الأربعاء 2022/05/18

آخر تحديث: 11:37 (بيروت)

انتخابات 2022: التحوّلات المجتمعيّة في بيروت والجبل والجنوب

الأربعاء 2022/05/18
انتخابات 2022: التحوّلات المجتمعيّة في بيروت والجبل والجنوب
تمرّدت بيروت على تنميطها انتخابياً واجتماعياً: ابراهيم منيمنة في ساحة الشهداء (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease

بعيدًا عن تقلّبات السياسة وتغيّر اللاعبين وموازين القوى فيما بينهم، ثمّة ما يتغيّر في مجتمعنا. وفي الانتخابات التي جرت يوم الأحد الماضي، يمكن العثور على الكثير مما يمكن قوله إزاء هذه التحوّلات، وفي دوائر عديدة. فالتفاؤل بنتيجة قوى التغيير، وما يمكن أن يُبنى عليه برلمانيًّا، يضاهيه تفاؤل آخر بتغيّر مقاربة المجتمع اللبناني للسياسة، وطريقة تقييمه للخيارات المتاحة أمامه، وما يمكن البناء عليه في هذه التحوّلات.

بيروت تفجّر الصورة النمطيّة
كان من المعلوم أنّ معركة المرشّح ابراهيم منيمنة اكتسبت رمزيّة خاصّة خلال الأسبوع الأخير قبل الانتخابات، بعد أن خاض خصوم لائحة "بيروت التغيير" حملة تحريضيّة شرسة على الرجل، اتهمته بمخالفة "التقاليد الاجتماعيّة المُحافظة في المدينة"، مع تركيز على الخلفيّة المدنيّة لداعميه، والتهويل بالمسائل الخلافيّة مثل الزواج المدني وإلغاء تجريم المثليّة. وهذه الحملات، وصلت في بعض المراحل إلى حد التلميح إلى اللائحة ومنيمنة من على منابر المساجد، في صلوات الجمعة الأخيرة قبل الانتخابات، أو في بيانات فتاوى رجال الدين. وفي مقابل حرب الفتاوى، كانت اللائحة تواجه في الوقت نفسه حرب المال الانتخابي، عبر منافستها لوائح متمولين مثل فؤاد مخزومي ونبيل بدر، أو لوائح مدعومة بالمال السياسي كلائحة الثنائي الشيعي ولائحة "بيروت تواجه" المدعومة من فؤاد السنيورة.

كان الرهان هنا على ضرب لائحة بيروت التغيير في قلب العاصمة، بالاستناد إلى صورتين نمطيّتين تم ترويجهما عن أبنائها: صورة الناخبين سريعي التأثّر بالمال السياسي وحملات المتمولين ورجال الأعمال، وصورة المجتمع الغرائزي سريع التأثّر بالشائعات التي تصوّب على مسائل تمس بالتقاليد المحافظة. ولعل اجتماع العاملين معًا، جعل الكثير من المراقبين يرجّحون أن تتمكّن هذه التحديات من حرق معركة اللائحة، ومعركة المرشّح منيمنة بالتحديد.

لكن وبخلاف كل التوقّعات، وفي نتيجة فجّرت كل الصور النمطيّة عن أهل العاصمة، تمكّن منيمنة من تصدّر لائحة الفائزين عن المقاعد السنيّة، بحصوله على 13,281 صوتًا، بفارق شاسع عن الفائز الثاني فؤاد مخزومي، الذي اقتصرت أصواته على 10,021 صوتًا، فيما لم تتخطَ أصوات خالد قبّاني -المتصدّر على لائحة السنيورة- حدود 3,433 صوتًا (لم ينجح لعدم كفاية الأصوات التفضيليّة، ففاز بالحاصل من اللائحة المرشّح الدرزي).

الجبل: وداعًا أيّها "المير"
يدرك القاصي والداني الحساسيّة التي تبنّاها قطبا الزعامة الدرزيّة تجاه فكرة "الحفاظ على البيوت السياسيّة"، وتحديدًا بيتي آل جنبلاط وآل ارسلان، إلى الحد الذي كان يدفع الحزب التقدمي الاشتراكي في كل دورة انتخابيّة لترك مقعد درزي شاغر، كرسالة تطمين لزعامة البيت الإرسلاني. مع الإشارة إلى أنّ طلال إرسلان كان يرسل بدوره إشارات في جميع المحطات السياسيّة الحساسة، تؤكّد أن الخصومة السياسيّة لا يمكن أن تصل إلى حد المساس بمكانة المختارة كزعامة شوفيّة راسخة.

ومع ذلك، وبمعزل عن هذه الطقوس التي لطالما حاول قطبا الزعامة الدرزيّة التقليديّة تكريسها، جاء من خارج جميع التوقّعات تصدّر المرشّح مارك ضو لائحة "توحّدنا للتغيير"، ليحصد منفردّا 11,656 صوتًا، في مقابل 9,008 أصوات لصالح النائب السابق طلال إرسلان، وهو ما أدّى إلى خروج إرسلان من المعادلة الانتخابيّة بعد نيل النائب أكرم شهيّب المقعد الدرزي الأوّل في دائرة عاليه. هنا بالتحديد، ظهر حجم التحوّل المجتمعي، في إقبال الناخبين على التصويت لمصلحة ضو بهذه الكثافة، مطيحين بجميع التوازنات والحساسيّات التاريخيّة التقليديّة، وخصوصًا لجهة إمكانيّة "عزل" زعامة تاريخيّة كزعامة آل إرسلان عن المجلس النيابي في حال فوز ضو.

أما المفارقة الأهم، فهي أن المرشحين طلال إرسلان ووئام وهّاب تصدّرا لائحتهما، فنالا مجتمعين 19,236 صوتاً، إلا أن طريقة توزيع المقاعد المذهبيّة لم تسمح لهما بالفوز. في المقابل، استفاد من حواصل هذه الأصوات التيّار الوطني الحر الموجود على اللائحة نفسها مع وهّاب وإرسلان، ليحصد ثلاثة مقاعد مسيحيّة بضربة واحدة، رغم عدم حصول المرشحين الثلاثة الفائزين معًا إلا على 15,193 صوتاً. بمعنى آخر، خاض المرشحون الراسبون الدروز على هذه اللائحة معركة جمع الحواصل التي مكنت التيار الوطني الحر من جني ثلاث مقاعد، رغم أن أصوات العونيين بالكاد كانت تسمح بالحصول على 1.17 حاصل.

الجنوب يستطيع
لم تكن معظم الترجيحات تقدّر تجاوز حصّة المعارضة في دائرة الجنوب الثالثة بأكثر من حاصل واحد، خصوصًا أن نتائج الدورة الانتخابيّة لسنة 2018 لم تكن تسمح لجميع اللوائح المعارضة للثنائي مجتمعةً بتخطّي هذا الحد، حتّى إذا جمعنا أصوات لائحة الحزب الشيوعي مع لائحة القوات اللبنانيّة (التي امتنعت هذه الدورة) ولائحة تيّار المستقبل (الذي قاطع الانتخابات بأسرها في الدورة الراهنة). إلا أنّ دخول المرشّح مروان خير الدين هذه الدورة، وتوحّد جميع قوى التغيير في الدائرة ضمن لائحة واحدة مجتمعة، أعطيا المعركة هذه المرّة رمزيّة وجديّة استثنائيّة. وسرعان ما تبيّن هذه المرّة أن الجنوب يستطيع كسر أحاديّة التمثيل، وخرق لوائح الثنائي بمقعدين بدل مقعد واحد.

وهذا التحوّل في النتائج، أظهر أن المعارضة الجنوبيّة قادرة على تحقيق خروقات وازنة، عند إظهار استقطاب واضح المعالم حول معركة جديّة، تملك حظوظ المنافسة على المقاعد. كما أظهر هذا التحوّل أن الرأي العام الجنوبي بات يملك اتجاهاً نحو المحاسبة الفاعلة في صناديق الاقتراع، بما يسمح بتسجيل نقاط انتخابيّة بالغة الأهميّة للمعارضة، بمجرّد وجود أشخاص من ذوي السيرة غير المحبذة كمروان خير الدين، القادرين على استفزاز الرأي العام باتجاه التصويت للحالة الاعتراضيّة.

في خلاصة الأمر، تمرّدت بيروت على تنميطها بصورة المجتمع المتشدد والغرائزي المنساق خلف الخوف من الحالة المدنيّة، وتمرّد الجبل على حساسيّة الحفاظ على الزعامات التقليديّة، كما تمرّد الجنوب على التسليم بأحاديّة التمثيل. وفي جميع هذه الحالات، عكست الانتخابات الأخيرة تحولات كبيرة في تفاعل المجتمع اللبناني مع الحياة السياسيّة، وهو ما يُفترض أن تتم قراءته بعناية في المرحلة المقبلة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها