الجمعة 2022/11/11

آخر تحديث: 15:39 (بيروت)

بعلبك وخردة الدولة الإشعاعية: مطمر قاتل أم مخزن آمن؟

الجمعة 2022/11/11
بعلبك وخردة الدولة الإشعاعية: مطمر قاتل أم مخزن آمن؟
اعتصام أهالي بلدة نحلة ضد مطمر أو مخزن المواد الإشعاعية (المدن)
increase حجم الخط decrease

منذ عدّة أيام تم الكشف عن وثيقة رسمية مسربة من وزارة الدفاع، تُظهر في نصها نيّة الدولة اللبنانية بناء مخزن لإيداع "اللقى الملوثة إشعاعيًّا" في إحدى العقارات التابعة لها في جرد بلدة نحلة البقاعية، المحاذية لمدينة بعلبك. ومنذ نشر الوثيقة، يعيش سكان البلدة والبلدات المحيطة بها حالة من التبرم والغضب العارم، وصل حدّ الدعوة لإقامة تظاهرات رافضة لهذا المشروع في البلدة.

وبالفعل، أقام سكان بلدة نحلة تظاهرة احتجاجية صباح اليوم في تمام الساعة العاشرة في ساحة البلدة، وعلى طريق عام نحلة - بعلبك، بحضور فاعليات المنطقة السياسية والنيابية والدينية، وعبّر الحضور فيها عن رفضهم التّام والقاطع لمشروع مخزن "اللقى الملوثة إشعاعيًّا" في بلدتهم، بإعتبار أنها تُشكل خطرًا جديًا على موارد البلدة الطبيعية، خصوصاً الآبار الجوفية والأنهار التّي تُغذي البلدة ومحيطها من مدينة بعلبك والبلدات المجاورة، بالمياه، ومحاولة صريحة من قبل السلطات اللبنانية لإعادة سيناريو تفجير المرفأ، عوضًا عن إقامة مشاريع إنمائية للمنطقة.

تظاهرة رافضة
تحت شعار "لا لمشروع الموت" نفذ أهالي بلدة نحلة وقفة احتجاجية حضرتها وفود من أهالي البلدات المجاورة كمقنة وبعلبك ويونين، وفي حضور النائبين ينال الصلح وحسين الحاج حسن عضو كتلة "الوفاء للمقاومة"، الذي أعلن عبر كلمته أمام الأهالي ووسائل الإعلام، توقف العمل نهائيًا بمشروع طمر المواد الملوثة إشعاعيًا في  جرود البلدة، وذلك بعد تواصله مع المعنيين، ليس كنائب أو سياسي، بل كأكاديمي، حسب قوله. وأكدّ أن هذا المشروع ولّى من غير رجعة.

هذا فيما أعلن عدد من المخاتير، من بينهم المختار علي حويشان يزبك أمام  وسائل الإعلام، وفي بيانات تبناها الأهالي على وسائل التواصل الاجتماعي رفضهم لإقامة المطمر في بلدتهم، وندد بسياسات الدولة التّي لا تتذكرهم سوى عند رمي نفايات وملوثات الآخرين في جبالهم، مشيرًا إلى أنهم قاسوا أشدّ أنواع الحرمان ومصائب الإنماء غير المتوازن، واليوم بدل من أن تقوم الدولة ببناء مؤسسات منتجة، نفاجئ بكونها قد خصصت أرضاً غنية بالآبار الجوفية لطمر نفاياتها الإشعاعية. ليُضيف: "هذا المشروع لن يمر وأرضنا لن تكون إلا حضناً لشجر اللزاب والزعرور والإجاص البري. فهذه الأرض التي روتها دماء الشهداء الذين حموا الحدود من الإرهاب التكفيري، لا تكافئ بإقامة مطمر أقل ما يقال فيه إنّه وباء جديد".

مطمر أم مخزن؟
عدّة وثائق سُربت، واحدة منها تتضمن مراسلة من قيادة الجيش إلى وزارة الدفاع الوطني، تستند إلى مقررات مجلس الدفاع الأعلى بتاريخ 26 كانون الثاني 2021، حيث كلفت وزارة المالية من قبل المديرية العامة للشؤون العقارية، بإيجاد العقار المناسب في سلسلة جبال لبنان الشرقية، وذلك بالتنسيق مع وزارة الدفاع، "لتنفيذ إلتزامات لبنان تجاه الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمواد الكيماوية والبيولوجية والإشعاعية والنووية". أما الوثائق الأخرى فتحمل توصيات المجلس الأعلى للدفاع، وأرقام العقارات المحتملة، والتّي وصلت إلى ثلاثة عقارات منتقاة، وهي عقارات للدولة اللبنانية، تبلغ مساحة كل منها، كالتالي: العقار 5441، 12957 مترًا. والعقار رقم 5135، 143712 مترًا. أما العقار الثالث 5143 فتبلغ مساحته  10175 متر. وفي حديثنا مع أحد المخاتير، لفت إلى أن العقار ذا الأفضلية، يبعد حوالى 850 متراً فقط عن أقرب منزل مأهول، ثم يليه حيّ سكني كامل. واعتبر أن هذا القرار هو بمثابة إعلان صريح من السلطة بإعدام المواطنين وقتلهم كما فعلت في المرفأ.

وفي هذا السّياق تواصلت "المدن" مع رئيس الهيئة الوطنية للطاقة الذرية الدكتور بلال النصولي، الذي أكدّ في حديثه مع "المدن" أن ما نُقل في بعض الصحف أقل ما يقال عنه إنه مجحف ومجتزأ. واعتبر هذا السجال حول المطمر مبكر ولا ضرورة له الآن، لأن الأمر لا يزال قيد البحث والدراسة ولا عمل فعليّاً اليوم فيه.

وشدد قائلاً: "في البداية، لا يوجد مطمر. وهذه الكلمة التي تداولها البعض بصورة عفوية لا صحة لها. إذ أن المخزن المزمع تشييده هو مبنى سيكون في سلسة جبال لبنان الشرقية. وهو آمن جدًا، ولا أثر بيئياً له أو أضراراً صحية منه، وقد تمّ اختيار السلسة الشرقية من قبل المجلس الأعلى للدفاع ، لكونها منطقة معزولة عن السكان، هذا فضلاً عن كون الجيش سيقوم بتشييد ثكنة عسكرية له لحماية هذه المواد". ويشرح نصولي "بالحديث عن هذه المواد الإشعاعية، قد تم أخذ توصية من قبل المجلس الأعلى للدفاع بأن هذه النفايات المشعة والتّي تُسمى باللقى الملوثة إشعاعيًا، والتّي يُعثر عليها من خلال الخردة التّي تصادرها الدولة اللبنانية في مرفأ بيروت وطرابلس وصيدا، والتّي يتم الكشف عنها من قبل الجمارك اللبنانية، لا يمكن تصديرها لأنها تُعد تابعة للدولة اللبنانية، وذلك حسب العقود والمراسيم الصادرة عن الدولة التّي تمنع تصدير هذه النفايات المشعة والملوثة، مع العلم أن غالبية هذه المواد ليست تابعة للخردة اللبنانية بل تمت مصادرتها من الخردة المهربة عبر الحدود، ويتم جمعها من بقايا المستشفيات والمباني التّي تحمل معدات تحمل المواد المشعة كالآلات المخصصة لمعالجة الأمراض السرطانية وغيرها، وهي بمثابة مخلفات حروب".

مخزن دائم
وأضاف: "هذه النفايات تؤخذ إلى مخزن في مبنى الهيئة الوطنية للطاقة الذرية بصورة مؤقتة، الذي أقامته الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ عشرين عامًا، والتّي ترسل مفتشين بصورة دورية، وتعمل الهيئة على معالجة وتدريع هذه اللقى وإيداعها بشكل آمن مئة بالمئة في المخزن، ويكثر السؤال من قبل الوكالة عن موعد إقامة مخزن بشكل دائم.. حيث تقوم الدولة ببنائه وفق المعايير الدولية. وهو مبنى عبارة عن طابق فوق الأرض ونصف الطابق، ووضع أربعة غرف يخصص فيها رفوف لوضع اللقى عليها. والتّي يتم جمعها منذ 25 سنة، لا تبلغ كميتها نصف مستودع صغير من بعد التدريع. أما من دون تدريع، فيمكن إيداعها بكيسي بلاستيك".

ويفسر نصولي سبب النية في إقامة هذا المخزن قائلاً: "من بعد حدوث تفجير المرفأ بات هناك كلام متداول عن ضرورة إزالة هذه المخلفات من مبنى الطاقة الذرية، خوفًا من قربها من المناطق المأهولة، وارتأى رئيس الوزراء السابق حسان دياب ضرورة إزالتها، بالرغم من تأكيدنا أنها لا تشكل أي خطر فعلي، وليس هناك داع لفتح موضوعها، الأمر الذي أدى إلى إستشارة المجلس الأعلى للدفاع الوطني، وقد تم أخذ قرار من قبل المجلس بإقامة لجنة، بوجود كافة الجهات المولجة والمسؤولة في لبنان عن هذا الملف، من جيش وأمن داخلي وأمن الدولة والجمارك ومخابرات الجيش وشعبة المعلومات والدفاع المدني والهيئة الوطنية للطاقة الذرية ووزارة الخارجية ووزارة الصحة ووزارة البيئة، حيث تم وضع مهلة شهر للقيام بدراسة عن الموضوع وإدراج التوصيات بعدها".

ويؤكد "بالفعل، قمنا بالدراسة خلال مهلة الشهر ورفعنا تقريراً للمجلس الأعلى الذي قام بدراسته وأصدر قرارًا في أواخر عام 2020، يتضمن التوصيات التالية:

1- يطلب من وزارة المالية وقيادة الجيش ومجلس الإنماء والإعمار، العمل سويًا لإيجاد عقار مناسب للقيام بهذا المخزن الدائم، والذي هو حل مستدام لهذه اللقى الإشعاعية.

2- يطلب من وزارة المالية تأمين الأموال الكافية لتشييد هذا المبنى من بعد إيجاد العقار.

3- يطلب من وزارة المالية إيجاد تمويل خارجي.

4- يطلب من الهيئة الوطنية للطاقة الذرية ومن مجلس الإنماء والإعمار ومن الجيش العمل على الدراسات الهندسية والتقنية اللازمة لهذا الموضوع من أثر بيئي وزلزالي وغيرها. وهذه المواد التّي نجدها هي بمعظمها من أعمال تهريب وتجارة حروب على الدولة معالجتها. وكان رئيس النواب نبيه برّي في عام 2014 قد قدم دعوة لدى المدعي العام التمييزي حول هذا الموضوع. وقد أظهر التحقيق أن الدعوى ضدّ مجهول، أي ضد من يقوم بتهريب هذه الخردة عبر الحدود".

وختم: "هذا المشروع لا يزال قيد الدراسة ولن نقوم بتشييد المبنى الآن، إلى حين إيجاد العقار المناسب والوصول إلى دراسات تضمن أمن المواطنين وهذه اللقى معاً، فضلاً عن تمويل تشييد المبنى، وقد يأخذ هذا الأمر أعواماً. ولعل النواب وأصحاب الشأن الرسمي الممتعضين منه يعرفون جيدًا أن هذا القرار أخذه المجلس الأعلى للدفاع الوطني باجتماع قادة كل الأجهزة الأمنية والوزراء ورئيس الجمهورية. ونملك جميع المعطيات التّي تجعل الموضوع منطقيًا. ونتمنى من وسائل الإعلام نقل الصورة بموضوعية، فالسكان الذين فقدوا ثقتهم بالدولة متوقع منهم رد فعل كهذا وهو حقهم. إلا أن هذا الموضوع تحديدًا هو حل مستدام لهذا الجيل والأجيال اللاحقة ولصالح الدولة وسكانها".

لعل هذا الجدل حول الموضوع، في الأوساط البقاعية وعند السكان في شرق لبنان المنكوبين والمحاطين بأزمات مستفحلة، مبرر، فالدولة التي أعدمت أي ثقة لهم بها عبر تهميشهم وإهمال مطالبهم وحاجاتهم لسنوات، وأستباحت حقوقهم في الإنماء المتوازن، تأتي اليوم وتفرض عليهم واقعًا خطيرًا من دون الاستفاضة بالتبريرات والحجج المنطقية. وإن كان إنشاء هذا المخزن حلاً مستدامًا بالفعل، فإن من حق السكان في البقاع معرفة تفاصيله وفهمها، لا أن يفرض عليهم قسراً زعلى غفلة منهم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها