الجمعة 2022/02/25

آخر تحديث: 12:19 (بيروت)

رسالة مفتوحة إلى "المعارضة اللبنانية"

الجمعة 2022/02/25
رسالة مفتوحة إلى "المعارضة اللبنانية"
تحوّلت "المعارضة" إلى "معارضات" (Getty)
increase حجم الخط decrease
رغم سوداوية المشهد المحيط بكلّ نواحي البلاد، من الجيّد أن نبحث وسط هذه الظلمة عن فكرة ومصادر إلهام تبعدنا نحن اللبنانيين واللبنانيات عن الإحباط، بهدف خلق بعض الدوافع للاستمرار. بيروت اليوم تعود بعد سنواتٍ طويلةٍ، مدينة تشهد حركة سياسية من نوع آخر؛ فبيروت اليوم كما كلّ لبنان لا يمكن "احتوائها" بالمعنى السلطوي للكلمة. وفي ظلّ هذه التحولات، وكشابٍ نشَطَ في العمل السياسي التنظيمي في السنة الأخيرة، أكتب هذه الرسالة المفتوحة إلى القوى التي ترى أنها "بديلٌ حقيقيٌّ"، وتحديداً لخوض نقاش فكري وتكتيكي حول ممارستنا في المرحلة الآتية.

شبان المعارضات
بعد انتفاضة 17 تشرين، بعض مَن كان في الشارع تنظّم بهدف استكمال النضال وخوض المعارك السياسية في ساحات المواجهة والصِّدام مع قوى النظام. والجدير بالذكر أنّ عدداً كبيراً من تنظيمات المعارضة يسيطر عليها الطابع الشبابي. فأصبح متاحاً أن نرى وجوهاً شابّة تخوض تجربتها الأولى في غمار سياسة يتفشى فيها العسس والأزمات. لكن الشباب قرّروا التنظّم مع من يشبههم لمواجهة النظام وأقطابه. مع الاعتبار أنّ تلك التنظيمات أصبحت كثيرة اليوم، وتغص بالتناقضات. فبعضها يطرح مشروعاً ويرفض التحالف مع من لا يشاركه المشروع نفسه. وبعضها الآخر قرّر خوض الانتخابات النيابية تحت مظلّة سياسية فضفاضة وواسعة. وهناك من يناور في خضمّ لحظة سياسية لا تتحمّل المناورة، وتتطلّب وحدة المعارضة. فتحوّلت "المعارضة" إلى "معارضات"، بينما قوى المنظومة متماسكة تدعم كلٌّ منها الأخرى وتستكمل الحرب على المجتمع.

واليوم، ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي (في حال حصل أو لم يحصل)، تترتّب على المعارضة مسؤوليات عدة، ليس لأنها في حال خاضت الانتخابات ستحصل على أكثرية في المجلس. فكلّ من يتابع الساحة السياسية يعلم أن المعارضة بعيدة كلّ البعد عن هذه النتيجة. لكن، مع غياب الحالة الشعبية التي يمكنها فرض تأجيل الانتخابات أو تغيير الأجواء المحيطة بها، تجد المعارضة نفسها أمام خيارٍ واحدٍ، وهو خوض الانتخابات بهدف منع قوى المنظومة من إعادة إنتاج نفسها من دون أي خسارة أو تراجع. فلِما لا ننتهز هذه الفرصة لإدارة خلافات قوى المعارضة ووضع حلّ للتناقضات التي تصيبها؟ لِما لا تستغلّ هذه القوى هذا الموقف وتتحمّل مسؤوليتها وتبلّور مشروعاً سياسياً شاملاً، يشكّل بديلاً واضحاً وجدّياً عن المنظومة؟ الفرصة اليوم متاحة، فلِما لا نعمل لبناء مستقبل، على الرّغم من أنّه بعيد وتحيطه سنوات من الشقاء؟

علمانية ونموذج اقتصادي
فكرياً، لكي ترتقي المعارضة الحالية إلى مستوى المعارضة، عليها أوّلاً طرح بديل عن طائفية النظام. ولما لا تكون العلمانية هي الطّرح كحلّ جذري للنظام الطائفي، بهدف بناء نظام ديمقراطي تمثيلي حقيقي، ويرتكز على قانون موحّد للأحوال الشخصية؟

ثانياً، يجب طرح مشروع ونموذج اقتصادي. فالكثير من قوى المعارضة لا تزال اليوم في مأزق فكري في هذا المجال، نتيجة طرحها أنّ "الفساد" هو سبب الأزمة الاقتصادية التي نمرّ بها. من هنا يتوجّب على المعارضة تصوّر وتخيّل نموذج اقتصادي يبدأ بقراءة النموذج الحالي، مع خريطة طريق جدّية نحو الوصول إلى النموذج الذي تطرحه. والسؤال يبقى: نظام اقتصادي لصالح مَن؟ بمعنى آخر، يجب أن تتخلّى المعارضة عن "النظرة التكنوقراطية" للاقتصاد، كي يتمحور النقاش حول حسم الخيارات في ما يخصّ توزيع الخسائر والثروة في المجتمع.

سلاح حزب الله
ثالثاً، لقد حان الوقت لاتخاذ موقف واضح من حزب الله وسلاحه. موقف وطني يضع خطّة أمنية وعسكرية واضحة للبلاد، ويرفض منطق الميليشيا واستلابها قرار الدولة. ويرفض نهج الاغتيالات والقتل. فالبؤر والتنظيمات الأمنية والعسكرية مرفوضة. وقد أصبح واضحاً أن حكم الميليشيا لم ينتج إلّا الأزمات، وأدخل لبنان في حروب المنطقة بهدف دعم الأنظمة الاستبدادية وخدمة مصالح حزب الله الإقليمية.

ووصولًا إلى قضية إنفجار 4 آب، وفي ظل محاولة الميليشيا وأحزاب الطوائف عرقلة التحقيق، يتوجّب على المعارضة حماية القضاء وتقديم حماية شعبية وإعلامية للقاضي البيطار والنضال المستمر لتحقيق العدالة واستقلالية القضاء ومحاسبة عصابة الإجرام.

ختاماً، تواجه المعارضة اليوم تحدّيات كبيرة لها تداعيات على مستقبلها. فهل تتمكن من إدارة تناقضاتها بهدف مواجهة وحش النظام المتمدّد؟ وقبل إدارة تناقضاتها، هل حددت المعارضة أولوياتها الفكرية والسياسية؟ أو أنها ستبقى في "ردّ فعل" على الموجود من دون حلمٍ جديٍّ عن "الممكن"؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها