الأربعاء 2022/05/04

آخر تحديث: 11:53 (بيروت)

المهانة الاقتصادية بعامها الثاني: "ثياب العيد" مستعملة..

الأربعاء 2022/05/04
المهانة الاقتصادية بعامها الثاني: "ثياب العيد" مستعملة..
بدولارين فقط يمكن شراء قطعة ثياب (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease

شهدت محلات الملابس التركية والألبسة الجاهزة، خلال العشر الأواخر من شهر رمضان، حالة من الكساد التجاري. إذ تبدو أسواق الملابس في سوق معوض التجاري في الضاحية الجنوبية وسوق مار الياس في بيروت نائمةً. تكتظ الأسواق بالزبائن وخصوصاً بعد موعد الإفطار، ولكن أحداً لا يشتري. فيدخلون المحلات برفقة أطفالهم ويخرجون بلا أكياس. وتظهر عليهم علامات الغضب من ارتفاع الأسعار في ظل تراجع القدرة الشرائية، فيغيرون وجهة طريقهم ويقصدون الأسواق الشعبية ومحال البالة، التي ما زالت حتى اليوم تجذبهم بأسعارها المقبولة التي ترضي جيوبهم.

حركة لا تهدأ
في جولة صغيرة لـ"المدن" في سوق الجمال الشعبي في منطقة الشياح وسوق بربور في بيروت، تبدو الصورة مختلفة جداً عن الأولى. إذ تشهد الأسواق حركة غير عادية واكتظاظاً ملفتاً. تتجمع العائلات أمام محال البالة المنتشرة في المنطقتين. لا واجهة للمحلات لعرض قطع الثياب الموجودة، فكل قطعة تختلف عن غيرها ولا تتكرر في الشكل أو في القياس. وأمام كل محلٍ شعبي، تنثر أكوام الثياب المستعملة على لوائح خشبية خصصت لها، والبعض الآخر علّق داخل المحل. وفي زوايا المحل، تعرض الأحذية المستعملة والتي حاول أصحاب المحال غسلها وتنظيفها قدر المستطاع.

قطعة واحدة تكفي
تدخل ريم العلي (34 عاماً) برفقة طفليها اللذين لم يتخطيا 7 أعوام، فتشد على راحة يديهما لئلا يضيعان وسط الزحمة. وتبدأ بالتفتيش بين قطع الثياب المبعثرة، كمن يبحث عن إبرة وسط كومة قشٍ. فتمسك القطعة الأولى وترجعها بعد أن تبينت أنها ممزقة من الجانب الأيمن، فتبحث عن غيرها، وتحاول جاهدةً ألا تخرج من المحل من دون أن تختار لطفليها قطعةً واحدة بمناسبة العيد، وبعد تفتيش دام أكثر من ساعة، وجدت واحدة تناسب طفلها الأصغر، فاتجهت بعدها لتختار بنطالاً لطفلها الثاني وفور انتهاء جولتها تتجه نحو التاجر لمعرفة الأسعار، فيطلب منها 220 ألف، فتعطيه 200 ألف وهي تقول: "ما في غيرن!" وحينها، تشعر باطمئنان بأنها أتمت واجباتها كأم ولبّت احتياجات طفليها رغم امكانياتها الضئيلة واستطاعت اقتناء قطع من الثياب لهما قبل العيد، وذلك بعد أن جالت لأكثر من 4 أيام في محلات الثياب الجاهزة وعجزت على شراء أي قطعة جديدة، بسبب سعرها الباهظ.   

تجارة لا تموت!
يشرح محمد خليفة لـ"المدن"، وهو أحد تجار البالة في منطقة الشياح، "هذه التجارة لا تموت بل تنتعش وتتجدد في بداية كل موسم من كل عام. إلا أن المفارقة هذ العام، أن الانهيار الاقتصادي دفع الزبائن لقصد البالة بشكل شبه يومي. ومع انتهاء شهر رمضان وعشية عيد الفطر، حاولت العائلات الحفاظ على عاداتها السنوية في اقتناء ثياب لأطفالها، فتهافتت نحو أسواقنا ومتاجرنا".

تختلف أنواع البالة الموجودة في السوق، فبعض التجار يكدسون الثياب بطريقة عشوائية وفوضوية أمام أبواب محلاتهم، وتختلط الثياب الممزقة والمتسخة ببعضها البعض، فيتذمر الزبون وسرعان ما يخرج من المحل. أما البعض الآخر ومع وصول الكونتينر، يفرز الثياب ويغسلها ويقوم بكيّها وتنظيفها قبل عرضها للبيع ومن بعدها تعلق الثياب وتوزع في أرجاء المحل، وذلك لجذب عدد أكبر من الزبائن وتخفيف مشقة البحث في أكوام الثياب.

ويضيف خليفة، بأن أسعار الكونتنيرات ارتفعت خلال هذه الأزمة، فكبار التجار يرفضون تسليم البضاعة إلا بالدولار الأميركي، وذلك بسبب استيراد البالة من أوروبا وارتفاع تكلفة الجمرك الموجودة في مرفأ بيروت، ويبدأ سعر الكونتينر الواحد بـ150$ وصولاً إلى 1000$. وهذا السعر يختلف حسب كمية البالة الموجودة فيه وجودتها ونظافتها ونوعها. فالكونتينر العشوائي والذي يضم كل أنواع الثياب لا يتعدى سعره 150$، أما الكونتينر المميز والذي يضم أنواعاً محددة من الثياب وماركات عالمية مستعملة فيرتفع سعره طبعاً.

أسعار تلائم الجميع
تختلف أسعار البالة في الأسواق الشعبية، ومرد هذا الاختلاف يعود لنوع الكونتينر المطلوب، فقبل الانهيار الاقتصادي كان سعر القطعة الواحدة 5000 ليرة لبنانية فقط، كما أن سعر أي بنطال نسائي حينها لم يتخط 30 ألفاً، أما اليوم فوصل سعره إلى 120 ألفاً. ولم يتعد سعر أي قطعة سابقاً 50 ألفاً، أما اليوم فالأسعار تبدأ 50 ألف ليرة وتصل إلى 200-250 ألف ليرة، وذلك حسب نوع القطعة وجودتها وماركتها.

ويقول أحمد الملاّ (43 عاماً)، وهو تاجر ثياب بالة في خندق الغميق، إن أنواع الزبائن اختلفت خلال هذه الأزمة. فبعض الزبائن باتت تقصده دورياً لاقتناء بعض ثياب الماركات بأسعار مقبولة، أما البعض الآخر فيحاول اختيار أي نوع من الثياب لأطفاله، وذلك بسبب عجزه عن شراء قطعٍ الجديدة. وفي هذه الأيام، شهد متجره حركة جنونية من الزبائن، إذ انه أفرغ 3 كونتينرات منذ بداية شهر رمضان، فيومياً يقصده أكثر من 100 زبون من أهل المنطقة وجوارها، فينتقون كل البضاعة النظيفة ويحاولون تصليح البعض منها. وهذا الإقبال يعود لوجود الماركات النظيفة الموجودة لديه، حيث يجد زبائنه بعض قطع الماركات بأسعار لا تتعدى الدولارين! وبالتالي بضائعه تلبي حاجات السوق وترضي كل أنواع الزبائن وأسعاره تناسب جميع فئات المجتمع.

أسعار بالدولار
أما سحر الجواد وهي صاحبة أحد متاجر الألبسة التركية في سوق معوض التجاري، فتشكو تكدس الثياب هذا العام بسبب ارتفاع الأسعار، وقد اضطرت كغيرها من أصحاب المتاجر إلى تسعير بضاعتها بالدولار الأميركي، وذلك تجنباً للخسارة الناجمة عن تلاعب سعر الدولار اليومي. وهي تسافر إلى تركيا لاختيار الثياب ومن ثم شحنها وفرزها وعرضها للبيع. لذا أضحت التكلفة عالية جداً. حاولت تسعير بضاعتها بالعملة اللبنانية إلا أنها خلال ارتفاع الدولار أجبرت على تغيير أسعارها بشكلٍ يومي تجنباً للخسارة، إلى أن قررت تثبيت أسعارها بالدولار الأميركي. وتختلف أسعار القطع الموجودة في المحل، فتبدأ من 15$ أي ما يساوي اليوم حوالى 350 ألف، وصولاً إلى 100$ للقطع المميزة، أما فساتين السهرة فيبدأ سعرها من 150$ وصولاً إلى 300$.

اعتادت سحر كل عام في نهاية شهر رمضان على تهافت الزبائن لشراء ثياب العيد، إلا أنها عانت هذا العام من انخفاض المبيع بشكل كبير. وتعتبر بأن تكدس البضاعة يشكل خطراً كبيراً على أصحاب المحلات ما يجبرهم على بيعها بخسارة، وقد يدفعهم إلى إقفال متاجرهم بسبب قلة المبيع.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها