الثلاثاء 2022/05/24

آخر تحديث: 13:33 (بيروت)

دولرة رسوم "اللبنانية" أو خصخصتها: البسكويت للفقراء بدل الخبز

الثلاثاء 2022/05/24
دولرة رسوم "اللبنانية" أو خصخصتها: البسكويت للفقراء بدل الخبز
انهيار علمي واجتماعي له ارتدادات على مستقبل البلد المأزوم والمنهار (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease
لا جديد يُطرح حتى اليوم في إطار حلحلة جديّة لوضع الجامعة اللبنانية المأزوم، سوى فضائحية التصريحات والحلول السّطحية التّي يتنطح بها ممثلو السّلطة اللبنانية في الجامعة. وهؤلاء لم يوفروا فرصة لقضم كل مقدراتها وتوزيعها حزبيًا وطائفيًا، وإقحام طلابها وموظفيها وأساتذتها في دوامة من الأزمات إلى جانب أزمتهم المعيشية، بل وتحميلهم مسؤولية شلل الجامعة المؤسساتي وميزانيتها المجحفة. وهذا فوق التعريج على المحاولات الملتوية لدولرة وتسليع آخر مصادر التعليم شبه المجاني في لبنان. 

حفل جنون مؤسساتي
في حين لا تزال معظم الوعود قيد "النوايا الحسنة"، وملف الجامعة الحيويّ محجوز منذ أشهر في أدراج حكومة ميقاتي لتصريف الأعمال، منتظرًا الانفراجة السّياسيّة، تتخبط السنة الجامعية بطلابها وكادرها التعليمي والوظيفي بين الإضرابات المفتوحة والتوقف القسري عن الأعمال الأكاديمية، والذي سبق وأعلنته رابطة الأساتذة المتفرغين منذ شهرين، ناهيك عن الامتحانات المؤجلة لحين توافر الميزانية التشغيلية، والدراسة غير الجديّة ما بين الافتراضي والحضوري، وتسرب الطلاب وهجرة الأساتذة الكفوئين. وهذا إضافة إلى سجل طويل من الأزمات، يجعل الجامعة اللبنانية في أعلى مستويات الانحطاط المؤسساتي والتعليمي.

فهي اليوم تعاني من خلل جسيم في ميزانيتها التّي باتت تبلغ 11 مليون دولار، أي 330 مليار ليرة تقريباً، تضم رواتب وأجور الموظفين (10 آلاف موظف) وكلفة التشغيل والصيانة والمختبرات. ويعود العجز في هذه الموازنة إلى تراكم الاقتطاعات الدورية، وإبقاء الميزانية السّابقة رغم تدهور قيمة الليرة المطرد، ما جعل معظم الكليات والفروع تعاني نقصاً حاداً من الورق والقرطاسية، حتى الرسمية منها والمخصصة للامتحانات، والتّي دفعت الكليات إلى تأجيل امتحاناتها حتى الصيف، تاركةً الطلاب والأساتذة في ترقب وخوف على السنة الدراسية وإمكانية إتمامها. إضافة إلى الأزمة الإدارية المتمثلة بغياب العمداء الأصيلين منذ ثلاث سنوات، ومجلس الجامعة المعطل منذ سنتين، والانتفاخ الوظيفي الهائل واللاقانوني.

رابطة الأساتذة المتفرغين
وما لبث أن تجرع الطلاب، بالكاد، الأمل باستئناف العمل الدراسي ولو جزئيًا، حتى مَثل اقتراح عامر حلواني -رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الاساتذة المتفرغين المحسوب على تيار المستقبل- تحميل الطلاب بعضًا من الأعباء المالية وبالفريش دولار، صدمة سرعان ما تحولت غضبًا واسعًا لشريحة واسعة من الطلاب والأساتذة، الذين استنكروا ونددوا بسياسات الرابطة وتصريحاتها المتفردة باتخاذ القرار، ولم تتكبد عبء التنسيق مع أهل الجامعة من المتعاقدين والموظفين والطلاب.

لكن حلواني استنكر تحريف البعض ما جاء في حديثه، مشيرًا إلى أن العلاقة بين الجامعة والطالب لم تكن يومًا مادية، وأنها جامعة الفقراء والمميزين من الطبقات المتواضعة. ليفيد هذا التصريح إبقاء رسوم التسجيل السّنوية كما كانت قبل الانهيار، أي حوالى 159 دولاراً، ويشكل صفعة إعلامية جديدة لرابطة الأساتذة المتفرغين.

وكانت الرابطة أعلنت إضراباتها مرارًا وتراجعت عنها في كل محطة وعود جديدة من جانب أحزاب السّلطة، التي تتواطأ معها ضدّ مصلحة سائر أهل الجامعة من الطلاب والموظفين والمتعاقدين.

الأساتذة المتعاقدون
بعد ما يقارب الشهرين من إعلان "التوقف القسري" عن الأعمال الأكاديمية وما سبقه من إضرابات واحتجاجات، لا يزال تفرغ الأساتذة المتعاقدين بالساعة وإدخالهم ملاك الجامعة، يراوح مكانه نتيجة تسويف حكومي ونزاعات التوازن الطائفي. ولا يزال الأساتذة المتعاقدين بالساعة منذ 2014، يدورون في حلقة الوعود والانتظار الدائم، مستجدين حقوقهم ورواتبهم السّنوية المتأخرة التّي فقدت قيمتها الفعلية ويكاد لا تتجاوز معدلها الوسطي 700 دولار على حساب 1500 للدولار، ما اضطر معظم الأساتذة عن التوقف أحيانًا عن إعطاء المحاضرات الحضورية، نتيجة الارتفاع الهائل في سعر البنزين، وفي ظلّ التأخر عن دفع بدل النقل الذي لا يكفي ليوم عمل واحد. وأحيانًا توقفوا عن التدريس الافتراضي ننيجة تكاليف الكهرباء والإنترنت، التّي بات الأستاذ المتعاقد لا يستطيع تحملها.

وفي هذا السّياق تقول أستاذة الفلسفة واللغة الألمانية بكلية الآداب الفرع الأول والثاني، المتعاقدة إليانا سعادة "للمدن": "لا يمكن حصر الأزمة التّي يعيشها الأستاذ المتعاقد بأزمة معيشية، بل هي وجودية تهدد استمراره كإنسان بمعزل عن صفته العلمية والعملية. أنا كأستاذة متعاقدة قد منحت الجامعة اللبنانية طاقتي وجهودي، لأشعر بأني أستجدي راتبي أو أشحذه، متحملة منذ أكثر من سنتين التأخير في دفع رواتبي المتراكمة، ولا شيء يذكر من مساعدات اجتماعية. ولليوم لا أؤمن بنوايا أصحاب القرار الذين اكتفوا ببث الوعود، من دون طرح أي استراتيجية إنقاذية للكادر التعليمي المتضرر".

وأضافت: "ملف التفرغ يُفيد الطالب كما الأستاذ، فعندما يمتلك الأستاذ الدافع المادي يمكنه العمل بشكل طبيعي، وبالتالي يسهم بحلحلة الوضع المأزوم المستمر منذ سنوات، ويحفز الأساتذة الكفوئين للبقاء في التعليم الرسمي، عوضًا عن البحث على فرص مناسبة أكثر، ليخسرهم الطلاب والجامعة".

يُذكر أن معظم الأساتذة المتعاقدين لم يحصلوا على مستحقاتهم ورواتبهم منذ أكثر من سنتين. وفيما تفقد السّاعة التعليمية قيمتها المادية التّي باتت تتراوح اليوم من دولارين إلى ثلاثة. ورغم أن ملف التفرغ لا يكبد الدولة إنفاقًا إضافيًا يُذكر، وفي ظل النقص الحاد في الأساتذة المتفرغين التّي تعاني منه الجامعة، يبقى هذا الملف مرهونًا بأصحاب القرار الطائفي والسّياسيّ، مراكمًا على الخزينة ديونًا إضافية.

المدربون الفنيون والإداريون
تنقسم مهمة المدربين في الجامعة اللبنانية إلى طاقم إداري وآخر فني، يشكلان الكادر البشري المحروم من التوظيف والتثبيت، رغم وقوع تسيير شؤون الجامعة وطلابها وأساتذتها على عاتقه. والعاملون في هذا المجال عادةً ما يحملون شهادة ماجستير في اختصاصاتهم. وكثيرون منهم متعاقدون بالسّاعة، بموجب عقود صادرة عن رئاسة الوزراء مطلع التسعينيات. وحوالى ألفي مدرب ينتظرون منذ سنوات طويلة إصدار ملف عقودهم حكوميًا، والتي لا تكلف الدولة أي أعباء مالية. إذ يقتصر الأمر على تحويل العقود من "مصالحة" لعقود رسمية تسمح لهم بقبض مستحقاتهم شهريًا.

وقال المدرب الإدراي في الجامعة اللبنانية-الفرع الخامس في صيدا، عيسى يونس: "ملف العقود المؤجل منذ سنوات، لا يعدو سبب تأجيله فداحة البيروقراطية الإدارية، التّي تتضمن مرور جداول ساعات العمل من عميد الكلية ورئاسة الجامعة وصولاً إلى هيئة التشريع وديوان والمحاسبة. ونحن ملزمون علاوةً على ذلك بالمداومة حضوريًا يومين أسبوعيًا، رغم التأخر في صرف مستحقاتنا منذ أكثر من خمسة أشهر، ما يضطرني للاستدانة أحيانًا للذهاب إلى الجامعة". 

وإعتراضًا على واقع التأجيل في إصدار العقود، وللمطالبة بإعادة النظر بأجر السّاعة، شارك مندوبو الجامعة بالإضراب المفتوح والتوقيف القسري الذي أعلنته رابطة الأساتذة المتفرغين مطلع شهر آذار الماضي. ولا يخفى أن هذه الفئة التّي لحقتها لوثة 6 و6 مكرر، ووظف فيها بعض المتحزبين بلا امتحانات مجلس الخدمة المدنية، باتت أكثر الفئات المهمشة في الجامعة، خصوصاً بعدما صارت قيمة ساعة العمل لا تتجاوز الدولار ونصف الدولار.

تدني أعداد الطلاب
تفيد الطالبة هبة عابدين (21 سنة) في كلية الصحة- الفرع الخامس، أنها لا تعتبر أن الأعوام الدراسية -بما فيها هذا العام- مجدية. فبين الإضرابات والأونلاين والأزمة الاقتصادية الخانقة، لم تستطع متابعة ولا فهم أي من موادها الجامعية ودراستها. وهبة المعيلة لعائلتها فضلت عدم التزام التعليم الحضوري لتوفير مصاريف النقل من بيتها في الشوف وصولاً إلى صيدا، والتّي قد تصل إلى مليون ونصف المليون ليرة شهريًا. وذكرت أنها ممتنة لأنها في سنتها الدراسية الأخيرة، لو أجبرت على دفع رسومها الجامعية بالدولار لاختارت التوقف عن الدراسة. ولو أستطاعت الدفع بالدولار لأختارت جامعة خاصة، ووفرت عنها عناء الدراسة في هذه الجامعة المنهارة.

لا يمكن إنكار حجم الأزمة التّي يعانيها الطالب في الجامعة اليوم، والتي تُستَهل بالتعليم غير الجدي وصولاً إلى الأزمة المعيشية والاقتصادية الخانقة على هذه الفئة من الطلاب، ما دفع البعض إلى هجرة الدراسة أو التسرب، وأحيانًا الانتقال إلى جامعات أخرى. وهذا حجب عن الطبقة المفقرة آخر استثماراتها. وهذا ما جعل تعداد الطلاب في الجامعة اللبنانية يصل إلى 64 ألفاً بعدما كان يفوق 80 ألفًأ في الأعوام السّابقة.

بات اليوم واقع التعليم الجامعي امتيازًا طبقيًا، يصعب إخفاؤه. وكل محاولات السّلطة تسليع التعليم، هدر لحق كل فئات المجتمع بالتعليم في الجامعة الوطنية، رغم رداءة وقدم مناهجها. الانهيار الدراماتيكي لهذا الصرح التعليمي، لا يلبث أن يتبعه انهيار علمي واجتماعي له ارتدادات على مستقبل البلد المأزوم والمنهار.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها