الثلاثاء 2022/02/08

آخر تحديث: 11:47 (بيروت)

احتفالية رثائية للتعليم بسراي الحكومة: كلمة أهالي الطلاب "ممنوعة"

الثلاثاء 2022/02/08
احتفالية رثائية للتعليم بسراي الحكومة: كلمة أهالي الطلاب "ممنوعة"
كان اللقاء لجمع ندّابين يتباكون على موت التعليم (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease

نظمت وزارة التربية والتعليم "اللقاء التشاوري الوطني لإنقاذ وتعافي قطاع التربية والتعليم العالي في لبنان"، في السراي الحكومي صباح أمس الاثنين، إحتفالية خطابية، حضرها كل من الرئيس ميقاتي والنائبة بهية الحريري والوزير عباس الحلبي ومنسقة الأمم المتحدة السيدة نجاة رشدي، ورئيس الجامعة اللبنانية بسام بدران، والمدراء العامون في وزارة التربية، ورئيس رابطة جامعات لبنان ونقيب المعلمين وروابط المعلمين واتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، إضافة إلى سفراء الدول المانحة وعدد من النواب واتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة.

كان واضحًا لجميع الحضور بما فيهم الدول المانحة والمنظمات الأممية أن هدف اللقاء هو طلب المساعدة المالية من الدول المانحة. وهو الرسالة المضمرة في  الخطابات التي خلت من أي رؤية أو خطة علاجية حقيقية، كما لم تخل الكلمات من التباكي على الأطلال ودعوات التحابي والتعاون التي أغدق علينا بها الرئيس ميقاتي في سرديته المعتادة: "إن المطلوب من الأساتذة والمعلمين التعاون معنا لتمرير هذه المرحلة الصعبة بأقل الأضرار، وعدم رمي المطالب دفعة واحدة في وجه الحكومة والطلاب والأهالي، لا سيما وأن حال الخزينة العامة لا تحتمل أي إنفاق خارج القضايا الاكثر إلحاحًا". وشدد على " أنه في موضوع التعليم الخاص من الضروري التعاون بين إدارات المدارس والاساتذة والأهل لإيجاد حلول مقبولة من الجميع وعدم ترك التلامذة رهينة الخلافات التي تترك انعكاسات جسيمة على القطاع التربوي ككل".

في البئر
وكانت قمة استجرار التعاطف الدولي مع أزمة التعليم في كلمة النائبة بهية الحريري التي شبّهت التعليم بالطفل ريان المغربي العالق بالبئر: "(..) إخراج الطفل اللبناني من بئر الأزمات العميقة التي باتت تهدد إستقراره  حيث تنتظر الأجيال اللبنانية منذ ما يقارب الثلاث سنوات أن تزاح عن صدرها جبال العطالة والاستهتار وما نتج عنها من مخاطر" وأضافت "إنّ محنة العملية التربوية في لبنان لا تختلف عن محنة الطفل الملاك ريان. والتّعليم في لبنان يحتاج إلى إرادة بالإنقاذ قبل فوات الأوان وموت التّعليم إحدى أهم خصائص لبنان.." وللأسف الطفل ريان قد مات فعلًا كما حال التعليم في لبنان. فاحتفالية اليوم هي مرثية لموته واللقاء المقبل في 16 شباط هو ذكرى الأسبوع التي ستظهر فيه الخلافات على الإرث. والمؤسف أن السيدة الحريري هي رئيسة لجنة التربية النيابية منذ سنوات كثيرة لم تفكّر في ردم حفرة البئر التي سقط فيها التعليم بل ساهمت في توسعتها.

الوزير الحلبي أكثر ما يهمه تعداد الإنجازات. فهو قد حصل من الجهات المانحة على 90 دولاراً للمعلمين ورفع بدلات نقل، وسيُرضي المتعاقدين وحوّل الأموال لصناديق المدارس وأقر قانون 500 مليار "وإقرار قانون البطاقة التربوية التي تجيز للتلميذ أن يختار المدرسة الخاصة كما المدرسة الرسمية". ولكن قبل ذلك بلحظات عبر الوزير عن خوفه "فالأزمة أيضاً طاولت المدرسة الخاصة. المشكلة الأكبر المالية والاقتصادية انعكست على الأهل والأساتذة، ومشكلة الأقساط التي لا يستطيع الأهالي تحملها، وفي المقابل لا تتمكن المدرسة من الاستمرار من دون تمويل. وقد بات التدخل الخارجي أساسيا للخروج من الأزمة، بمساعدة الدولة" ونتيجتها سيرتفع قسط المدرسة الخاصة حكمًا وستغطّي الدولة منحة التعليم من خلال البطاقة التربوية! بدلًا من تعزيز التعليم الرسمي ورفع مستواه بهذه المنح والأموال.

كلمات السياسيين تدل على ضحالة الرؤى والبرامج، فبدل أن يخرج الساسة نقاط توضح مسار سياسة الحكومة التربوية وخططها، نرى عقمًا يحول دون السعي لإيجاد حلول. فكيف سيكون الحال الأسبوع المقبل، تقاذف اتهامات، نزاعات بين الأهالي والمعلمين، ما ستكون الحلول إذا ارتفع الدولار مجددًا؟ ما هو وضع معلمي الخاص؟ كيف ستُنظم الامتحانات الرسمية؟ كيف سنستدرك الفاقد التعليمي لأكثر من سنتين ونصف السنة في الرسمي؟ كيف سنقرأ التراجع في جودة التعليم وفعاليته المتراكمة منذ عشر سنوات؟

لجان الأهل وأولياء الأمور
والسؤال الأهم هل المدعوون إلى اللقاء التشاوري هم الفئات المؤهلة للإجابة على التساؤلات التربوية والمالية أم كان اللقاء لجمع ندّابين يتباكون على موت التعليم أمام المجتمع الدولي والمنظمات الأممية، التي تعلم علم اليقين أن هذا الإخراج لم يعد مجدياً، وهم يعلمون أن كل مساعدة يقدمونها لن تدخل إلى الخزينة بل ستذهب مباشرة إلى المستفيدين، ولم تعد دموع المانحين تنزل لسماع تأوهات الساسة وتباكيهم.

من الملفت أيضاً حضور اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في اللقاء. ولكن لم يكن لهم كلمة كسائر مكونات العائلة التربوية. وفيما نقرأ الأسباب لغياب كلمتهم وتأجيلها إلى الأسبوع المقبل، فهو يعود إلى عدم مشاركة الجهات المانحة في الجلسة الثانية، فخطاب اتحاد لجان الأهل مغاير تمامًا لخطاب التباكي السائد في اللقاء الأول. وهو خطاب عقلاني وواقعي، على الساسة استبعاده كونه يختلف عن الخطابات الباقية، وقد يحرج الحكومة ووزارة التربية والمدارس الخاصة عند طلبهم تطبيق القوانين وتطبيق الشفافية في الموزانات المدرسية ومراقبتها واعتماد سياسة التقشف وإيجاد حلول عملية، لحماية حق التعليم بشكل عادل ومنصف. لا شك أن قرار تأجيل كلمة الأهالي قرار متعدد الأطراف من الوزارة ومن السيدة بهية الحريري ومن الأب يوسف نصر، بالتوافق الضمني والعلني على تبسيط اللقاء وتفريغه من الرؤى والحلول وحصره بالرسائل إلى الجهات المانحة.

جيوب الكارتيلات
فتشريعات لجنة التربية النيابية وتصديق مجلس النواب عليها منذ أكثر من عشر سنوات ساهمت في اضمحلال الطبقة الوسطى، بالتعاون مع الحكومات المتعاقبة والفساد المستشري ونهب الأموال العامة والخاصة من مؤسسات الدولة، ولا سيما التعليم، ومن جيوب الأهالي وحقوق المعلمين لصالح كارتيلات تربوية طائفية وغير طائفية، استنزفت حق المواطنين في الحماية الاجتماعية كما مدخراتهم، وتفاقمت مع الأزمة الحالية.

 لن يكون هناك حلّ لدى روابط ونقابات تسعى لتحقيق مطالب آنية مستندة على مساعدات مالية، إذا لم تتوفر آلية مستحدثة للحماية الاجتماعية والصحية لكل مكونات العائلة التربوية من معلمين -وهم العامل المُنتِج الوحيد في المدارس- والتلامذة، وهم المنتَج الوحيد لهذه العملية التي من المفترض أن تكون منفعة عامة مشتركة لكل المجتمع ولمستقبل اقتصاده ونموه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها