السبت 2022/10/01

آخر تحديث: 10:15 (بيروت)

كي لا تقع الكارثة: خطة جريئة لإعادة تجميد القطبين

السبت 2022/10/01
كي لا تقع الكارثة: خطة جريئة لإعادة تجميد القطبين
أهم المدن في العالم مهددة بالغرق في حال ذوبان جليد القطبين (Getty)
increase حجم الخط decrease
مِنَ موجات الحرّ الشديدة في الهند وأوروبا والجفاف المهلك في أفغانستان، إلى الفيضانات المدمرة في باكستان والعواصف غير المسبوقة في الشرق الأقصى، يعيش العالم عواقب تغير المناخ والاحتباس الحراري. وفي حين أن تأثير هذه الظاهرة المباشر على حياة الإنسان يُعتبر أكبر في المناطق الاستوائية والمعتدلة حيث يعيش غالبية سكان الأرض، يحدث ما هو أخطر في قطبيّ الأرض، حيث تفقد الصفائح الجليدية كمياتٍ متزايدة من الجليد استجابةً لارتفاع درجة حرارة كوكبنا وغلافه الجوي، مع الأخذ بالعلم أن معدل ذوبانها قد تسارع بشكلٍ خطير.

تجميد القطبين
يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تسريع استنفاد الجليد البحري من حيث الامتداد وكذلك السماكة. وفي الواقع، تشير العديد من النماذج إلى أنه بحلول عام 2040، قد يختفي الجليد البحري في القطب الشمالي تماماً خلال أشهر الصيف. وبالطبع سيكون هذا الأمر كارثياً لجميع أبناء الأرض لسببين: أولهما يتمحور بأن الجليد البحري الأبيض القطبي ضروري لصرف الإشعاع الشمسي وتنظيم مناخ الأرض؛ وثانيهما، لأن الجليد الذائب يمكن أن يؤدي إلى ارتفاعٍ كبير في مستوى سطح البحار على مستوى العالم.

ولكن ماذا لو قلنا أنه يمكن حل هذه المشكلة عبر إنفاق بضعة مليارات من الدولارات. نعم، هذا صحيح. فبدلاً من الجلوس ومراقبة الجليد البحري يتلاشى بمعدل لم يسبق له مثيل، وضع العلماء في جامعة "ييل" الأميركية، خطة جريئة لإعادة تجميد القطبين من طريق تقليل ضوء الشمس، فابتكروا برنامجاً مستقبلياً محتملاً تقوم فيه الطائرات التي تحلق على ارتفاع عالٍ برش جزيئات الهباء الجوي المجهرية في الغلاف الجوي عند خطوط عرض 60 درجة شمالًا (حول مدينة أنكوريج في ألاسكا بالولايات المتحدة) وجنوباً (بالقرب من الطرف الجنوبي لأميركا الجنوبية).

وتفترض الخطة الموضوعة بأنه إذا تم رش هذه الجزيئات التي تحتوي ثاني أكسيد الكربون على ارتفاع 43 ألف قدم، فإنها سوف تنجرف تدريجياً نحو القطبين. وبمجرد الوصول إلى هناك، فإنها ستظلل السطح تحتها بشكلٍ فعال وتتسبب في تبريد المناطق القطبية.

تكلفة رخيصة
إلى ذلك، يقول العالم ويك سميث، المشرف على هذه الخطة الجريئة "هناك خوفٌ واسع النطاق ومعقول من نشر الهباء الجوي لتبريد الكوكب، ولكن إذا كانت معادلة المخاطر مقابل الفوائد ستؤتي ثمارها في أي مكان، فستكون في القطبين".

تقترح الدراسة أنه يمكن رش هذه الجزيئات بشكلٍ موسمي، خلال أيام الربيع الطويلة وأوائل الصيف. وسيتولى أسطول من حوالى 125 طائرة تجسس ومسيّرات مصممة حديثاً القيام بحوالى 175 ألف رحلة جوية لإنجاز المهمة. وإذا نجح هذا السيناريو، سنتمكن من تبريد المناطق القطبية بمقدار درجتين مئويتين سنوياً، بكلفةٍ تُقدّر بنحو 11 مليار دولار. ولتوضيح السياق، تُعدّ هذه الكلفة أقل من ثلث نظيراتها الموضوعة لمكافحة تغير المناخ وانبعاثات الغازات الدفيئة.

علاوةً على ذلك، وفي حين أن خطة التبريد تشمل القطبين وحسب، إلّا أن بعض الانخفاض غير المباشر في درجات الحرارة قد يمتد أيضاً إلى مناطق خطوط العرض الوسطى المجاورة.

ليست الحل الجذري!
بَيد أن كل ما تم ذكره آنفاً لن يكون بأي حالٍ من الأحوال حلاً مناسباً للمشكلة الفعلية لتغير المناخ. وهنا، يوضح سميث "على الرغم من أن ما نقترحه قد يغير قواعد اللعبة في عالم يزداد احتراراً، إلا أن رش الهباء الجوي يعالج أعراض تغير المناخ وحسب، وليس المرض الأساسي. إنه الأسبرين، وليس البنسلين. وببساطة إنه ليس بديلاً لإزالة الكربون".

ومع ذلك، يشير العلماء بأن هذه الخطوات الأولية للتدخل المناخي التي تم إبرازها في الخطة توفر الأمل من خلال تعزيز الاعتقاد بأنه يمكن استخدام الأدوات العلمية للحفاظ على عالمنا، والاقتراب من حل المشكلات العملاقة والداهمة مثل ارتفاع مستوى سطح البحر وتغير المناخ ككل.

نقطة تحول
وبالحديث عن ضرورة تجميد القطبين لتفادي الكارثة المحتمة، يعتقد العالم البريطاني في الكيمياء الفيزيائية، ديفيد كينغ، الذي شغّل منصب كبير المستشارين العلميين لكل من حكومتيّ بلير وبراون، أننا وصلنا إلى نقطة تحولٍ خطيرة. فمن أجل إنقاذ مومباي وجاكرتا ولندن وكلكتا وغيرها من المدن المعرضة للغرق، يتعين على الحكومات وقف جميع انبعاثات الكربون الجديدة في أسرع وقتٍ ممكن، ثم إزالة 40 إلى 50 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون من الجو سنوياً. بعد ذلك يجب إعادة تجميد المحيط المتجمد الشمالي حرفياً، وإلا ستستمر الحرارة من بحاره المفتوحة في تسريع ذوبان الغطاء الجليدي في غرينلاند، التي تحتوي على كمية كافية من المياه المخزنة لرفع محيطات العالم بمقدار سبعة أمتار.

نقطة التحول هذه التي يتحدث عنها كينغ، ليس من السهل تصحيح مسارها. فعندما تتولى مستويات الكربون في الغلاف الجوي العمليات الديناميكية الحرارية للأرض وتؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة. فإنها تستمر بتسخين الكوكب حتى لو أوقفنا على الفور جميع انبعاثات الكربون الجديدة. وقد أدى ارتفاع مستويات الكربون بالفعل إلى ارتفاع درجات الحرارة في القطب الشمالي بمقدار 4 درجات مئوية، ما تسبب بفقدان 75 في المئة من حجم الجليد الصيفي هناك. وبما أن مياه القطب الشمالي الأكثر دفئاً تعمل الآن على ذوبان الغطاء الجليدي الهائل المجاور في غرينلاند بمعدل سبع مرات أسرع مما كان عليه في تسعينيات القرن الماضي، فذلك يؤدي بدوره إلى رفع مستويات سطح البحر العالمية أسرع مما كان متوقعاً.

وكان السير ديفيد قد دعا إلى مبادرة تم إطلاقها في مؤتمر باريس للمناخ عام 2015 لإنشاء صندوق ابتكار مناخي بقيمة 30 مليار دولار، من قبل 30 دولة على استعداد لاتخاذ إجراءات أكثر جذرية. وتم بالفعل تأمين ثلاثة وعشرين مليار دولار منها، على أمل أن يتم تمويل المبلغ المتبقي البالغ 7 مليارات دولار من قبل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.

وطالب العالم البريطاني الشهير بزيادة ضريبة الكربون العالمية تدريجياً إلى 150 دولاراً، ولكن عندما أشار إلى الصعوبات السياسية لتنفيذ مثل هذه الضرائب المرتفعة على الكربون في البلدان الفقيرة، وبأنها كانت بطيئة جداً في ضوء حالة الطوارئ، عاد ليناقش بدلاً من ذلك كيفية تحويل مبلغ 5 تريليونات دولار خُططت لمشاريع الوقود الأحفوري الجديدة خلال العقد المقبل على مصادر الطاقة المتجددة. ومن وجهة نظره، لكي يتم تفعيل ذلك، يجب على البنوك المركزية أن تفرض على الفور إنهاء كل هذه الاستثمارات الجديدة في الوقود الأحفوري. معتبراً أن تحويل هذا المبلغ الضخم بعيداً عن استثمارات الوقود الأحفوري القذر إلى توفير الطاقة المتجددة، واتخاذ إجراءات لإزالة الكربون، يمكن أن يوفر بصيص أمل في عالم تم فيه بالفعل تجاوز بعض نقاط التحول المرعبة.

انعكاسات مخيفة
وفي معرض حديثنا عن ذوبان الجليد في القطبين، لا بد لنا أن نستفيض قليلاً في الشرح عن الانعكاسات الخطيرة لها. فقد أفضت دراساتٍ حديثة إلى أن ذوبان الجليد في القطب الجنوبي قد يتسبب في تفاعلاتٍ متسلسلة، تؤدي إلى تغير حالات الطقس في أنحاء العالم. مفيدةً أن استمرار ارتفاع درجة حرارة الأرض، سيجعل القطب الجنوبي أكثر تعرضاً لتغير المناخ، حيث ستتغير أنواع الرياح مع زيادة هطول الأمطار، وهو ما سيسرع على الأرجح في ذوبان الجليد.

وتشير بعض الدراسات إلى أن مستوى ثاني أكسيد الكربون ودرجات الحرارة خلال "العصر الميوسيني" الممتد بين 13 و17 مليون سنة من الزمن الجيولوجي، كانت مماثلة لتلك التي من المتوقع أن تصل إليها الأرض بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين. مضيفةً أن هطول الأمطار الإضافية في القطب الجنوبي لا يتعلق بالتأثيرات المحلية وحسب، بل وبالتأثيرات العالمية أيضاً، إذ أن هطول الأمطار الجديدة يمكن أن يؤدي إلى زيادة المياه العذبة في المحيطات، ويؤدي بالتالي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر.

كما خلصت محاكاة حاسوبية رقمية لظاهرة الاحتباس الحراري قام بها خبراء من معهد "بوتسدام" الألماني لبحوث التأثيرات المناخية، وجامعة "كومبلوتينسا" في مدريد.. إلى أن ارتفاع حرارة الأرض قد أضرّ بالغطاء الجليدي لأكبر جزيرة بالعالم، وهي جزيرة غرينلاند التابعة للدنمارك، بشكلٍ أكبر مما كان يُعتقد في السابق. وتوقعوا أن يذوب جليد الجزيرة بشكلٍ كامل عند تجاوز درجة حرارة الأرض عتبة تقع بين 0.8 و 3.2 درجة مئوية. وبذلك سترتفع مستويات البحار لبضعة أمتار في حال ذوبان كل جليد الجزيرة، الواقعة بين منطقة القطب الشمالي والمحيط الأطلسي شمال شرق كندا، والبالغة مساحتها أكثر من مليونين و166 ألف كيلومتر مربع، وقد يؤثر ذلك بالتالي على حياة ملايين الأشخاص في العالم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها