الجمعة 2022/05/06

آخر تحديث: 13:49 (بيروت)

الطبيب المرشّح عيد عازار: الصامتون إن اقترعوا يخلّصون لبنان

الجمعة 2022/05/06
الطبيب المرشّح عيد عازار: الصامتون إن اقترعوا يخلّصون لبنان
لعازار وجوه عدة: السياسي المعترض، المزارع الصناعي والبيئي، وطبيب الأمراض الجرثومية (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
الطبيب الأربعيني عيد عازار مرشح لائحة "زحلة تنتفض من أجل الجمهورية" في دائرة البقاع الأوسط. وهو، إلى جانب أعضاء اللائحة، من قوى الاعتراض والتغيير. وناشط سياسي مستقل منذ التسعينات. هنا، ملامح من تجربته ورؤيته للانتخابات الراهنة في لبنان وفي الدائرة البقاعية، كما رواها وأُضيفت إليها بعض الحواشي للربط بينها.

أحزابُ الآلهة والصامتون الأحرار
في تعريفِهِ نفسِهِ مرشحًا للنيابة عن المقعد الأرثوذكسي في لائحة "زحلة تنتفض من أجل الجمهورية" -وهي أساسية بين لوائح قوى الاعتراض والتغيير في دائرة البقاع الأوسط ومركزها مدينة زحلة- استهلّ الطبيب الأربعيني عيد عازار كلامه بالحديث عن الناخبين الصامتين، ليس في دائرته وحدها، بل في لبنان كله. وهو وأمثاله الاعتراضيين والتغيريين المستقلّين يطمحون إلى إخراجهم من عزوفهم وصمتهم، ليصيروا قوة ناخبةً ومؤثرة في الحياة السياسية، التي تُركت للتمثيل الحزبي والولاءات الحزبية، فأوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه من إدقاع وخراب.

لكن عازار سرعان ما استدرك معلّلًا: لستُ ضد أن تكون الأحزاب ركيزة الحياة الانتخابية والسياسية. فالأحزاب ضرورية ومفيدة، لو أنها فعليةٌ وحقيقية في لبنان. أي ذاتُ هياكل وسياسات وبرامج واضحة وشفافة، وتنطوي وتقوم على حياة حزبية ديموقراطية في داخلها تيارات واتجاهات علنية متنافسة. أما الأحزاب القائمة في لبنان اليوم، وأقله منذ أزمنة الحروب الأهلية (1975- 1990) وما بعدها، فليست أحزابًا على هذين التعريف والمعنى والممارسة. بل هي كتلٌ للولاءات العصبوية الأهلية والمناطقية والطائفية المرصوصة، النافية للسياسة على المعنى الحزبي الديموقراطي. لذا تنفر من هذه الأحزاب فئات اجتماعية لبنانية واسعة، زوّدتها حياتها وأعمالها وتجاربها وخبراتها العملية قيمًا ومدارك تقيم وزنًا للاختبارات والخيارات والحرية، الذاتية والشخصية منها والعامة. والنفور هذا جعل أكثر من نصف اللبنانيين فئة صامتة انتخابيًا وسياسيًا. وقد تكون هذه الفئة عِمادَ انتفاضة 17 تشرين 2019، بعدما كسرت صمتها وهبّت للتعبير الحرّ والمستقل عن نفسها، على نحوٍ موقت، فعجزت عن التأطّر في هيئاتٍ ومنظمات فاعلة ومؤثرة، تحتاج إلى ابتكار وتركيب على المستوى السياسي الطويل الأمد. وربما أُنجِزَ بعضه في خضم 17 تشرين، وصولًا إلى الانتخابات النيابية الراهنة.

وعيد عازار من هذه الفئة على المعنى الاجتماعي. لكنه ابن جيل شابٍّ خرج منذ التسعينات على العزوف والصمتِ السياسيين اللذين غالبًا ما تنتهجهما الفئة عينها. وكانت بيروت وجامعاتها خصوصًا، مسرحَ نشاط ذاك الجيل الذي انطوى تعبيره السياسي على نفوره من ميليشيات الحرب وأحزابها وسجون ولاءاتها المدمّرة، واستمر معظمُها يعملُ على المنوال نفسه بلا حرب ولا سلاح، متقنِّعًا بما سمّي "السلم الأهلي البارد" و"العيش المشترك". هذا فيما اكتسب حزب الله وحده شرعية علنية قوية لسلاحه باسم مقاومة إسرائيل واحتلالها الناجم أصلًا عن الاحتراب اللبناني الداخلي وامتداداته الإقليمية.

لكن عيد عازار استعملَ لأحزاب لبنان توصيفًا خاصًا به: أندية للمعجبين والمصفّقين. وربما استعار هذا التوصيف من جمهور كرة القدم أو جمهور نجوم مؤدي الأغاني الجديدة. وكلا الجمهورين يؤلِّه نجومه ويتدلّه بهم، ويرفعهم أو يعليهم عليه إلى ذرىً سماوية شاهقة، ويسترسلُ أو يستسلم تحتهم في الأسفل، مسحورًا بهم وبولائه وتصفيقه لهم. وبين تلك الذرى السماوية لآلهة الأحزاب أو نجومها والقواعد الجماهيرية المسحورة بهم في الأسفل، هناك حوالى 30-40 شخصاً في كل حزبٍ يمكن تسميتهم حرّاس ذاك الهيكل والواقفون على أبوابه، للقيام بأدوار الوساطة وإدارتها بين الآلهة والقواعد الجماهيرية المتدلّهة والمصفقة.

من هو عيد عازار؟
لكن من هو الطبيب والمرشح إلى النيابة عيد عازار؟

أنا لستُ ابن عائلة سياسية، وابن أسرة بلا ولاءات حزبية، قال. ثم أضاف: ولدتُ سنة 1974 في بلدة قب الياس البقاعية. والدي محامٍ، وأمي مدرّسة في التعليم الثانوي. نشأتُ في البقاع وتعلّمتُ في مدارسه. ولمّا بلغتُ سن الثامنة عشرة بدأتُ دراسة الطب في جامعة القديس يوسف في بيروت. وبدأ يتكوّن وعيي السياسي في نهاية الحرب، مع بداية نشوء الحركة الطلابية الاعتراضية في التسعينات، ضد إرث الحرب وميليشياتها وأحزابها والوصاية السورية على لبنان. وصرتُ رئيس اتحاد الطلاب في كلية الطب في الجامعة. وفزنا، نحن الطلابُ المعترضون والمستقلون، على العونيين والقواتيين في الانتخابات الطلابية. وسنة 1998 شاركنا في الحملة الاعتراضية والتظاهرات ضد منع بث المقابلة التلفزيونية مع العماد ميشال عون على محطة MTV. وكان سمير قصير مدرّس العلوم الاجتماعية في جامعة القديس يوسف والكاتب في صحيفة النهار، ملهمنا الفكري والسياسي. وكنا على تواصل وتنسيق مع مجموعات طلابية اعتراضية يسارية في الجامعة الأميركية، منها بلا حدود، بابلو نيرودا، طانيوس شاهين، وسواها. وسنة 2000 سافرتُ إلى أميركا، حيث تابعتُ تخصّصي الطبي في الأمراض الجرثومية، وعدتُ إلى لبنان سنة 2008. ونحن من كنا ننتظر جلاء الجيش السوري عن لبنان، وبناء الدولة بعد جلائه، وجدنا أن مطلبنا الأول تحقّق، وتعثّر الثاني، فيما كانت حركة 14 آذار تتفتت، شأن الحركات الطلابية والشبابية الاعتراضية المستقلة.

وفي السنوات ما بين 2008 و2013 شعرنا أن الناس في لبنان، وحتى الفئات الشابة منهم، على شيء من العزوف عن الاعتراض السياسي. ربما بسبب الاستنزاف الذي تعرضت له قوى 14 آذار وساهم في شرذمتها، فيما لم تكن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية تنذر بعدُ بالجمود والتدهور، وتعيش المنظومة الحاكمة وبطاناتها الواسعة على استنزاف موارد الدولة والبلاد، والتي راحت تنضب على نحو بطيء وخافت من دون أن تبعث حالة اعتراض اجتماعي وسياسي.

والتمديد للمجلس النيابي سنة 2013، حمل عيد عازار ومجموعات شبابية ناشطة منذ التسعينات على تجديد نشاطهم السياسي الاعتراضي العملي، فانضوى شطر منهم في مجموعة سمّوها "من أجل الجمهورية"، فشاركت في وقفاتٍ احتجاجية وتظاهرات في بيروت ضد التمديد للنواب. لكن تلك الحركة لم تثمر ما كان مأمولًا منها، فظلّت جزئية واقتصرت على مجموعات شبابية ناشطة. وهبّت "من أجل الجمهورية" للمشاركة في الاحتجاجات على أزمة تكدّس النفايات سنة 2015. وفي خضمّ تلك الحركة بين اتساع ومدّ وجزر ومناقشات اكتسب الناشطون ومجموعاتهم خبرات جديدة.

ويقول عيد عازار في هذا السياق إنه اكتشف وأصدقائه أن إطلاق الاحتجاجات والتظاهرات ضد السلطة، قد يكون سهلًا ومؤاتيًا في حينه ووقته. لكن المعترضين سرعان ما تواجههم المصاعب عندما يشرعون في مناقشة المعضلات واقتراح حلول لها. وهنا يستنتج عازار أن ليس من مهمات الحركات الاعتراضية إيجاد الحلول، طالما الأزمات صنيعة المنظومة السلطوية الحاكمة. فمسار الحركة الاعتراضية منذ التسعينات علَّمه أن مجموعاتها سرعان ما تنقسم وتتشرذم، حالما تستغرق في مناقشة الحلول واقتراحها. وفي خضمّ ذلك تصير صعبة عملية تأطير المجموعات الناشطة وتنظيمها، إن لم تكن شبه مستحيلة. وهذا ما حصل في هبّة 17 تشرين 2019 الواسعة والمفاجئة: "كان يغمرنا فرحٌ كبير في التظاهر والتخييم والتحركات الميدانية، وكنا مسحورين بأننا في خضم ثورة- قال عازار- لكننا دخلنا، نحن المجموعات الناشطة، في خلافات متشعّبة بلا طائل ولا نهاية، عندما شرعنا في النقاش والتأطّر في مجموعات. وهذا بعدما كنا في مجموعة من أجل الجمهورية قد عزمنا على المشاركة في الانتخابات النيابية سنة 2018، ورشحنا اثنين منا تحت شعار: من الشارع إلى البرلمان، لكن سرعان ما عزفنا عن الترشيح.

وفي خلاصة لهذه التجارب ذهب عيد عازار إلى صوغ وجهةٍ سياسية عامة للقوى الاعتراضية: نحن جمهوريون على المعنى الديموقراطي الشعبي. ونقف في الوسط بين اليسار واليمين. وهناك أمور ثلاثة لدينا غير قابلة للنقاش: حصرية السلاح واستخدام العنف في الدولة، سياسات مالية ونقدية شفافة، واستقلال القضاء وتحريره من تدخّلات القوى السياسية. وعلى هذا الأساس تشكّلت لائحة "زحلة تنتفض من أجل الجمهورية" لخوض الانتخابات النيابية الحالية في دائرة البقاع الأوسط. وهي متحدّرة من احتجاجات 17 تشرين في لبنان والبقاع. وتضم إلى عيد عازار، كلًا من جهاد الترك، أرمين أصفهاني، حمزة ميتا، وعامر الصبوري.

الطبيب والمزارع والصناعي
لكن هناك وجوهٌ آخرى لعيد عازار: وجه طبيب الأمراض الجرثومية في مستشفى القديس جاورجيوس في الأشرفية ببيروت، وفي عيادته ومستشفيات زحلة والبقاع. ووجه صاحب المشروع الزراعي-الصناعي-البيئي في جرد المريجات البقاعي. وهذا الوجه المزدوج، إلى وجهه السياسي الذي يسمّيه الجمهوري، وليدا إقامته وحياته ودراسته في أميركا بين سنة 2000 وسنة 2008. وهذه الوجوه رسّخت صلة صاحبها بالمجتمع البقاعي المتنوّع.

ففي العام 2012، إلى جانب عمله الطبي، استصلح عازار أرضًا زراعية واسعة اشتراها جبلية بائرة على ارتفاع 1600 متر بين بوارج والمريجات، فحرثها ورتّبها جلولًا، واستنبتها أغراس كرمة بأساليب حديثة، وأنشأ قربها خمّارة لصناعة النبيذ، الذي شرع يُباع في الأسواق اللبنانية ويصدّر إلى الخارج. وفي أرضه الزراعية ومصنعه للنبيذ يعمل أكثر من 15 شخصًا من الموظفين الدائمين.

واختصاص عيد عازار في الأمراض الجرثومية وعمله الطبي في بيروت والبقاع، وثّق صلاته المحلية بالزحليين والبقاعيين. واتسعت هذه الصلات وتشعّبت على الصعيد المهني والعلاقات المباشرة بالهيئات الطبية والناس، أثناء عمله في اللجنة الطبية الوطنية المشرفة على لقاحات كورونا وتوزيعها في لبنان. والوجوه والأعمال هذه كلها جعلت الناشط السياسي المعترض والمستقل في تجاربه المتنوعة، على صلة عضوية واسعة بالناس وهمومهم منذ عودته من أميركا، فاكتسب بذلك خبرات ميدانية اجتماعية وسياسية ومهنية وإدارية، يريد توظيفها في المجال العام المحلي البقاعي، وعلى الصعيد الوطني.

أرقام ولوائح
يبقى وجه عيد عازار المرشح للانتخابات النيابية في البقاع الأوسط. وإلى الثوابت السياسية الثلاثة المذكورة أعلاه، يطمح عازار ومرشحو "زحلة تنتفض" إلى إعادة التمثيل النيابي لزحلة وقضائها، وانتزاعه من نادي مرشحّي أحزاب المنظومة السياسية السلطوية التي حرمت الزحليين والبقاعيين من التمثيل وألحقته بمواليها من الوسطاء المطيعين الواقفين على أبواب الزعماء شبه المؤلّهين.

وفضّلت اللائحة عدم وضع برنامج انتخابي تفصيلي. وذلك لأنها على دراية بأن المعركة المقبلة في مجلس النواب، ستكون تأسيسية وشرسة، بين نواب المعارضة الفائزين في لبنان كله، على رغم قلة عددهم المتوقّعة، وبين نواب المنظومة الحزبية المتناحرة على حيازة المقاعد، والمتفقة على تقاسم السلطة بعد الانتخابات. وعلى رغم ترشّح المعارضين على لوائح عدة في كل دائرة، سوف يلتقي الفائزون منهم ويتفقون على تشكيل حالةٍ اعتراضية فاعلة في المجلس النيابي التأسيسي المقبل.

وفي رؤيته للمعركة الانتخابية الحالية، يعود عيد عازار إلى الأرقام في دائرة البقاع الأوسط. ففي انتخابات سنة 2018 بيّنت الأرقام أن عدد الناخبين على لوائح الشطب بلغ 184 ألف شخص في الدائرة، لم يُقبل على الاقتراع منهم سوى 94 ألف شخص، أي نصفهم تقريبًا، فيما عزف النصف الآخر عن التصويت. أما اليوم فزاد عدد الناخبين على لوائح الشطب في الدائرة حوالى 13 ألف شخص: 9 آلاف من المغتربين، و4 آلاف من الفئات العمرية الجديدة. وهذا يعني أن عدد المقترعين المرتقب في الانتخابات الحالية سوف يرتفع إلى حوالى 105 آلاف صوت. والقوى الحزبية الكبرى المتنافسة (حلف حزب الله والتيار العوني، والقوات اللبنانية)، إضافة إلى القوى التقليدية المحلية في الدائرة وزحلة (لائحة ميشال ظاهر، والكتلة الشعبية برئاسة ميريام سكاف)، لن تستطيع مجتمعة أن تحصل بشق النفس على أكثر من 50 ألف صوت. وهذا يعني أن هناك أكثر من 50 ألف صوت في الدائرة خارج التصويت لهذه اللوائح كلها. وهذه الكتلة الكبرى من الناخبين، هي الكتلة الصامتة غالبًا، والمنصرفة عن التصويت للأحزاب، وقد تُقبل اليوم على التصويت لقوى الاعتراض والتغيير البديلة، بعدما جرى في لبنان من خراب أنزلته بالبلاد وأهلها قوى منظومة الخراب الحزبية.

ولوائح قوى التغيير البديلة أربع في الدائرة، أقواها حضورًا وفاعلية لائحة "زحلة تنتفض من أجل الجمهورية". والناخبون الصامتون، هم غالبًا من الفئات الوسطى المتحررة من الولاءات الحزبية والتقليدية، ودفعتهم حريتهم هذه إلى دفع أثمان الخراب والانهيار الزاحفين في البلاد. وشطر من هذه الفئات هاجر أو في طريقه إلى الهجرة. أما الباقون منهم فقد يدفعهم الوضع الراهن إلى التصويت لقوى التغيير الجديدة، أي للأمل واحتمال الخروج من الخراب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها