واليوم، ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي (في حال حصل أو لم يحصل)، تترتّب على المعارضة مسؤوليات عدة، ليس لأنها في حال خاضت الانتخابات ستحصل على أكثرية في المجلس. فكلّ من يتابع الساحة السياسية يعلم أن المعارضة بعيدة كلّ البعد عن هذه النتيجة. لكن، مع غياب الحالة الشعبية التي يمكنها فرض تأجيل الانتخابات أو تغيير الأجواء المحيطة بها، تجد المعارضة نفسها أمام خيارٍ واحدٍ، وهو خوض الانتخابات بهدف منع قوى المنظومة من إعادة إنتاج نفسها من دون أي خسارة أو تراجع. فلِما لا ننتهز هذه الفرصة لإدارة خلافات قوى المعارضة ووضع حلّ للتناقضات التي تصيبها؟ لِما لا تستغلّ هذه القوى هذا الموقف وتتحمّل مسؤوليتها وتبلّور مشروعاً سياسياً شاملاً، يشكّل بديلاً واضحاً وجدّياً عن المنظومة؟ الفرصة اليوم متاحة، فلِما لا نعمل لبناء مستقبل، على الرّغم من أنّه بعيد وتحيطه سنوات من الشقاء؟
علمانية ونموذج اقتصادي
فكرياً، لكي ترتقي المعارضة الحالية إلى مستوى المعارضة، عليها أوّلاً طرح بديل عن طائفية النظام. ولما لا تكون العلمانية هي الطّرح كحلّ جذري للنظام الطائفي، بهدف بناء نظام ديمقراطي تمثيلي حقيقي، ويرتكز على قانون موحّد للأحوال الشخصية؟
ثانياً، يجب طرح مشروع ونموذج اقتصادي. فالكثير من قوى المعارضة لا تزال اليوم في مأزق فكري في هذا المجال، نتيجة طرحها أنّ "الفساد" هو سبب الأزمة الاقتصادية التي نمرّ بها. من هنا يتوجّب على المعارضة تصوّر وتخيّل نموذج اقتصادي يبدأ بقراءة النموذج الحالي، مع خريطة طريق جدّية نحو الوصول إلى النموذج الذي تطرحه. والسؤال يبقى: نظام اقتصادي لصالح مَن؟ بمعنى آخر، يجب أن تتخلّى المعارضة عن "النظرة التكنوقراطية" للاقتصاد، كي يتمحور النقاش حول حسم الخيارات في ما يخصّ توزيع الخسائر والثروة في المجتمع.
سلاح حزب الله
ثالثاً، لقد حان الوقت لاتخاذ موقف واضح من حزب الله وسلاحه. موقف وطني يضع خطّة أمنية وعسكرية واضحة للبلاد، ويرفض منطق الميليشيا واستلابها قرار الدولة. ويرفض نهج الاغتيالات والقتل. فالبؤر والتنظيمات الأمنية والعسكرية مرفوضة. وقد أصبح واضحاً أن حكم الميليشيا لم ينتج إلّا الأزمات، وأدخل لبنان في حروب المنطقة بهدف دعم الأنظمة الاستبدادية وخدمة مصالح حزب الله الإقليمية.
ووصولًا إلى قضية إنفجار 4 آب، وفي ظل محاولة الميليشيا وأحزاب الطوائف عرقلة التحقيق، يتوجّب على المعارضة حماية القضاء وتقديم حماية شعبية وإعلامية للقاضي البيطار والنضال المستمر لتحقيق العدالة واستقلالية القضاء ومحاسبة عصابة الإجرام.
ختاماً، تواجه المعارضة اليوم تحدّيات كبيرة لها تداعيات على مستقبلها. فهل تتمكن من إدارة تناقضاتها بهدف مواجهة وحش النظام المتمدّد؟ وقبل إدارة تناقضاتها، هل حددت المعارضة أولوياتها الفكرية والسياسية؟ أو أنها ستبقى في "ردّ فعل" على الموجود من دون حلمٍ جديٍّ عن "الممكن"؟
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها