الخميس 2022/09/01

آخر تحديث: 14:36 (بيروت)

وأد "فتنة" على أبواب زحلة وشركة كهربائها

الخميس 2022/09/01
وأد "فتنة" على أبواب زحلة وشركة كهربائها
مولدات شركة كهرباء زحلة (المدن)
increase حجم الخط decrease
اشتعلت الساحة على أبواب مدينة زحلة ليل أمس الأربعاء، بمحيط مركز تجمع المولدات التابعة لشركة كهرباء زحلة، في نقطة فاصلة بين المدينة وبلدة سعدنايل تحديداً.

قطع للأوتوستراد الذي يربط شرايين المنطقة عند مفرق ممتلكات الشركة، صراخ وتنديد وشتائم، وصولاً إلى رشق مولدات الشركة بالحجارة، والاعتداء على عمالها، وإطلاق للنيران بالهواء. وكل ذلك على خلفية قطع الكهرباء عن حارة أبو جبل في حي العمرية -وهو حي في بلدة سعدنايل تقطنه عائلات من العشائر العربية المجنسة منذ سنوات- بعدما امتنع جزء من أبناء العشائر عن تسديد الفواتير منذ أشهر طويلة.

فواتير وفوضى
يقول الأهالي أن امتناعهم عن تسديد الفواتير جاء اعتراضاً على قيمتها المرتفعة، والتي لا يملك غالبيتهم إمكانيات تسديدها. وهم وفقاً لرواياتهم تواصلوا مع شركة كهرباء زحلة للتقليل من قيمتها، من دون أن يتوصلوا إلى نتيجة. وكان يفترض أن يعقدوا لقاءً آخر مع مسؤولي الشركة صباح الأربعاء ولكنه لم يحصل. وهذا ما جعل الأهالي يخرجون عن طورهم، ليعبروا عن غضبهم أمام منشآت الشركة، خصوصاً بعد أن فرضت عليهم العتمة منذ أكثر من 48 ساعة.

إلا أن مصادر في الشركة تقول أن قطع الكهرباء عن الحي جاء استجابة لاقتراح قُدّم باسم القاطنين فيه، يقضي بوقف تغذية المولدات التي لا يقدرون على تكاليفها، والاكتفاء بتأمين ما توفره مؤسسة كهرباء لبنان.. إلى أن اكتشفوا أن تغذية المؤسسة للمنطقة تكاد تكون معدومة.

وتحدثت مصادر أيضاً عن ارتفاع في استهلاك بعض العائلات للكهرباء، منذ امتنعت عن تسديد الفواتير. وهو ما يمكن أن يتسبب بحالة فوضى شبيهة لما يجري في مؤسسة كهرباء لبنان، إذا ما تم التغاضي عنه. ومن هنا، كان على الشركة  اللجوء إلى الحل الموجع، خصوصاً أنها لا يمكن أن تحمل أبناء القرى التي تدفع فواتيرها بانتظام، مسؤولية من يمتنعون عن تسديدها.

لا خدمة مجانية
إذاً هو تدبير منطقي لجأت إليه شركة كهرباء زحلة "الخاصة". فبمقابل أي خدمة يحصل عليها المواطن هناك متوجبات مالية موازية. وهذا برأيهم ما كان يجب أن يكون مطبقاً على مستوى كل الخدمات التي تقدمها الدولة في الأساس. بدلاً من الإذعان لبلطجات أفراد وجماعات، بقيت تستفيد من خدمات لا تسدد ثمنها، حتى انتهى الأمر انهياراً للمؤسسات وحرماناً شاملاً للبنانيين من حقوقهم الأساسية بالمياه والكهرباء وغيرها من الخدمات.

ومن هنا، كان طبيعياً أن لا تجد صرخة أهالي حي أبو جبل تعاطفاً من سائر أبناء زحلة وقرى قضائها، الذي يشكون مثلهم مثل أبناء تلك العشائر من ارتفاع فواتير الكهرباء. حتى لو كانت فئة القاطنين في حي أبو جبل هي الأكثر ضعفاً وتهميشاً، فإن مكلفي شركة كهرباء زحلة أغنياء وفقراء يتساوون بنكبة الفواتير الشهرية المتعاظمة، كل وفقاً لكمية استهلاكه.

ومع ذلك، فإن معظم المستفيدين من خدمات شركة كهرباء زحلة يسددون فواتيرهم فوراً، ليس فقط من منطلق ثقافة مواطنة تشيد بها شركة كهرباء زحلة ومديرها العام بكل مناسبة، وإنما أيضاً خوفاً من عقاب قطع الكهرباء إذا لم يسددوا فواتيرهم، وخصوصاً بظل عجز مؤسسات الدولة عن توفير حقوق مواطنيها. وأيضاً من مبدأ القلق المستمر على نموذج شركة كهرباء زحلة، التي استطاعت لفترة من الفترات أن تثبت جدارة في إدارة القطاع، على نحو لا يزال الكثيرون يطمحون لاستعادة أيام العز بتغذيتها المتواصلة، وإنما مع إعادة النظر بمصادر إنتاجها، التي تتسبب حالياً بعدم استقرار الفواتير وتصاعدها شهرياً. وكذلك من منطلق الخوف من المجهول الذي سيحكم قطاع الكهرباء في هذه المنطقة، إذا ما تم التخلي عن هذا النموذج المتوفر في شركة كهرباء زحلة.

التخلي عن المعترضين
وإنطلاقاً من هذه المعطيات، بدا طبيعياً أن لا تجد صرخة أهالي حي أبو جبل أي صدى لها في القرى المجاورة، ولا حتى في بلدة سعدنايل. مع أن المعترضين لا يتشاركون فقط النطاق الجغرافي للبلدة، وإنما هم من توجهات سياسية وطائفية متجانسة، والأهم أن معاناتهم واحدة في القلة والفقر اللذين يحولان دون تسديد بعض أهالي البلدة أيضاً لفواتيرهم.

مع ذلك، وجد "المنتفضون على الشركة" أن قطع الكهرباء عن حي "المجنسين العرب" فقط دون المتخلفين من باقي أهالي سعدنايل، هو مشروع فتنة! لتلوح في الأفق نزعات لفرز طبقي وعنصري بين أبناء البلدة الواحدة وحتى الملة الواحدة، على خلفية أي أزمة قد تولد في هذه المجتمعات.

والمقلق في الصورة، أنه على رغم تشارك هذه المجتمعات معاناة فاتورة الكهرباء، كان من السهل إشاحة النظر عن وجعهم، من خلال خلق عصبيات داخلية بين المواطنين، غالباً ما تهدر الحقوق وتجعل مغتصبها ينجو من الحساب.

حزب الله يتسلل
وهكذا بقيت ساحة المواجهة مع ارتفاع فاتورة الكهرباء من دون غطاء سياسي أو طائفي، إلى حد التضحية بمن افتعلها ليصبح أمثولة تروض الآخرين وتدجنهم. 

ردود فعل النواب الشاجبة لما فعله بعض أبناء العشائر، التي لقيت ترحيباً مجتمعياً، مؤشر على ذلك. وقد تكتلت كلها لدعم شركة كهرباء زحلة مع اعترافها بارتفاع سعر الفواتير على نحو لا يطاق. فيما نشطت وسائل التواصل الاجتماعي -كل بحسب خلفيات مشغليها- في نقل الحدث بما يخدم هذه الخلفيات.

هذا في وقت وجد نائبا حزب الله ينال الصلح  ورامي أبو حمدان مسارب للتسلل إلى هذه المجتمعات لفض التجمعات بوجه شركة كهرباء زحلة مع حفظ حقوقها. علماً أن المعترضين شكلوا سابقاً خزاناً بشرياً لتيار المستقبل الغائب عن الساحة السياسية منذ فترة.

المناقصة وغياب الشفافية
والخطورة في كل ما ذكر، يكمن في تزامن الأجواء السلبية المحيطة بشركة كهرباء زحلة مع "طيران" المناقصة التي كان يعول عليها لتأمين الشفافية في الأرقام وتخفيض الفواتير (راجع "المدن"). في وقت يتوقع أن يستغرق إعداد دفتر شروط لمناقصة جديدة وقتاً يتجاوز آخر مهلة لانتهاء ولاية الإدارة الحالية في نهاية العام. وهو ما يشكل ذريعة لإبقاء الحال على ما هو عليه، بذريعة الاستمرار بتسيير المرفق. وفي ظل عجز الدولة المستمر عن توفير الكهرباء من مصادرها الرسمية، فلا حلول قريبة تلوح لمشكلة غلاء المازوت الذي يؤدي إلى ارتفاع أسعار الكهرباء من مصادرها الخاصة. وهذا ما يضع المواطن في زحلة و16 قرية تحت رحمة مولدات شركة كهرباء زحلة، من دون أن يكون هناك شروط تلزمها البحث عن مصادر بديلة  وأقل كلفة للإنتاج، طالما أنها تعمل حالياً بشكل مؤقت وغير ثابت. وهذا ما يعطيها فسحة أكبر لاستهلاك مولداتها حتى آخر نفس، وكل ذلك على حساب المواطن أولاً. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها