الأحد 2022/08/14

آخر تحديث: 12:18 (بيروت)

الظلام والحرُّ يحاصران متاجرَ الضاحية والحمراء: بيع الإفلاس

الأحد 2022/08/14
الظلام والحرُّ يحاصران متاجرَ الضاحية والحمراء: بيع الإفلاس
فن الحلاقة في العتمة والحرّ (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
طالعت السلطة اللبنانيّين بإحصاءاتها عن أعداد الوافدين إلى لبنان، والتي تجاوزت عتبة المليون وافد، واعدةً إياهم بصيفٍ استثنائي يعوضهم ما سبق أن خسروه طيلة السنتين الماضيتين. لكن الوعود لم تتجاوز النيات الحسنة. فالواقع لا يشير للوعود التي سوقت لها دعايات السلطة.

متاجر العتم
جولة واحدة في الأسواق الشعبية في الضاحية الجنوبية وشارع الحمرا، كفيلة بتعرية هذه المزاعم. محلات تجارية معتمة، أصحابها يجلسون على عتباتها بتبرم وترقب، يتمسكون بالعابر ليدخلونه إلى متجرهم على أضواء هواتفهم المحمولة.

متاجر شارع الجاموس -يعتبر من أسواق الضاحية الجنوبية التجارية المركزية، وشريان جذب متسوقي المنطقة ومحيطها، ومعروف بضخامة محاله وحداثتها وتنوعها المثير للإعجاب، على خلاف باقي أسواق الضاحية- باتت اليوم غارقة في الظلام، بعد تخلي معظم أصحابها عن المولدات الكهربائية، بسبب عجزهم عن تأمين مستحقاتها الشهرية، في ظل الأزمة الاقتصادية التي قلصت الزبائن كثيرًا. وحتى متاجر "وان دولار" الشعبية المنتشرة في الضاحية انتشارًا واسعًا، قل عدد زبائنها عن السابق، بعد الإقبال الكثيف عليها في زمن الوفرة.

على طول شارع الجاموس، عشرات المحال التجارية باتت اليوم عاجزة عن تجديد بضاعتها وصيانة محلاتها، فيما هي تعتمد على تحصيل أرباح من طريق مشاركتها في لعبة الدولار، وتسعير بضائعها القديمة حسب سعر الصرف اليومي في السوق السوداء. وهي تكتفي بفتح أبوابها لتأمين مدخولها اليومي فقط.

أخلاط بضائع.. وقيظ
منذ الصباح الباكر تفتح هذه المحلات أبوابها ويجلس أصحابها على كراسيهم أمام محلاتهم، لإثبات وجودهم، وعابثين بهواتفهم النقالة بهدف تمضية الوقت. بعضهم يشعل السجائر واحدةً تلو أخرى، محاولين جذب انتباه المارة بمجموعة من البضائع التي وضعوها على الرصيف أمام الواجهة، فحجبتها. وعلى أعمدة حديد على الرصيف تختلط قطع متنوعة من الثياب المعلقة بقطع منزلية بلاستيكية ملونة. فيما يردد أصحاب المتاجر عبارات الإلحاح على المارة لدخول المحلات والتبضع.

على مقربة من صندوق المبيعات، يثبتون مصابيح يدوية يقربونها من الزبون لتضيء البضاعة التي يختارها. تدخل امرأة برفقة طفلها الصغير وتشد على يده لئلا يقع أرضًا في الظلام. بخطوات ثابتة وجولة خاطفة تنتقي مشترياتها سريعًا بلا حاجة إلى سلة أو عربة لوضعها. فعدم تحملها الحرارة نتيجة غياب وسائل التهوئة والتكييف، يدفعها إلى الخروج السريع من المحل. ويتجنب الزبائن النزول إلى الطوابق السفلى التي يطلبون من الموظفين ما يريدونه منها، فيحضرون السلع المطلوبة على ضوء فلاشات هواتفهم، ويسرعون في الصعود هربًا من القيظ، ولئلا يخسرون الزبون لو تأخروا.

تقترب امرأة من الصندوق لدفع فاتورتها، فتركز الموظفة انتباهها على الآلة الحاسبة أمامها، لئلا تخطئ في الضرب على أرقامها في الضوء الشحيح. تفتح صندوق المبيعات بمفتاح يدوي، بعدما فصلت أزراره الإلكترونية عن الأشرطة الكهربائية.

وكانت تعودت بعض هذه المحال على وضع آلات لصنع الفريسكو والأيس كريم لجذب الزبائن، ولكنها تخلت عنها هذا العام وأطفأت براداتها، واكتفت بالبضائع المعلبة وابتعدت عن البضائع التي تحتاج للتبريد أو التي لا تتحمل الطقس الحار. وحسب معلومات "المدن"، اتبعت هذه الخطوات بعدما لامست فواتير الاشتراك 450 دولاراً، وبسبب تضخم تكاليف التجار الشهرية بين أجور موظفين ولتجديد بضائعهم، عدا عن إيجار المحل. وكان التخلي عن المولدات الكهربائية صعبًا، إذ بات إقبال الزبائن قليلًا جدًا، وبعضهم يكتفي بالوقوف أمام المحل طالبًا حاجياته من دون تجاوزه العتبة. والبعض الأخر لا تتعدى جولته في المحل الدقيقتين. لذا أجبر بعض أصحاب المتاجر على إغلاق محلاتهم لحظة مغيب الشمس، أي في السابعة مساءً.

حلاقة على ضوء شحيح
في الشياح، يروي صاحب محل حلاقة "ديدو" حال مهنته. هو رجل أربعيني وأب أطفال ثلاثة. بدأ مهنته منذ أكثر من 25 سنة، واكتسبها بعد خبرة واسعة، فجذب زبائن كثيرين من المنطقة وخارجها. ومع بداية أزمة المازوت ومطالبة أصحاب المولدات بفواتير مرتفعة بالدولار وتقنين مستمر، لجأ إلى وسيلة غريبة لتيسير عمله: ربط على رأسه قطعة قماش مثبتًا عليها آلة ترسل ضوءًا شحيحًا يساعده في قص شعر زبائنه وحلاقة ذقونهم. يقوم بشحن الآلة الصغيرة مساء كل يوم لدى عودته من العمل، ليستعملها في ساعات انعدام الإضاءة في يومه. لا ينكر أنها تعيقه في بعض الأحيان. فهي تتطلب منه تركيزًا مضاعفًا، ولكنها  تبقى الحل الوحيد لإبقاء أبواب محله مفتوحة لتأمين لقمة عيشه.

لاقت هذه الوسيلة استغراب الزبائن الذين عمدوا على التقاط صورهم أثناء قص شعرهم في الضوء الشحيح، بلا تذمر. وفي بعض حالات الضرورة التي احتاج فيها إلى تشغيل أدوات تجفيف الشعر أو ماكينة الحلاقة الكهربائية، يستعين بمحلات مجاورة لمده بالتيار الكهربائي. ويؤكد أن هذه الأزمة قلصت زبائنه. ففي السابق كانت أعدادهم تفوق العشرات في اليوم الواحد، فيما اليوم بات يقسمهم على لوح مواعيد يضعه على الحائط لخدمتهم خلال ساعات توفر التيار الكهربائي. 

شارع الألوان الكئيب
في شارع الحمراء لا يختلف المشهد العام كثيرًا. يتجلى الفرق الوحيد في توزع مصابيح "الليد" على الرفوف على نحو يجعل الرؤية أوضح مما عليه في الضاحية. هذا إضافة إلى تثبيت مراوح للتهوئة تشحن على البطارية، في محاولة لتخفيف الحرارة عن الزبائن قليلًا. يتهيأ للزبون من بعيد أن المحل مضاء. وتاجر الحمراء كتاجر الضاحية يشتكي من التقنين وانقطاع الكهرباء. وفي حديث مع أحمد (تحفظ عن ذكر عائلته) وهو صاحب محل عطورات في شارع الحمراء، أوضح أن الصعوبات المعيشية تزداد شهرًا بعد آخر. فمبيعاته الشهرية انخفضت كثيرًا، علمًا أنه كان يعتمد سابقًا على السائحين بشكل أساسي. واليوم يكتفي السائح بالوقوف أمام الواجهة لثوانٍ، ولا يفكر في تجاوز عتبة المحل بسبب الضوء الشحيح في الداخل. ولجذب انتباه الزبائن يوزع البائع عليهم أوراقًا معطرة على المارة، وهي مذيلة باسم العطر.

لكن هذه الخطوة لم تنجح كثيرًا، لأن الزبائن يشيرون بأيديهم إلى  أن الطقس حار ويتابعون سيرهم. واللافت أن عددًا من محال المجوهرات الصيرفة غارقة في الظلام أيضًا. وردًا على سؤال "المدن" جاءت الحجة الموحدة هي التقنين الدائم لمولدات الكهرباء ولا طاقة لهم في هذه الظروف على تركيب ألواح الطاقة الشمسية. 

واجبات الدولة إعلانية
وفي اتصالٍ هاتفي مع رئيس اتحاد النقابات السياحية في لبنان بيار الأشقر أكد أن "المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الدولة اللبنانية التي تخلت عن واجباتها في تأمين التيار الكهربائي، علمًا أنه في شهر تموز الماضي دخل إلى لبنان 800 ألف وافد. ومظاهر العجز التي سببتها هذه الظاهرة عكست صورة سلبية للوافدين عن طبيعة الحياة في لبنان وضربت جزئيًا موسم السياحة الذي كنا نعول عليه". وأضاف الأشقر أن "أصحاب المهن والمحلات هم الفئة الأكثر تضررًا في خضم هذه الأزمة التي رمت أثقالها على قطاعي السياحة والخدمات".  

رغم كل مزاعم السلطة بصيف استثنائي، وعملها المستمر على تجميل الواقع افتراضيًا لا فعليًا. وحتى الساعة لا مبادرة فعلية وليس من برهان ملموس يتلقاه أصحاب المحال التجارية في الأسواق الشعبية أو في الشوارع السياحيّة، لجذب السياح وتيسير عجلة التجارة. ولكن يبقى البقاء للأقوى و"أهلا بهالطلة". 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها