ليس حسن وحده من يُعاني من التفكير المفرط الذي يؤدي إلى تداعيات نفسية وجسدية على صحة الإنسان. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تُعاني رلى، من قلق شديد وخوف من ما يحمله المستقبل، فتفكر بغدها لدرجة تجعلها تفقد الإحساس بيومها. تقول رلى في حديث لـ"المدن": "أخشى مما يحمله الغد، بسبب ما عشناه طيلة المرحلة الماضية، إذ شاهدنا الموت والدمار، والفقر، والطوابير، واليوم بتنا نخشى المرض لاننا لن نتمكن من الحصول على العلاج، وكل ذلك في ظل انعدام للأمن والأمل"، مشيرة إلى أنها تعلم أن نتيجة هذه التراكمات تنعكس على الجسد أمراضاً، وعلى العقل إرهاقاً وتأخراً، فهي أصيبت منذ فترة بأزمة نفسية حادّة لم تتمكن بعد من الخروج منها بشكل كامل.
حالات معممّة
قد تعكس حالة حسن ورلى واقع نسبة كبيرة من المواطنين. فالأزمة الاقتصادية وانعكاسها الأمني والاجتماعي لها تداعيات أبعد من الأفراد، فهي تؤثر على المجتمع بكامله. ويُشير المتخصص في علم النفس الاجتماعي محمد بدرا إلى أن "الأزمة التي تُلقي بظلالها على المُعاش اليومي للأفراد ستترك تأثيراً سلبياً على جهازهم النفسي ووالوعي الجماعي للمجتمع اللبناني"، مشدداً على أن "أبعاد الأزمة تتمظهر بكثير من السلوكيات الجماعية التي يمكن اعتبارها أشد ضرراً من السلوك الفردي، أبرزها، فقدان الثقة والخوف والقلق".
غياب النظام-الأب
يضيف بدرا في حديث لـ"المدن": "إن غياب الأب الرمزي الذي يمثله "النظام" في الدولة أو القانون، وتهشّم السلطة القضائية والأجهزة الأمنية، كلها أمور تؤدي إلى زعزعة ثقة المواطنين بدولتهم التي كانوا يلجأون إليها في المحن، بما يؤدي إلى اختلال في توازنهم النفسي، وارتفاع مستوى خوفهم وقلقهم في أبسط المهمات التي تقوم بها الشعوب. أي التوجه إلى العمل أو التسوق على سبيل المثال، خاصة في ظل ارتفاع أعداد السرقات والاعتداءات، ما يؤثر على سلوك الفرد مع نفسه ومع محيطه".
ويلفت بدرا النظر إلى أن "الأزمة الإقتصادية أدت إلى عدم قدرة الأفراد على إشباع حاجاتهم الأساسية، أي المأكل والمشرب، واستقرارهم المكاني. والأمران هما أساس في أي فحص نفسي يحصل للأفراد. فعدم القدرة على الاستقرار المكاني أو إشباع الحاجات الأساسية يؤديان حكماً إلى عدم استقرار نفسي، يتراكم مع الوقت ليتحول إلى قلق مزمن، ثم عُصاب فردي وجماعي، فتتحول المجتمعات إلى مجتمعات عنيفة، وهذه النتيجة الحتمية لكل ما ورد أعلاه.
العجز عن التأقلم
"لا شكّ أن انسداد الأفق لدى اللبناني يؤدي إلى عدم القدرة على التخيل والإبداع"، يقول بدرا، مشيراً إلى أن "الانسان يميل دائما الى تكرار المُعاش، فالعادة فيها راحة، لذلك قد يكون من الأسهل على الأطفال التأقلم مع مستجدات الحياة في لبنان. أما الكبار فقد لا يملكون الأدوات للتأقلم".
يرى بدرا أن كل هذه الأمور تجعل الأفراد أكثر قلقاً وحساسية تجاه الأحداث. وتزيد استعداداتهم لاستعمال العنف. أما الجماعة فتتعرض هوية عناصرها للتشويه، ويضمحلّ انتماؤها الوطني ويبحث أفرادها عن جماعات صغيرة للتقوقع فيها. وتتنامى صفات كالكذب والخداع والمراوغة.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها