الثلاثاء 2022/08/02

آخر تحديث: 21:16 (بيروت)

لقاء هندسي علمي للحفاظ عليها: السلطة تريد الإهراءات غباراً..

الثلاثاء 2022/08/02
لقاء هندسي علمي للحفاظ عليها: السلطة تريد الإهراءات غباراً..
الدولة اللبنانية تنصلت من مسؤولياتها (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
حمّل نقيب المهندسين في بيروت، عارف ياسين، الدولة اللبنانية والسلطات الرسمية المسؤولية في انهيار الجزء الشمالي من صوامع القمح (الإهراءات) يوم الأحد الماضي. مشيراً إلى أنها لم تضع أي تدابير لحماية الصوامع وتدعيمها، إضافة إلى عدم نقل وتفريغ الحبوب الموجودة فيها بشكل كاملٍ.

كلام ياسين أتى بمؤتمر صحافي شاركت فيه أيضاً النائبة نجاة صليبا، إلى جانب البروفيسور في جامعة بيروت العربية يحيى تمساح وعميد كلية الهندسة في جامعة القديس يوسف وسيم رفايل، بهدف عرض الحقائق العلمية حول وضع الإهراءات ووضعها برسم الرأي العام المحلي والدولي. وذلك قبل يومين من إحياء لبنان الذكرى السنوية الثانية لإنفجار 4 آب 2020 الذي دمر مرفأ بيروت وأنحاء واسعة من العاصمة.

الدولة مسؤولة
وأكد ياسين أن السبب الرئيسي في انهيار الإهراءات يعود للحرائق المستمرة منذ أكثر من ثلاثة أسابيع فيها. فالجزء الشمالي منها لم يتعدَّ ميلانه قبل الحرائق 2 ملم كل 24 ساعة، فيما لوحظ بعد الحرائق بساعات بات ميلان الصوامع 6 ملم بالساعة الواحدة، ما جعلها آيلة للسقوط. وارتفع هذا الرقم حتى وصل إلى 8.4 ملم يوم الأحد. وهنا تكمن الخطورة في انهيار باقي أجزاء الإهراءات تدريجياً. لافتاً إلى أنها لن تنهار دفعة واحدة كما انتشر على وسائل الإعلام، إنما سيأتي هذا الانهيار على دفعات وأجزاء. ولا يمكن لأي أحد التنبؤ بلحظة الانهيار، إذ من الممكن أن يحدث بعد ساعات أو أيام أو أسابيع او حتى أشهر.

كما شدّد على ضرورة الاحتفاظ بالصوامع وتدعيمها والابتعاد عن فكرة هدمها، فهي تعتبر من جهة تراث معماري جديد، ومن جهة أخرى اكتسبت قيمة إضافية، إذ تحمل ذاكرة حدث مأساوي للبنان. وهي جزء من ذاكرة المدينة، ولها دور رمزي وثقافي كشاهد صامت على الحدث. ولن يضاهي رمزيتها أي نصب تذكاري آخر.

الأسباب العلمية لاحتراق الحبوب
وبدورها شرحت النائبة نجاة صليبا بطريقة علمية أسباب احتراق الحبوب في الصوامع، مؤكدةً أن تعرض هذه الحبوب لأشعة الشمس والرطوبة أدى إلى تخمرها ثم تحمصها، ومن ثم اختلاطها بالزيوت، ما أدى إلى اشتعالها. وهذا أدى إلى بعض الانبعاثات والغازات المتنوعة ومنها "co2 وco وnox".  وهي غازات تتبعثر سريعاً في الهواء، لافتةً إلى أن الفطريات تتطاير مع الغبار وليست وحدها. وقد طلبت من لجنة الكوارث حضور الدفاع المدني ووحدات من الجيش اللبناني لرش العنابر بالمياه لحظة انهيارها حتى لا يتبعثر الغبار في المدينة ويؤذي المواطنين. مؤكدةً أن الجهات المعنية لبت مطالبها فور سقوط الإهراءات.

وفي 24 تشرين الأول 2020 قدمت صليبا ، إلى وزير الاقتصاد السابق راؤول نعمة عريضة تحمل تواقيع 2000 شخص، وطلبت منه خطة واضحة وشاملة حول موضوع تفريغ القمح، ولم تحصل على جواب. وأعادت التواصل مع الوزارة في تغريدة على تويتر عام 2021 لمعرفة الخطة المتبعة لتفريغ القمح من الإهراءات فرد عليها الوزير ناصر ياسين، الذي أكد لها أن لجنة الكوارث تتابع الموضوع إلى جانب لجنة تقنية. ولم تلق بعدها أي رد أو توضيح. وختمت قائلة إن الدولة اللبنانية كانت قادرة على تفادي الحريق وعدم الوصول إلى ما وصلنا إليه يوم الأحد الماضي، وذلك عن طريق الاكتفاء بتفريغ الإهراءات. واليوم أمام الدولة فرصة تنظيف الجهة الجنوبية من الإهراءات لحمايتها من أي حريق من الممكن أن ينتج جراء تحمص حبوب القمح إزاء تعرضها للشمس والرطوبة والمطر.

دراسات تقنية وحلول
البروفيسور وسيم رفايل عرض دراسته ومتابعته المستمرة للإهراءات منذ عام 2020 حتى اليوم بالتعاون مع الخبير الفرنسي مانيول بيرون. ورصدا على مدى عامين متواصلين الأضرار التي نجمت عن الانفجار في الإهراءات على خمسة مراحل بآلات متطورة جداً ودقيقة، واستنتجا فيها أن القسم الشمالي يعاني من أضرار كبيرة ما أدى إلى ميلانه فيما القسم الجنوبي ثابت ولم يتحرك أبداً. وبالاستعانة بالتقنيات الحديثة تبين أن نسبة الضرر كانت كبيرة في القسم الشمالي بسبب قوة العصف ما أدى إلى تحرك هذا القسم مرتين معاكستين عام 2021.

وتشكلت لجنة تقنية بالتعاون مع خبراء من خارج لبنان، قامت بإحداث فتحات أعلى بعض الصوامع، ولكنها لم تستطع تفريغ كامل الصوامع بسبب صعوبة الوصول إليها وبسبب خطورة الاقتراب من البعض منها. ولفت إلى أن الجيش اللبناني تدخل لأكثر من 50 مرة لإطفاء الحريق من دون نتيجة، وذلك بسبب حاجته إلى معدات حديثة غير متوفرة في لبنان. ولكن يبقى الحل الأنسب والوحيد هو التبريد المستمر الذي يجب أن لا يتوقف حتى تشرين المقبل، وذلك للتأكد من عدم اشتعال الصوامع عن جديد.

وعرض البروفسور يحيى تمساح دراسته التي قسمها إلى ثلاثة أقسام في مراحل زمنية مختلفة. المرحلة الأولى لمعرفة تبعات الانفجار، والمرحلة الثانية لمعرفة اتزان أجزاء الإهراءات، والأخيرة لدراسة تقوية الأجزاء التي يجب المحافظة عليها. وتبين من خلال دراسته أن الإهراءات لم تحم مدينة بيروت كما قيل سابقاً. ودليلاً على ذلك هي الصور الحرارية للمباني الموجودة خلف الاهراءات التي تعرضت للدمار الشامل. أما هدف المرحلة الثانية فكان تحديد مقدار الضرر الإنشائي تمهيداً لعمل تدعيم الصوامع بالمجموعتين الشمالية والجنوبية. ولفت إلى أنهم توقعوا سابقاً انهيار الصوامع بسبب عدم تدخل الدولة في إطفاء الحرائق بطرق فعالة، ما أدى إلى تضرر أساسات المنشأة. أما النظام الأسهل والأنسب والأقل تكلفة لتدعيم الأجزاء الجنوبية والحفاظ عليها فهو نظام "القميص الداخلي". أي تركيب داخلي من الباطون المسلح للإمساك بالصوامع الخارجية ومنعها من التعرض للتأثيرات الخارجية، ولكنه ليس الحل الوحيد إلا أنه الأسهل تنفيذاً في الوقت الحالي، ويؤدي للنتيجة المطلوبة.

نصب تذكاري
وفي حديث "المدن" مع النائبة نجاة صليبا أكدت أنها استناداً إلى مسؤوليتها ستتابع هذه القضية في البرلمان اللبناني، ولن تتخلى عنها أبداً، وستتعاون مع باقي النواب لحل هذه المشكلة. وستقدم قانوناً معجلاً مكرراً لاتخاذ كل الإجراءات لحماية الأجزاء الجنوبية من الإهراءات. وشاركت خلال المؤتمر الصحافي في التوقيع على عريضة ستقدمها لمجلس النواب تطلب فيها الموافقة على تحويل الصوامع إلى نصب تذكاري تخليداً لأرواح الشهداء والضحايا.

كما حضر النائب ملحم خلف المؤتمر الصحافي وطلب من الخبراء والمهندسين إعطاءه كل الدراسات الدقيقة ومتابعة موضوع الإهراءات كي يتم العمل للحفاظ على الصوامع المتبقية وتدعيمها.

تلكؤ الدولة المستمر
وأوضح نقيب المهندسين عارف ياسين لـ"المدن"، أن الدولة اللبنانية تنصلت من مسؤولياتها. مؤكداً أنها لو تابعت القضية بالجدية المطلوبة لما وصلنا اليوم إلى هنا، لافتاً أنه من غير المنطقي عدم وجود أي طريقة لإطفاء الحريق المندلع منذ أسابيع، إذ كان بإمكانهم إيجاد أي وسيلة لتفادي الكارثة. فهناك وسائل عدة للسيطرة على النيران ولا تنحصر برش المياه فقط. واختتم قائلاً أن النقابة حاولت باستمرار التواصل مع الجهات المعنية لمعالجة الموضوع وحله ولكنها لم تلق أي جواب.    

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها