الجمعة 2022/06/03

آخر تحديث: 11:47 (بيروت)

ساحة النجمة تحررت.. متى تتحرر الضاحية من عزلتها؟

الجمعة 2022/06/03
ساحة النجمة تحررت.. متى تتحرر الضاحية من عزلتها؟
44 حاجزاً أمنياً عند مداخل الضاحية الجنوبية (Getty)
increase حجم الخط decrease
يُعيد مشهد رفع البلوكات الإسمنتية في محيط ساحة النجمة ومجلس النواب قبل قرابة أسبوع، طرح التساؤل عن جدوى الحواجز الأمنية والبلوكات على مداخل الضاحية الجنوبية، وإمكان إزالتها، استتباعًا لقرار وزيرة الداخلية الأسبق ريا الحسن مطلع سنة 2019، بإزالة الحواجز والبلوكات الإسمنتية في مختلف المناطق اللبنانية، وخصوصًا في بيروت الإدارية بمعابرها ووزاراتها، بعد سنوات ست من الخطة الأمنية لمواجهة الإرهاب.

واليوم وبعد سنوات تسع على عزل الضاحية الجنوبية وتطويقها بما يقارب 44 حاجزاً أمنياً أقامته قوى الأمن الداخلي والجيش والأمن العام وأمن الدولة، والتّي حولت الضاحية الجنوبية مسرحًا للتفلت الأمني، رغم تعهدات الثنائي الشيعي بضبط بيئته، ناهيك عن الشلل المؤسساتي الفظيع لعمل الأجهزة الأمنية، الذي تسببت به سيطرة قوى الأمر الواقع على أدوار السّلطة الأمنية والقضائية والتنظيمية، يبقى التساؤل مطروحًا: لماذا تغيب القوى الأمنية حتى اليوم رغم الحواجز عن ميدان الحلول البنيوية والجذرية لأزمة الأمن في الضاحية؟ وهل توطن السّلطة اللبنانية فعلاً النية لضم الضاحية مجددًا تحت عباءتها، بعيدًا عن الترضيات السّياسيّة.

أزمة أمنية واجتماعية
قتل علنيّ، سرقة ونشل، رصاص عشوائي، اغتصاب، خطف، تهريب سلاح وإتجار بالبشر، معامل صناعية، وعصابات ترويج مخدرات، سوق سوداء لكافة السّلع لاسيما الدولار، مئات الجنح والجرائم اليومية وعلى مدار السّاعة... تطفو في بحر من الانفلات الأمني في الضاحية الجنوبية. وهذا في ظل نمو متسارع لأزمة اجتماعية، يرزح تحت وطأتها السّكان الذين يقاسون عبء الأزمة الاقتصادية والمالية، رغم كل الحملات الأمنية المتوالية منذ شهور، إزاء هذا الوضع الأمني المأزوم.

غير أن هذه الحملات الاستعراضية المتمثلة بفرقة أمنية لإدارة العمليات، وتحديد بنك أهداف بالتعاون مع الثنائي (مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا، ومسؤول الإعداد المركزي في حركة أمل أحمد بعلبكي) ليست أكثر من عمليات تقوم بها السّلطات للتكفير عن سنوات من التقاعس والتراخي وتراكم الجرائم والجنح. وهذا لا يعدو كونه محاولات جزئية وعابرة، في حين لا يزال معدل الجرائم يتصاعد طرديًا.

ويستعصي الحصر والإحاطة بنسبة الجرائم في الضاحية الجنوبية. وإن وجدت أرقام لمقارنة المعدل بغيرها من المناطق، فهي بغالبيتها غير دقيقة. ففي ظل غياب وتغييب مرجعية التوثيق وضبط الأولويات، وهي المخافر المحلية، بات انفلات المجرمين من العقاب شديد السهولة، وخصوصًا في ظل التغطيات السّياسية والوساطات التّي تحول دون حسن سير العدالة.

حواجز صورية
قد يُعزى هذا الشلل بشكل رئيسي إلى كون الضاحية بأجهزتها الأمنية، لا تزال فعليًا مقيدة وخارجة عن إدارة دولتها. فعلاوةً على كون الحواجز الأمنية أسهمت مباشرةً بشلل غرف طوارئ القوى الأمنية، المولجة بالتدخل السّريع وإقامة الدوريات على مدار السّاعة، أدى تناقص العديد فيها وتحويلها نقاط مراقبة، إلى أن تصير عائقًا فعليًا يحول دون تحرك الدوريات المخصصة للمراقبة المستمرة وردع المخالفات التنظيمية وتمكين هيبة الأمن في المنطقة.

في هذا السّياق يقول أحد المصادر الأمنية في الضاحية الجنوبية لـ"المدن" إن عديد أفراد قوى الأمن الذين يشغلون نقاط المراقبة، (يبلغ عددهم حوالى 132 عنصرًا، موزعين على 33 نقطة وحاجز) يشكلون عبئًا كبيرًا على الفصائل والأقسام الأمنية. فمن جهة هم غير مسؤولين عن التدخل إطلاقًا وعملهم محصور بالمراقبة، ومن جهة أخرى ينقسم هذا العدد بين دوريات وغرف طوارئ. وهو اليوم يتناقص، ويسبب اضطرابًا في غرف الطوارئ وانشغالها الدائم وعدم مقدرتها على التغطية والعمل الفعلي. ويؤثر بالتالي على تدخلها المتأخر، وصعوبة إقامة دوريات على مدار السّاعة بعديد فعلي (الدوريات أصبحت مرة في اليوم، ويقوم بها عنصران وأحيانًا عنصر واحد)، وكذلك المداهمات المتأخرة التّي يبلغ عديدها أحيانًا أربع فقط!

هذه الحواجز التّي أدت إلى أزمة تحكم مروري وازدحام سير دائم، غطت المناطق وقسمتها وجعلت من المخالفة أمرًا مستساغًا وهينًا. وكذلك البناء العشوائي والتنظيم المدني المعوج الذي كرسته هذه التقسيمات. ففي مناطق مثل حيّ السلم وصحراء الشويفات وطريق المطار ومحيط شاتيلا وصبرا والمخيمات إجمالاً، راج العمران العشوائي والتعديات، ولا دوريات كسابق عهدها تراقب وتحرر المضبوطات وتتخذ الإجراءات، بل أصبحت بؤرًا يتكاثر فيها المتجاوزون والمجرمون، وصارت تشكل خطرًا فعليًا على العابرين والسّكان.

قرار سياسي لضبط الأمن
الأسبوع الماضي، قُتل العريف عباس قيس على أيدي مجهولين في محلة الليلكي، بعدما حاولوا نشله في وضح النهار، وقاموا بضربه وطعنه وإطلاق الرصاص عليه، وذلك على بُعد أمتار عشرة من نقطة مراقبة للجيش! وعشية اليوم نفسه، قُتل ع.م. على يد عسكري من آل دندش بعدما حاول القتيل نشل العسكري قرب حسينية الحسين في محلة حيّ السّلم، بعد تبادل إطلاق النار، راح ضحيته السّارق وأصيب المجني عليه بعيار ناري (حسب الرواية الأمنية). قبل الحادثتين بأسبوع  حصلت جريمة قتل مروعة في منطقة الأجنحة الخمسة قتل فيها خالد إسماعيل، على يدّ ابن اخته، بعد أن رفض تزويجه ابنته.

هذه عينة من ثلاث جرائم قتل نفذت في الإطار الجغرافي نفسه، وفي غضون أسبوع واحد. وأولها نُفذت على مرأى نقطة مراقبة للجيش، والآخريان وقعتا على بعد قرابة ثلاثة كيلومترات عن أقرب مخفر. وتتشابه هذه الجرائم بأسبابها وظروفها وموقعها، وبتأخر حضور القوى الأمنية واللجان السّياسيّة والمواطنين، بعد فرار الفاعلين الذين ظلوا مجهولين.

وبدل الخطر الإرهابي المزعوم الذي زرعت الحواجز لردعه، حل التفلت الأمني. فلماذا لا تزال هذه الحواجز قائمة؟ وفي ظلّ  إثبات الثنائي فشله في ضبط بيئته بل تغطيته واستفادته من تفلتها، لماذا لم يصدر بعد قرار بإزالة العوائق التّي تحول دون العمل المؤسساتي الأمني الفعلي، بعيدًا عن التسويات والقرارات السّياسيّة؟ ويبدو أن المستفيدين من هذه الحواجز هما الثنائي الشيعي اللذين بنيا أصلاً قاعدة أمنية تتمثل بمجلس قضاء خاص (لحزب الله) ولجان أمنية، فضلاً عن مداهمات بيوت الإتجار بالبشر (الدعارة/ الهيئات النسائية هي المولجة بالأمر). وهذا إضافة إلى إقامة الثنائي مربعات أمنية في حارة حريك وبئر العبد ومحيطها، تحرسها تعزيزات ورقابة مشددة، متجاوزين القانون ودور السّلطات المتقاعسة علانيةً، فيما يرتاح الثنائي ويضمن نفوذه على ضاحية بيروت الجنوبية المعزولة، التي تسود فيها الرهبة والتخوف من احتجاج الأهالي.

تحرر من العزلة
لا يخفى أن الضاحية الجنوبية هي، بالرغم من كل الطروحات، تحت هيمنة قوى الأمر الواقع، ووجود حواجز ونقاط مراقبة لا جدوى لها، سوى بضمانة العزل الذي يتسبب بتفلت وانتهاك القانون. في حين يبدو تحرير الضاحية من هذا العزل أولى بوادر عودة سلطة القانون والمؤسسات إليها، وكذلك إعادة حريّة السّكان وحقهم بالانفتاح على باقي المناطق اجتماعيًا واقتصاديًا. وقد يبدو هذا بعيد المنال وغير واقعي. فالثنائي اليوم مأزوم داخليًا وخارجيًا. وهذا ما أثبتته الانتخابات النيابية. لذا ربما يستشرس لكف أي يدّ أي سلطة قد تجرده من هيمنته، ومن بيئته الحاضنة التي تشكو من أزمات متلاحقة تعصف بها.

واليوم يقع على عاتق الأمن والقضاء كما السّلطة، استعادة هيبتها التّي تخاذلت، مقابل تفشي آفة المحسوبيات والمناكدات السّياسيّة. لتحمّل المسؤولية للسّكان الذين يعانون اليوم من أشرس وأفظع أنواع الجرائم ليل نهار، من دون أي ضمانة لهم بالعدالة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها