل إلى أنه ليس نادماً على انتقاله إلى المدرسة الرسمية، إلا بسبب التعطيل المستمر نتيجة لحرمان هؤلاء حقوقهم.

ليا كلاس، في المقابل، تبدو أكثر قلقاً على سنتها الدراسية التي تعتبرها مرحلة تحضيرية للامتحانات الرسمية في السنة المقبلة. وتتخوف من أن لا تتلقى المنهج كاملاً هذا العام أيضاً، مما يسيء إلى المستوى التعليمي في المدرسة الرسمية، التي تعتبر نسبة النجاح فيها مرتفعة حتى الآن، وبالتالي يقلل من حظوظ تلاميذها ببلوغ طموحاتهم. علماً أن ليا راغبة بأن تصبح طبيبة.

وهو القلق الذي تتشاركه ليا مع يارا حدسيتي، التي تذكر بأن المدرسة الرسمية أطلقت الكثير من الأطباء والمهندسين والقضاة والأساتذة وحتى رجال الدولة الناجحين في لبنان. وهي بالتالي تخشى بأن يكون جيلها الأقل حظاً بين أجيال المدرسة الرسمية السابقة، في بلوغ طموحاته. وتخاف من أن لا يتحقق حلمها بأن تصبح محامية في المستقبل.

درس نضالي
جو وليا ويارا هم مجرد عينة عن النخبة الواعدة "التي ينتجها الأساتذة"، كما حددت الأستاذة غادة حرب عنوان وظيفتها. مضيفة "نحن لا نتعامل مع أوراق وحسابات. بل مع إنسان لكل منه خلفيات اجتماعية وانسانية مختلفة، وبالتالي نحن ندفع الثمن مقابل تنشئة الأجيال من صحتنا". وبرأيها "أنه من حق التلاميذ وأهلهم أن يقلقوا على مستقبلهم، ولكن يجب أن يعلم هؤلاء أننا بتحركاتنا المطلبية اليوم نمهّد الطريق ليكون لهم مستقبل أفضل في هذا البلد. وهذا أيضاً درس للتلاميذ في النضال من أجل حقوقهم. لأن الحقوق لا تأتي ولا مرة على طبق من فضة".

فهل يأخذ المعنيون الذين يتشاطرون على حقوق الأساتذة هذه الحقيقة بالاعتبار عند نقاشهم في مطالباتهم تحسين أوضاعهم الحياتية. فيضعون ضمن الحسابات مستقبل آلاف الطلاب الذين لا يلومون أساتذتهم على تحركاتهم، بل يصرون معهم على عدم تحويل المدرسة الرسمية مجرد "زريبة" تمنع تشردهم في الشوارع، فقط لأنهم فقراء.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها