الجمعة 2022/12/30

آخر تحديث: 11:48 (بيروت)

طرابلس وعكار 2022: قوارب الموت.. وهدوء ما قبل العاصفة

الجمعة 2022/12/30
طرابلس وعكار 2022: قوارب الموت.. وهدوء ما قبل العاصفة
تشييع ضحايا الهجرة غير الشرعية (Getty)
increase حجم الخط decrease
ترك العام 2022، ندوبًا كبيرة في شمالي لبنان، وتحديدًا في طرابلس وعكار. وإذا أردنا أن نعطي لها عنوانًا، فسيكون حتما "عام قوارب الموت". وما بين نيسان حين غرق قارب طرابلس، وأيلول حين غرق قارب طرطوس، وما قبلهما وبعدهما، هناك عشرات المراكب التي انطلقت من شمال لبنان هذا العام متجهة إلى أوروبا، وراح على متنها مئات السوريين واللبنانيين والفلسطينيين.  

تصدرت الهجرة غير النظامية المشهد العام شمالي لبنان، حتى باتت في ذروتها الموسمية بين الربيع والصيف والخريف، أقرب إلى عادة يومية، فكان لا يمر يوم من دون إقلاع مركب أو اثنين وحتى ثلاثة، من شواطئ عكار، التي تحولت إلى مساحات رملية ومائية شاسعة خارج سيطرة رادارات الدولة. وما شهده شمالي لبنان، كان ظاهرة مخيفة، حين انتقل نشاط المهربين والسماسرة ما بين لبنان وسوريا إلى الحيز العام بصورة علنية، كاشفًا هشاشة الأمن وضعفه، والحجم الكارثي لتداعيات الانهيار المعيشي والاقتصادي في لبنان، الذي حول فئة واسعة من سكان المناطق الطرفية، كشمال لبنان، إلى فريسة للمهربين.  

بين طرابلس وطرطوس  
في ليلة 23 نيسان 2022، وقعت الكارثة الإنسانية التي تركت ندوبًا لن تمحى عن طرابلس، بعدما غرق قبالة سواحلها قارب على متنه نحو 88 مهاجرًا، نجا منهم نحو 48، وعثر على جثامين 7 فقط. غير أن هذا القارب على وجه التحديد، يجسد قصة جريمة لم تحاسب السلطات الأمنية والقضائية من تسبب بغرقه، بعد مطاردته من خفر السواحل اللبنانية والاصطدام به عمدًا، وفق شهادات جميع الناجين من الغرق. وما ضاعف مأساة الأهالي، كان تعذر عمل الغواصة الهندية في آب الفائت من انتشال المركب، رغم محاولتها لأيام. فجاءت ورحلت من دون نتيجة، فيما بقي المركب غارقًا بعمق 459 مترًا وعلى مسافة 130 مترًا من مكان غرقه، وطمس معه فصلًا مهمًا من الحقيقة التي كانت ستتجلى بالكشف الجنائي على المركب، ومعه ضاع مصير 33 مفقودًا في البحر.  

أما في 23 أيلول 2022، فوقعت المأساة الإنسانية الثانية بغرق قارب انطلق من شواطئ المنية قبالة ساحل طرطوس السوري، بعدما أبحر به قبطان فلسطيني من مخيم نهر البارد تحت تهديد السلاح من قبل المهرب بلال ديب الملقب بـ"أبو علي نديم"، وهو المهرب الوحيد الذي ألقت الأجهزة الأمنية القبض عليه مع شقيقه. وهذا القارب الذي كان على متنه لبنانيون وسوريون وفلسطينيون، عثر من بينهم على نحو 100 جثة بعد أيام من البحث، ونجا منهم نحو 20 مهاجرًا، فسجل أعلى حصيلة ضحايا منذ أن نشطت حركة المهاجرين غير النظاميين في لبنان في 2015. 

لا محاسبة
وإضافة إلى مأساة هذين القاربين، علق عدد كبير من المراكب التي انطلقت من شمالي لبنان في غياهب المتوسط، بعضها نجا من غرقٍ كان وشيكًا، والبعض الآخر احتجزته السلطات التركية واليونانية، فيما جرى توقيف ما لا يقل عن 300 لبناني من شمالي لبنان في تركيا، وبعضهم ما زال هناك ولم يتمكن من العودة إلى لبنان. بينما تمكنت عشرات المراكب من الوصول إلى وجهتها.
لكن هذا العام، مضى من دون محاسبة كل المتورطين بهذه الرحلات والدافعين لها، في سوريا ولبنان. وسبق أن كشفت "المدن" عن تورط النظام السوري عبر عناصر من جيشه في تسهيل عبور آلاف السوريين الذين يعيشون في الداخل السوري للهرب إلى أوروبا عبر شمالي لبنان. في حين، يتحكم اليأس بمصائر آلاف الأسر الفقيرة في شمالي لبنان، التي لم تجد سوى البحر سبيلًا لخلاصها، في رحلات غير آمنة تغامر فيها رغم أن خطر الموت حاضر بها.  

وتفيد معلومات ميدانية لـ"المدن" أن الهدوء الذي تشهده راهنًا وتيرة الهجرة غير النظامية، هو لأسباب مناخية فحسب أثناء فصل الشتاء. ويرجح متابعون على الأرض أن يشهد العام 2023، ذروة قياسية جديدة بموجات اللجوء غير النظامية، ويجري التحضير لها راهنًا، في بلد يشهد على كل فصول انحلال الدولة، قضائيًا وأمنيًا وسياسيًا ومعيشيًا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها