الثلاثاء 2022/06/28

آخر تحديث: 11:28 (بيروت)

مكتبة "الكسليك" تؤرشف الكتب والذاكرة ومنازل لبنان الكثيرة

الثلاثاء 2022/06/28
مكتبة "الكسليك" تؤرشف الكتب والذاكرة ومنازل لبنان الكثيرة
ترمم الكسليك الكتب والمخطوطات ومنها ما يعود الى العام 1400 (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease
لا تنفصل هوية "مكتبة الكسليك" عن هوية الرهبانية اللبنانية المارونية، وجزء من الهوية اللبنانية. ففي "أقبيتها" تختزن الكثير من الذاكرة الثقافية، الإنسانية، الدينية والوطنية. ملايين الكتب والمخطوطات والمستندات والصور والخرائط، تحيك للمكان خصوصية تحاكي الحواس الخمس وأبعد بكثير.

ترميم الكتب والمخطوطات
على ضفاف المكتبة، قسم خاص بترميم الكتب والمخطوطات والحفاظ عليها. هنا يتداخل التاريخي بالفني بالتقني بالعاطفي، في خلطة تجعل من الناظر إلى الكتاب أو المخطوطة كأنه يُخطَف إلى عوالم سحيقة تتيح له لمس بعض من ذاكرة وتاريخ وحكايا؟

في الأرشيف، أول كتاب مطبوع عام 1610 بالكرشوني والسرياني، وهو "مزامير داوود"، تمتلك المكتبة نسخة من بين 6 نسخ موجودة في العالم. وتضم أيضاً أول كتاب مطبوع بالحرف العربي في لبنان وهو "ميزان الزمان".


وتحتفظ المكتبة كذلك، بكتاب القانون في الطب لابن سينا المطبوع عام 1593. وأما المخطوطات، فمنها "كتاب الأشعة ومنارة الأقداس" لابن العبري كتبها باللغة الكرشونية سنة 1625 الخوري يوحنا الشامي الزربابي، إضافة إلى مجموعات دينية ليتورجية وصلوات طقسية وآلاف المخطوطات التي كانت محفوظة في أديرة الرهبانية اللبنانية المارونية ومنها ما يعود إلى الأعوام 1400 و1503 و1522 ميلادي، وإن كان القسم الأكبر يبدأ من العام 1800 وما يليها.

ومن المخطوطات "دلائل الخيرات وشوارق الأنوار" لأبو عبدالله محمد إبن سليمان ابن أبي بكر السملالي الجزولي تعود للعام 1825 هجري، وقد خطّها حافظ عثمان نوري.

مركز فينيكس
تطمح المكتبة ومعها جامعة الروح القدس-الكسليك التي تحتضنها، إلى الحفاظ على الهوية التاريخية لكل إرث حضاري، ولكن تحديداً للبنان و"منازله الكثيرة".
لذلك أنشأت عام 2008 "مركز فينيكس للدراسات اللبنانية" للحفاظ على "الإرث والتراث اللبناني ووضعه في تصرف الباحثين والطلاب".

هو عمل ضخم يشرف عليه الأب جوزف مكرزل، ويحتل مساحة واسعة من "أقبية الكسليك"، وتتابع مسؤولة المركز رنا الغبري تفاصيله. وهي تشرح لـ"المدن" بعضاً من آليات العمل فتقول: "يسعى المركز إلى أرشفة الحاضر والتاريخ القريب. لذا يبادر للذهاب إلى من يعتبرهم تركوا بصمة في تاريخ لبنان، على أي مستوى كان. يتواصل معهم أو مع من يحفظ إرثهم. يختار بعض الناس تقديم محفوظاتهم للمركز، وآخرون يشترطون استرجاعها بعد أن يتم تصويرها ومعالجة المتضرر منها، ويحتفظ المركز بنسخة رقمية وفق عقد يوقع بين الطرفين". وتكشف أن "مجموع الوثائق التي تمت رقمنتها حتى فترة قريبة تجاوز الـ4 ملايين و143 ألف وثيقة". 



أرشيف الشخصيات ومكتباتهم
تضيف: "يحتوي الأرشيف على محفوظات ووثائق ومكتبات وصور وتسجيلات صوتية وإرث كل من الرؤساء كميل شمعون، فؤاد شهاب، الياس سركيس وبشير الجميّل. ومن المفكرين لدينا أرشيف كل من يوسف السودا، كمال الصليبي، موريس الجميّل، بطرس ديب، الخوري يوسف أبي صعب وأرشيف ومكتبة أدونيس وجوزف نعمة وغيرهم. ومن الأدباء جبران خليل جبران والياس أبو شبكة، بشارة الخوري (الأخطل الصغير)، جودت حيدر، عادل مالك وأرشيفه حول تاريخ التلفزيون والصحافة. أما من الفنانين فنحتفظ بأرشيف توفيق الباشا، وديع الصافي، مهرجانات بعلبك الدولية، بيار صادق، زغلول الدامور، صلاح تيزاني، شكيب خوري، أرشيف كازينو لبنان وغيره، إضافة إلى أرشيف يوسف بك كرم وأرشيف بعض البلديات كجونيه وبشري وحدشيت وغوسطا وكفرشيما و... . ومن أرشيف العائلات عائلة سرسق البيروتية" . تضيف الغبري: "من محفوظاتنا أرشيف عام قبل قيام دولة لبنان الكبير حول القائمقاميتين ومتصرفية جبل لبنان وقائمقامية جزين وكسروان والبترون".

أرشيف مرئي ومسموع
يعطي "مركز فينيكس" أهمية خاصة للذاكرة البصرية. لذا يهتم بمعالجة المحفوظات المرئية والمسموعة من صور وفيديو وتسجيلات صوتية. يضم أرشيفه إلى اليوم، نحو 420 ألف صورة، 150 فيلماً 35 ملم، 248 فيلماً 16 ملم، 480 فيلماً 8 ملم و7300 ميكروفيلم تمت رقمنتها.

تضم مجموعة الميكروفيلم صحفا قديمة منها "ثمرات الفنون" (1883)، وكوكب أميركا (1892-1896)، والهدى (1898-1928)، والمناظر(1901).

وفي أرشيف الصور مجموعات كل من أدولف أولمن، ستديو سعادة-زحلة، جورج ومارون حيمري، بيار معدنجيان، رئيف ناصيف، رياض علام، رينيه غومبولت، مجموعة وزارة السياحة التي يتم العمل على رقمنتها حالياً، وغيرها الكثير.

أرشيف لبنان في العالم
لا يكتفي مركز "فينيكس" بأرشفة الذاكرة والتاريخ المحلي. يلاحق أرشيف لبنان في العالم. وقد استطاع الحصول على أكثر من 200 جريدة نشرها مغتربون لبنانيون في الكثير من دول العالم، منها مثلا الجريدة اللبنانية السورية El-Diario Sirio Lebanes.

وفي أرشيفه أيضاً جزء غير يسير من النسخ الرقمية لتقارير القناصل ومدوناتهم اليومية المحفوظة في دور الأرشيف العالمية. من بينها صور رقمية تحوي 100 ألف وثيقة عن متصرفية جبل لبنان، المحفوظة في مركز الأرشيف العثماني في اسطنبول.



عَلَم فخر الدين من جنبلاط إلى شهاب
كثر يقدمون مكتباتهم ومحفوظاتهم المادية أو الورقية لمكتبة الكسليك. ومن المحفوظات التي تفتخر بها الجامعة العَلَم الذي كان لفخر الدين، واحتفظ به كمال جنبلاط فترة طويلة قبل أن يهديه لاحقاً إلى فؤاد شهاب.

ولأن التاريخ والأرشيف يساعدان على بلورة الهوية، يحاول "مركز فينيكس" جمع "أرشيف المقاومة المسيحية" التي برأي القيّمين على المشروع " تعرضت لتشويه نضالها وشيطنتها لظروف" لا يريدون الدخول في تفاصيلها. لكنهم يحاولون، قدر المستطاع، تسجيل روايات كل من شاركوا في الحرب اللبنانية من أفراد غير معروفين أو مسؤولين مسيحيين، ليرووا تجربتهم. ومن هؤلاء من يطلبون ترك شهاداتهم للتاريخ وعدم الكشف عنها طالما هم على قيد الحياة. تم حتى الآن، التسجيل مع نحو 300 شخص، إلا أن "التحديات المالية تحول دون أن يتمكن الفريق من السفر للقاء كثر هاجروا واستوطنوا بلداناً بعيدة".

تستمد مكتبة الكسليك ومركز "فينيكس" أدبياتهما من فكر الرهبانية اللبنانية المارونية. وهي ترى أن أهم الطرق للحفاظ على الأرشيف والذاكرة هي في ضخ الحياة فيهما من خلال وضع كل الأرشيف في متناول الباحثين من أصحاب الإختصاص أو الطلاب. يعيد هؤلاء إنتاجه من خلال الدراسات والكتب والمقالات، وتكوين ثقافة حيّة متجددة علّها تخفف من "إضطرابات" الذاكرة الجماعية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها