السبت 2022/11/19

آخر تحديث: 00:00 (بيروت)

يوم تحول زياد عيتاني من سجين إلى منقذ سجناء

السبت 2022/11/19
يوم تحول زياد عيتاني من سجين إلى منقذ سجناء
زياد عيتاني في جامعة سيدة اللويزة
increase حجم الخط decrease
في قاعة واسعة غصّت بعشرات الطلاب والنشطاء، كانت الأنظار مشدودة إلى آلام الممثل والكاتب المسرحي زياد عيتاني، خلال فترة السجن. في كل عبارة مغزى.. وفي كل تفصيل معاناة تأخذ الحاضرين بتصورات إلى ظروف السجن، وآلام السجناء.
 
يمتلك زياد اللحظة. يحيكها درساً للمستقبل. في القهر الذي يتذكره، يعيد تحويل المشهد إلى النضال. ليس تفصيلاً أن يجمع عوالم وظروف سجنه، ويحملها إلى حريته، لاطلاق نضال للإفراج عن سجينين، تعرف إليهما في الزنزانة. 
وحلّ زياد عيتاني ضيفاً على فعالية إطلاق تعاون بحثي بين كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة "سيدة اللويزة" NDU و"المركز اللبناني لحقوق الانسان"، خلال منتدى تناول التعذيب وآثاره على الصحّة النفسية. أقيم اللقاء العام الذي حمل عنوان ""الندب التي لا يمكن رؤيتها" على هامش إطلاق تقرير بحثي صدر هذا الأسبوع باللغة الانكليزية وحمل اسم "الوهن في لبنان: الصحّة النفسية على المِحك 2022". 

23 تشرين الثاني.. يوم العزلة
في الجلسة الحوارية التي أدارتها أستاذة التواصل السياسي والجندر في الكلية، ربى الحلو، استهل عيتاني كلمته بالقول إن سبب وجوده في الندوة هو "لتناول قضية التعذيب في السجون من جوانب مختلفة ومنها الشق القانوني والآخر هو "كيف يمكننا أن نكمل حياتنا بمسارها الطبيعي بعد حوادث التعذيب؟". 
كشف عيتاني أنه يوم خرج إلى الحرية، "تمكّنت من مساعدة شخصين تعرف إليهما خلال فترة الاسر". قال: "الشخص الأول اكتشفت قضيته من خلال ما حصل معي وكان منسياً. أما الآخر فهو مسنّ كنت أساعده في السجن لقضاء بعض حاجاته". تمكن عيتاني من تسليط الضوء على القضيتين وإطلاق سراحهما. 

وعن الآثار التي لا يمكن أن نراها بعد تجربة مماثلة من تعدد أنواع التعذيب والضغط النفسي، يرى عيتاني نفسه شخصاً آخر فيما بقاؤه في لبنان هو من أجل المقربين منه. 
يبتعد عيتاني عن الجموع يوم 23 تشرين الثاني من كلّ عام، منذ خمس سنوات. يقول: "هو يوم أعيشه بعيداً عن الناس ولا أخرج. اتذكر تماماً ما كنت أقوم به كما الساعة 1:30 بعد الظهر عندما تلقيت الاتصال. في هذه الساعة تماماً أحبذ البقاء وحيداً". وذكّر عيتاني الحضور في نهاية مداخلته أن السجن هو مكان للإصلاح وليس للتعذيب أو القضاء على الأشخاص نفسياً واجتماعياً.
في القانون اللبناني، يُقصد بالتعذيب "أي عمل يقوم به أو يحرّض عليه أو يوافق عليه صراحة أو ضمناً موظف رسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية أثناء الاستقصاء والتحقيق الأولي والتحقيق القضائي والمحاكمات وتنفيذ العقوبات". ويشمل هذا تخويف أي شخص وإرغامه أو تعريضه للعذاب والألم الشديد بناءً على تمييز.

توثيق صور موقوفين
في العام 2017 تمّ تعديل القانون 65 الذي يجرم التعذيب (قانون معاقبة التعذيب) وتعديل المادة 47 للحد من التعذيب والسماح للمحامي بحضور التحقيقات وبضرورة التصوير. غير ان ذلك لم يتم وبقيت المخالفات من دون حساب. من هنا كان عرض قاضي التحقيق في بعلبك حمزة شرف الدين أساسي من ناحية توثيقه لصور موقوفين وصعوبة وضعهم من جهة والخروقات القانونية من جهة ثانية. وبنتيجة هذه المخالفات الموثقة، يبدو التعذيب وكأنه نهج متواصل وأداة قمعية للإفلات من العقاب. بدا هذا العرض مرجعاً لما يحدث خلف الجدران.
وتحدثت المؤسسة والمديرة التنفيذية لمنظمة "نفسانيون" (المركز اللبناني للعلوم النفسانية والاجتماعية) هبة خليفة، حيث شرحت أن علم النفس هو الأداة التي تساعدنا ليس فقط على العلاج النفسي والدعم، بل على فهم أكبر للسياقات التي نعيش ضمنها. في لبنان "نحاول دوماً الاستمرار والعمل سوية لكن عوائق كثيرة تواجهنا قبل الحديث عن الصحة النفسية، هي المواطنة والانتماء للبلد وهذا جزء مهم من الدعم الذي نقدمه".

من جهته بدأ محمد صبلوح، وهو محام في حقوق الانسان، مداخلته بقصة شخصية عن قريب له تعرض للتوقيف والتعذيب بعمر الـ19 عاماً في العام 1999، وروى تفاصيل مؤلمة لتجربة مريرة غيرته وجعلته مدافعاً عن حقوق الانسان وجعلت القريب الذي تعرض للتعذيب خارج البلد لما يسببه البقاء من ألم.
وكانت مداخلة باسم رئيس مركز "تبيين انترناشونال" Tabyeen الدكتور عباس مكي، تناولت طريقة التدخل النفسي العلمي للتعامل مع الصدمة وما تفجره من مكبوتات يحملها الصابر (المريض).
 
مساءلة واحترام كرامة الانسان
حمل اللقاء العام في جامعة سيدة اللويزة عنوان "الندب التي لا يمكن رؤيتها". دعت إليه كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة بالشراكة مع "المركز اللبناني لحقوق الانسان" وبالتعاون مع "المجموعة التطوعية العاملة للوقاية من التعذيب في لبنان" والتي ضمّت كلّ من منظمة "ألف"، جمعية "براود لبنان"، مؤسّسة "كاريتاس"، جمعية "عدل ورحمة"، ومركز "ريستارت" لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب. حضر اللقاء مسؤولون أمنيون، ديبلوماسيون، رجال دين، اساتذة، طلاب، صحافيين، قضاة وممثلين عن مؤسّسات وجمعيات تُعنى بحقوق الانسان.

استهل اللقاء بترحيب من عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية الدكتور داني سماحة. وأشار إلى أن هذا اللقاء هو تتويج لتعاون منذ أكثر من عام بين المركز والكلية، في محاولة لإيجاد طرق لتعزيز دولة سيادة القانون وخلق مجتمع لبناني جديد قائم على المساءلة واحترام كرامة الإنسان. وفند أهمية التقرير بأبعاده الثلاث: قبل الأزمة؛ تأثير الأزمة على الناجين والمجموعات المعرضة لانتهاكات حقوق الانسان وأخيراً تطلعات المستقبل.

وقدمت مديرة البرامج في المركز اللبناني لحقوق الانسان، جوزيان نون، عرضاً شرحت فيه الاهداف الرئيسية لهذه الدراسة ومنها العمل مع ضحايا العنف ضمن ثلاثة مراكز تقوم على مساعدة الضحايا وتأهيلهم. شرحت نون المنهجية المتعددة التخصصات للمساعدة الاجتماعية والعقلية والمالية ودعم من تشمله المساعدة من خلال عملية الدمج في المجتمع. 

أهمية هذا التعاون وهذه الدراسة تكمن في الحاجة لها ولتقديم مسح لمعرفة من هم غير قادرين على الوصول إلى خدمات الصحّة النفسية من الفئات المهمشة والأكثر فقراً. من هنا كانت مداخلة البروفيسور يوجين سنسنيغ استاذ العلوم السياسية، وركّز فيها على الرابط والترابط بين البحث على مستوى الجامعي من جهة وداخل المنظمات غير الحكومية من جهة ثانية. وأوضح أن هذا التعاون البحثي والمناصرة هو وضع رابح للجانبين، وهو غير شائع في أيّ مكان في العالم والهدف منه خدمة لبنان وتفعيل المواطنة وسيادة القانون.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها