الإنكليز في مونديال قطر.. لوردات المال

لا يحتفظ البريطانيون إلا بذكرى واحدة في كل تاريخ مشاركات من اعتبروا "مهد كرة القدم"، وهي الفوز اليتيم بالمونديال الذي أقيم على أرضهم في 1966، والذي فازوا به بشتى الوسائل، وأهمها تحيز الحكام لمصلحتهم، مما أبعد النزاهة عن هذا المونديال. وهل أدلّ على ذلك من إقامة جميع مباريات انكلترا في لندن وعلى ملعب ويمبلي الذي يتسع لثلاثة وتسعين ألف متفرج، وذلك بتدبير واضح وفاضح من السير ستانلي راوس رئيس الاتحاد الدولي آنذاك.

مونديال ملطخ إلاّ قفازيّ الملكة!
لقد تلطخ مونديال انكلترا بكثير من الأحداث المنافية للروح الرياضية، لدرجة أن المراقبين لم يجدوا حرجاً في تسميته "كأس العالم للعنف الكروي" ولكن الحرص، كل الحرص، كان الحؤول دون تلطيخ قفازي الملكة إليزابيت الثانية، وهي تسلم الكأس لابنائها الفائزين، فمسح الكابتن بوبي مور، قبل مصافحة يد فخامتها، قفازيه بقميصه وببنطلونه القصير بفوطة خاصة من المنصة الشرفية الملكية، في استاد ويمبلي، فبقي قفازا الملكة ناصعي البياض بخلاف المونديال!

وبعد 36 عاماً، وتحديداً في مونديال 2002، كان منتخب انكلترا باهتاً في يوم الاحتفال باليوبيل الذهبي للملكة إليزابيت، فعانى ليحرز التعادل أمام السويد بفضل ركلة جزاء من ديفيد بيكهام الذي تحول من منبوذ إلى بطل، غير أن مباراة ربع النهائي أمام البرازيل كان عنوانها: القهوة، لا الشاي. هذا ربع النهائي كان الخامس والأخير في سجل بريطانيا العظمى، الذي يضم أيضاً التأهل إلى نصف النهائي مرتين 1990 و2018، وفي المرتين كليهما نالت المركز الرابع.

إذاً، تنتظر انكلترا في قطر أول فوز كبير منذ 1966، خصوصاً بعد خسارة نهائي بطولة أوروبا أمام إيطاليا 2020 (أقيم النهائي عام 2021 بسبب كورونا)، والفرصة سانحة بعد التأهل لمونديال 2022 من صدارة مجموعتها من دون خسارة (ثمانية انتصارات وتعادلان) وقد جهّز المدرب غاريث ساوثغيت تشكيلة تتصدر أغلى المنتخبات المتأهلة لمونديال قطر لناحية القيمة السوقية للاعبين (1.32 مليار يورو) مع تصنيف نجم الفريق هاري كاين في المرتبة الثالثة بمئة مليون يورو، خلف الفرنسي كيليان مبابي (160 مليوناً).

استقرار فني مع أنجح مدرب
ويقود انكلترا في قطر عاملان اساسيان: الطموح والاستقرار، رغم الأداء المخيب في دور المجموعات لمسابقة دوري الأمم الاوروبية، حيث تذيل منتخب "الأسود الثلاثة" مجموعته التي تضم أيضاً إيطاليا وألمانيا والمجر، وكان واحداً من أربعة منتخبات ودعت البطولة بعد الجولة الرابعة من دون أي انتصار (تعادلان وخسارتان) ولم يسجل سوى هدف واحد، ومن ركلة جزاء سددها كاين في الوقت القاتل، وتلقت شباكه ستة أهداف، منها أربعة على أرضه أمام المجر. وهي أول خسارة بأربعة أهداف وما فوق على أرضه منذ 1928 أمام اسكوتلندا 1-5. وهذه النتائج تضع الإنكليز في مواجهة خطر الهبوط من المستوى الأوّل إلى المستوى الثاني.

ومع ذلك، يعوّل الانكليز على الاستقرار الفني لمنتخبهم بوجود المدرب ساوثغيت منذ 2016، الذي يُعد في نظرهم أنجح مدرب فني وبكل المقاييس لإنكلترا في العصر الحديث، ومع غضب الجماهير بعد رباعية المجر، جدد ديبي هويت رئيس اتحاد الكرة ثقته بمدربه وأعلن مواصلته قيادة المنتخب حتى 2024، ووصفه بأنه أنجح مدير فني رآه منذ 55 عاماً، خصوصاً أنه قاد المنتخب لنصف نهائي يورو ونصف نهائي كأس العالم.

عوامل أخرى تصب في مصلحة منتخب انكلترا المصنف خامساً عالمياً حسب "الفيفا"، وفي خانة الاستقرار الفني أيضاً، ابرزها تنوع المدارس بوجود نخبة من أبرز المدربين العالميين في الدوري الانكليزي: الاسباني بيب غوارديولا (مانشستر سيتي)، والألماني يورغن كلوب (ليفربول) والإيطالي أنتونيو كونتي (توتنهام) والألماني توماس توخل (تشلسي).. علاوة على الخبرات المتراكمة لنجومه الحاليين الذين شارك العديد منهم في المونديال الروسي الأخير 2018 واحتلوا المركز الرابع، وبعد ذلك وصافة كأس أوروبا عقب الخسارة بالركلات الترجيحية أمام إيطاليا 2-3.

كاين الهداف وبيلينغهام الاكتشاف
ولا ننسى كتيبة من نجوم الصف الاول في أنديتهم، وفي مقدمهم هاري كاين نجم توتنهام وثالث هدافي التصفيات (12 هدفاً) وثاني هدافي المنتخب (50 هدفاً خلف واين روني 53) وصاحب الرباعية في سان مارينو في تصفيات مونديال قطر. علاوة على الجناح رحيم سترلينغ (27 عاماً) الذي ترك مانشستر سيتي إلى تشلسي الذي قال مدربه توخل انه سيكون إضاف هائلة للتشكيلة، بل له تأثير فاعل في الكرة الانكليزية، فمنذ انضمامه إلى سيتي في سن العشرين من ليفربول عام 2015، سجل 91 هدفاً في 225 مباراة في الدوري الممتاز.

وإضافة إلى نجوم الصف الاوّل، هناك أيضاً قائد ليفربول جوردون هندرسون وظهير سيتي ووكر وزميله ستونز ومهاجم يونايتد واتفورد ولاعب الوسط فيليبس الذي انضم إلى سيتي من ليدز ولعب مع الأخير 214 مباراة منذ 2015، واختير أحسن لاعب في المنتخب في موسم 2021ـ 2022.

وهناك نجوم واعدون سيكون أحدهم من اكتشافات مونديال قطر، وهو جود بيلينغهام (19 سنة) لاعب بوروسيا دورتموند الألماني، الذي يجيد اللعب في كل المراكز ويتمتع بقوة بدنية وذكاء كروي. لعب 43 مباراة الموسم الماضي في كل المسابقات وسجل 6 أهداف مع 8 تمريرات حاسمة، إضافة إلى هدف مع المنتخب في 5 مباريات. وإلى جانب بيلينغهام أيضاً الموهوب ترينت ألكسندر أرنولد (23 عاماً) لاعب ليفربول. وجناحا سيتي: فيل فودين وجاك غريليش، وجناح تشلسي مايسون ماونت وزميله المدافع جيمس، وجناح أرسنال بوكايو ساكا ويونايتد جايدن سانشو.

ثمة فرصة للتأهل من المجموعة الثانية، التي ستشهد ديربياً بريطانياً مع ويلز ولقاءً أول مع إيران في بطولة دولية كبرى، ولقاءً قوياً مع الولايات المتحدة التي يوليها ساوثغيت الأهمية، لأن لديها لاعبين جيدين.

وثمة من يرشح انكلترا للبطولة، ولكن بعد فرنسا والبرازيل واسبانيا.