الأحد 2022/04/17

آخر تحديث: 12:10 (بيروت)

طلّاب أوكرانيا اللبنانيين: مصير مجهول بين لبنان وأوروبا

الأحد 2022/04/17
طلّاب أوكرانيا اللبنانيين: مصير مجهول بين لبنان وأوروبا
هربوا من أهوال الحرب الأوكرانية إلى بلدهم الواقع في الكارثة (Getty)
increase حجم الخط decrease

لم تنته رحلة تعب الطلاّب اللبنانيين وشقائهم في فرارهم من أوكرانيا عند تجاوزهم الحدود الأوكرانية-البولندية، بل كانت منعطفًا في معاناتهم. فهم حتى الساعة يجهلون مستقبلهم الدراسي. خسر بعضهم سنوات تحصيله الجامعي، وغابت الجامعة اللبنانية عن احتضانهم وهي شبه متوقفة عن التدريس، واستعصت عليهم جامعات أوروبا. فانتقلوا من كونهم طلاباً إلى أن يصيروا طلاب تشرد وحيرة.

لاجئ في أوروبا
كان عبدالله الشامي طالب طب في سنته الخامسة ما قبل الأخيرة، عندما لملم ثيابه ورتب أشياءه في حقائب للعودة إلى لبنان بعد تهديدات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا. فاجأته طبول الحرب وهو طالب في جامعة خاركيف، المدينة الأولى التي حاصرها الجيش الروسي.  

حائرًا متوترًا، اختار الشامي الخروج مرغمًا من خاركيف. فالبقاء تحت رحمة القذائف مستحيل. سيرًا على القدمين ولمدّة تزيد عن 7 ساعات متواصلة، بلا كميّة كافية من الطعام، توجّه مع أصدقائه إلى الحدود البولندية. ومن هناك بدأت رحلة جديدة لم تكن في الحسبان. استقبله في زحام النازحين على الحدود شخص لبناني. وكان أمام خيارين: إمّا العودة إلى لبنان، أو البقاء في أوروبا والسعي إلى الحصول على عمل ما، قلقًا من ذهاب تحصيله الدراسي هباءً، خصوصًا أنه مقبل على التخرّج وإنهاء تخصصه.

ترك الشامي العودة إلى بيروت خيارًا أخيرًا. فاللبنانيون أمثاله يهربون من بلدهم مهاجرين. لذا اختار البقاء في أوروبا سعيًا إلى إقامة أو عمل أو جامعة تسمح له متابعة دراسته.

وجهته الأولى بعد بولندا كانت العاصمة الفرنسية باريس. أمضى فيها أسابيع عدة، وغير مساره متجهًا إلى ألمانيا حيث هو اليوم. استقبلته عائلة ألمانية بصفته نازحًا من أوكرانيا، فراح يجتهد ليتعلّم اللغة بغية الحصول على إقامة، ومن ثمّ متابعة دراسته. فالتسجيل في الجامعة اللبنانية- بحسبه- قد يكون صعبًا بسبب عدم معادلة المواد التي درسها في أوكرانيا، فيصبح أمام خطر إعادة دراسة الطب من البداية. ثم أن وضع الجامعة اللبنانية تنتقل من إضراب إلى إضراب. والعائق الأساسي في الجامعات الأوروبية اكتساب اللغة، فيما الجامعات الخاصة باهظة الأقساط.

العلم والحرب
عاش محمّد الملا، طالب الماجيستير في هندسة العمارة في أوكرانيا، المعاناة عينها التي عاشها الشّامي. لكن محمّد اختار البقاء في أوكرانيا ليوميين إضافيين قبل حسم قراره بالتوجّه إلى بولندا ومن ثمّ إلى لبنان.

قال محمّد في حديث مع "المدن" إنّ المعاملة على الحدود كانت رديئة بسبب العنصرية بحق غير الأوكرانيين. اضطرّ إلى البقاء على الحدود ليوم إضافي قبل السّماح له بالدخول إلى بولندا. لم يكن يدرك ما إذا كان يستطيع الاستمرار في تحصيل شهادة الماجيستير. فقد كان كلّ همّه الوصول إلى لبنان بسلام. ولما وصل عاد إلى الدراسة موضحًا أن جامعته في أوكرانيا لم تتوقّف يومًا عن مزاولة الدروس.

وقبل الحرب كان محمّد يدرس عن بعد بسبب موجة كورونا. وظل الأمر على حاله مع اندلاع الحرب. والجامعة اقترحت عليه استكمال العام الدراسي عن بعد، شارحًا أن الأساتذة أيضًا يعلّمون من خارج الحدود الأوكرانية.

وأشار محمّد إلى أن الطلاب اللبنانيين تلقّوا وعودًا من وزارة التربية والتعليم العالي بضمان قبولها الطلاب اللبنانيين النازحين من أوكرانيا. لكن هذه الوعود تبخرت، و"لا حياة لمن تنادي"، قال.

الجامعات اللبنانية
الأزمة الاقتصادية لا ترحم القطاع التعليمي في لبنان. فالجامعات الخاصّة دولرت أقساطها. أمّا الجامعة اللبنانية فحدّث ولا حرج: مماطلة وإضرابات، وصعوبة تنقل ومعادلة المواد. وفي حالة عبدالله الشّامي، لم يكن له خيار سوى الجامعة اللبنانية. فاضطر إلى الخضوع لامتحان دخول كطالب طب سنة ثالثة لا خامسة.

وفي حديث مع مستشار وزير التربية لشؤون الجامعة اللبنانية نادر حديفي، قال إن أكثر من 300 طالب سجّلوا أسماءهم على منصّة الوزارة، ومعظمهم طلاّب طب. والجامعة لا تستطيع معادلة المواد التي تعلّمها الطلاب في الخارج، ومجبرة على إخضاعهم لامتحان دخول. والإجراء الذي تتبعه الوزارة يقضي بجمع علامات الطلاّب، ومن ثمّ يختار الطالب الجامعة التي تناسبه.

في كل الأحوال، هنا في لبنان يضيع جيل بلا علم ولا جامعات، وهناك خارجه طلاب لا قدرة لأهلهم على توفير أقساطهم الدولارية، لتضاف معضلة طلاب أوكرانيا إلى مأساة شباب لبناني يُهدر مستقبله.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها