الأربعاء 2022/01/19

آخر تحديث: 14:40 (بيروت)

نقيب المعلمين يسير في جنازة التعليم

الأربعاء 2022/01/19
نقيب المعلمين يسير في جنازة التعليم
لن تتحمل عشرات آلاف العائلات كلفة التعليم الخاص (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease

يسود القلق أوساط أولياء الأمور بعد الزيادات غير القانونية التي تطالب بها إدارات المدارس الخاصة غير المجانية، والملفت أن الزيادات الصادرة عن الإدارة المدرسية تكون مرفقةً ببيان توضيحي يبرر الأسباب، وأنه اتفاق تسوية بين الإدارة ولجنة المعلمين في المدرسة، وأحيانًا لجنة الأهل الخاضعة للإدارة. ملخص البيان أن المعلمين مضربون، ويطالبون بمعونة اجتماعية قيمتها 100 دولار أميركي، و65 ألف ليرة بدل نقل، والدرجات الست مع مفعول رجعي عن السنوات الخمس السابقة، وأن إدارات المدارس ستنصاع لهذه المطالب، لتيسير العام الدراسي ولمصلحة التلامذة.

اتفاق وتنصّل
كل المؤشرات تدل على اتفاق واضح بين نقيب المعلمين رودولف عبود والأب يوسف نصر، أمين عام المدارس الكاثوليكية، حيث ينال المعلمون متأخرات القانون 46، ويحصلون على دعم اجتماعي، وبدلات نقل مقابل أرباح إضافية للمدارس، للحيلولة دون إضراب المعلمين المزعوم. أمّا تمويل هكذا اتفاق، فمن جيوب أولياء الأمور في مناطق محصورة، حيث يستثمر النقيب حيثيته النقابية والسياسية في منطقة المتن وكسروان، بالتوافق مع حيثية الأب نصر بين المدارس الكاثوليكية ومن يتبعها، للوصول إلى هذا الاتفاق. لم تنضوِ إدارات مدارس الحكمة والفرير ومعلموهما إلى هذا الحراك. ولم يصدر أي بيان عن المعلمين في مدارس المحافظات الأخرى غير المتن وكسروان! في الوقت الذي يتنصل كل من الأب نصر والنقيب عبود من أي مسؤولية، ويعتبران أن هذا التدبير غير قانوني، لكن عليهما احترامه، لأنه اتفاق بين المعلمين وإدارات المدارس. وسعيهما يرتكز على تكريس هكذا اتفاقات لتعميمها خلافًا للقانون، كما حصل في العام 2012 بإدراج بند "سلفة على أي زيادة مرتقبة" غير القانوني على بنود الموازنات المدرسية. 

أرباح غير قانونية
شكلًا، كانت النقابة تسعى لتحصيل حقوق المعملين في الدرجات الست منذ 2017، إلا أن اتحاد المؤسسات، وعلى رأسها الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية، تمنّعت عن تطبيق القانون 46، وألزمت وتواطأت مع الوزارة لتعطيل مفاعيل القانون 46 كما على صندوق التعويضات الخاص بالمعلمين. أضرب المعلمون مرات عدة خلال السنوات الخمس الماضية. إلا أن أي إضراب لم يأت بمفعول لجهة تنفيذ القانون. وبقدرة قادر اليوم، وبعد بيان لروابط المعلمين في جبل لبنان والمتن وكسروان مدعومًا ببيان النقابة، وإضراب ليوم واحد في بعض المدارس الكاثوليكية في المتن وكسروان، إنصاعت إدارات المدارس وقررت تلبية طلبات المعلمين. وبحجة طلب المعلمين معونة 100 دولار، بدأت المدارس بفرض زيادة نحو 40 دولارًا على التلميذ الواحد. وبحسبة بسيطة نعرف أن المبلغ المتراكم سيشكّل فائضًا بنحو 50% ستذهب إلى إدارات المدارس كأرباح، تقدّر بمئات ألوف الدولارات حسب عدد التلامذة. (عدد التلامذة في الشعبة 30، عدد المعلمين للشعبة 1.5 إلى 2 معلّم وإداري، 40x30= 1200$ شهريًا يتقاضى المعلمون 200 دولار شهرياً. إذاً، هناك فائض 1000 دولار شهريًا عن كل شعبة مجهولة المصير).

يبرر الأب نصر الفائض أنه سيغطّي كلفة المحروقات والمشتريات بالدولار، وأن إحدى المدارس لديها مصارفات بقيمة 800 دولار يوميًا بدل مازوت! وبحسبة بسيطة أيضًا، كلفة تشغيل مولد كهربائي متوسط 20 ليتر مازوت في الساعة (1000 ليتر مازوت 680 دولار أميركي)، دوام عمل المدرسة 8 ساعات، وأيام التدريس الفعلية 80 يوماً (حسب قرار الوزير المجذوب) نزيد عليها 20 يوم عمل للإدارة. الحسبة بسيطة توصلنا إلى كلفة مازوت وصيانة المولّد لا تتعدى 15 ألف دولار سنويًا، ومبلغ أقل للتدفئة وبضعة آلاف للقرطاسية ومواد تنظيف وغيره. 

من هم الشياطين؟
الاتفاق واضح وعبّر عنه نقيب المعلمين في السابق حين قال "لا يهمنا من أين تأتي المدارس بالمال لدفع حقوق المعلمين، سنأخذها حتى لو أتت من الشياطين". والشياطين هنا هم أولياء الأمور، نسبة كبيرة منهم تتعدّى 50% انتقلوا من الطبقة الوسطى إلى طبقة الفقراء، لا سيما أن 40% من أولياء الأمور في المدارس الخاصة هم موظفو القطاعين العام والخاص، يستندون إلى المنح المدرسية، بينما رواتبهم لم تتغيّر بشكل يسمح لهم دفع زيادات كبيرة. فمن له ولدان أو ثلاثة في المدرسة الخاصة سيدفع راتبه كاملاً كل شهر للحصول على تعليم في المدرسة الخاصة، حيث لا خيار آخر لديه مع استمرار تعطيل المدرسة الرسمية أو الشكوك بجودة التعليم فيها.

تصر المدارس الكاثوليكية على تجاوز القانون (خلافًا لما تصرّح به) الذي يمنع زيادة الأقساط قبل إقرار الموازنات المدرسية من قبل الإدارة ولجنة الأهل معًا، ولا قيمة لأي اتفاق بين المعلمين والإدارة وحتى لجنة الأهل قبل عرض الموازنة وإقرارها بشكل قانوني، وموافقة مصلحة التعليم الخاص عليها، مما يعطي الحق للأهل التمنّع عن دفع أي زيادة. وهذا ما سيحدث باستثناء بعض الخروقات هنا وهناك. مما سيؤدّي إلى تجديد الدعوة للإضراب بحجة أن أولياء الأمور لم يلتزموا بدفع المستحقات، لتتحوّل المعركة إلى نزاع بين الأهل والمعلمين، وتحييد إدارات المدارس التي تجني أرباحًا غير قانونية من أبسط الأمور.

انحلال التعليم
كل المعطيات تشير بوضوح إلى انحدار التعليم وجودته في لبنان، هو قطاع يموت. فالحكومة ليست مدركة لمصير التعليم، يساندها في عملية القتل القطاع الخاص. وبرامج وخطط الوزارة والمركز التربوي غير كفوءة ولا علمية. ولكن اليوم نرى أن سلوك نقيب المعلمين يساهم في قتل قطاع التعليم الخاص وانحلاله، بالتعاون مع المؤسسات التربوية الكبرى، التي تنتهز الفرص لزيادة أرباحها من أجساد الفقراء الجدد. لن تتحمل عشرات آلاف العائلات كلفة التعليم الخاص وستبحث عن بدائل أكثر عدالة وأقل كلفة. والمشهد برمته سيتغيّر في لبنان. لن يحصل على التعليم إلا نسبة 20% ممن يستطيعون إليه سبيلاً. والمشهد المؤذي أن نرى نقيب المعلمين المؤتمن على مصلحة المعلمين يسير في جنازة التعليم وإنحلال مهنة المعلّم. فهو نتاج مجلس نقابي على شاكلة الحكومة ومجلس النواب، يشكل معهم أداة تدمير مقومات البلاد من خلال قرارات لا يرون منها إلا حلولًا آنية ومصلحية، من دون البحث في آثارها الاقتصادية والاجتماعية على مستقبل البلد والأجيال. بل يسيرون في الجنازة متفائلين بتحقيق انتصار وهمي على حساب مستقبل البلد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها