السبت 2022/01/15

آخر تحديث: 12:40 (بيروت)

أنور رسلان ومروان حبيب وسائر الجرائم: العدالة في الخارج

السبت 2022/01/15
أنور رسلان ومروان حبيب وسائر الجرائم: العدالة في الخارج
تحقيق العدالة في قضايانا داخل البلاد، بعيد المنال (Getty)
increase حجم الخط decrease

العدالة لا تمرّ من طريق بلاد الشّام، فهي مقطوعة تماماً. وترجم ذلك هذا الأسبوع مرّتين. الأولى، عند اعتقال المتحرّش من الجنسية اللبنانية مروان حبيب في الولايات المتّحدة منذ أسبوع، والثانية، عند الحكم على الضابط السّوري أنور رسلان، الذي قتّل وعذّب المعتقلين السوريين لسنوات عديدة، بالسّجن المؤبّد في ألمانيا.

قضاء السلطة
أدركت شعوبنا اللبنانية والسورية خصوصاً، أن العدالة تتحقّق خارج الحدود البريّة والبحرية والجويّة لهذه البلاد. فالقضاء هنا في لبنان منغمس أو محاصر بالتدخلات السياسية والمحصاصات. أمّا في سوريا، فحدّث ولا حرج، إذ أن السلطة والجيش والقضاء والمؤسسات تحت مظلّة نظام واحد بعثي.

رغم الشكاوى العديدة ضد المتحرّش مروان حبيب لدى المخافر والقضاء وبروز الأدلّة بالكاميرات المصوّرة، عدا عن الشّهود الذين أوضحوا الأمر في حلقات تلفزيونية، إضافة للحملات المناهضة له على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنّه بقي حرّاً يسرح ويمرح داخل الاراضي اللبنانية.

الأمر اتّخذ أبعاداً إضافية. فعندما كان موقوفاً رهن التحقيق في مخفر حبيش، أكّدت مصادر عدة أنّ ثمّة تدخلات سياسية ساهمت باطلاق سراح حبيب. وسمح له بالتجوال واستكمال حياته بشكل طبيعي، إلى أن وقع في قبضة القضاء الأميركي حيث لا رجوع ولا واسطة ولا وجود للتيارات والأحزاب السياسية.

شاء القدر أن يقع أنور رسلان، الذي سافر الى المانيا كلاجئ ومكث في أحد المخيمات، ان يقع في قبضة الناشط الحقوقي أنور البني الذي كان قد عذّبه رسلان. كان البني على يقين أن سفينة رسلان رست في المكان الصحيح. بقاء رسلان في سوريا، حتى وإن أصبح منشقاً عن النظام، لن تطاله العدالة. لكن في ألمانيا الأمر مختلف.

قام البني بكل الإجراءات القانونية اللازمة، وساعده عدد من الناشطين في ألمانيا، إضافة إلى الشهود الذين وقعوا يوماً ضحية رسلان. وحصل ما حصل، فاستمعت المحكمة الإقليمية في ألمانيا لأصوات الناجين من جرائم رسلان، وانتهى به المطاف من جلسة إلى أخرى حتى الحكم الأخير.

فرحة الشعوب
احتفل السوريون بمحاكمة رسلان، وابتهج اللبنانيون باعتقال حبيب. وكأنّ شيئاً ما أبرد النار في قلوبهم. فرحوا انتقاماً وشماتة أو انتصاراً لعدالة.

عائللات سوريّة مهجّرة ولاجئة في ألمانيا اتّجهت نحو مدينة كوبلنز حيث المحكمة الإقليمية التي اصدرت الحكم بحق رسلان بعد سنتين من التحقيقات، وهم يعلمون يقيناً أن في بلاد القانون لا يضيع حق، حتى وإن كان المحكوم عليه أهم ضابط في الجيش، أو رئيساً للجمهورية.

وبعد الاطلاع على المستندات وكل الأدلّة القانونية بتعذيب السوريين في مركز أمني في دمشق، واتهامه بقتل ما يقارب 58 معتقلاً، أصدرت المحكمة الأقليمية أو محكمة كوبلنز الحكم بالسجن المؤبّد، معتبرة أنّه حصد ما زرع في السنوات الماضية.

أمّا في لبنان، فاجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي صور وتقارير للمتحرّش مروان حبيب، الذي أبلغت عنه العديد من الناجيات، لحظة اعتقاله في الولايات المتّحدة الأميركية بالتّهمة عينها. كما أنّهم شعروا بالقوّة أكثر بعدما سأل القاضية إن كان يستطيع دفع كفالة مقابل إطلاق سراحه، فردّت عليه قائلة أنّه لن يبيت في المنزل.

انفجار المرفأ: لا عدالة
ما حصل خلال أسبوع يجعلنا ندرك أنّ تحقيق العدالة في قضايانا، من الاغتيالات إلى قضية تفجير مرفأ بيروت الذي راح ضحيته أكثر من 200 شخص وجرح أكثر من 6000 كما هجّر ما لا يقل عن 300 ألف عائلة، بعيد المنال، رغم إصرار المحقّق العدلي في هذه القضيّة طارق البيطار على الاستمرار، متجاهلاً العقبات.

السياسيون المتّهمون، أو المطلوبون إلى التحقيق، يطلّون على اللبنانيين من وراء شاشة التلفزيون، يستقبلهم الإعلاميون، ويُفتح لهم هواء البث، بمساحة واسعة ليدافعوا عن أنفسهم. فيما مذكرات التوقيف لا تتجرأ القوى الأمنية على تنفيذها بحق نواب ووزراء سابقين.

فهل على اللبنانيين الانتظار حتى يتشرّد أو يسافر أحد هؤلاء المتهمين إلى دولة أوروبية؟ أن يعبر الحدود اللبنانية -وهو متّهم بتدمير عاصمة بأكملها- بسلاسة، إلى أن تهبط الطائرة في المانيا أو فرنسا أو الولايات المتحدة، حتى تُقدّم الأوراق القانونية ويساق إلى المحكمة؟

ماذا لو أرسلنا هذه المجموعة المتّهمة مع القاضي البيطار إلى تلك البلاد؟ أو رفعنا هذا الملف إلى محكمة دولية أو إقليمية؟

ربما لن تسلك قضية المرفأ طريق العدالة في الدول الغربية. وسيبقى اللبنانيون عموماً وأهالي الضحايا خصوصاً منتظرين على أحرّ من الجمرّ القرار الظنيّ بعد التخلّص من طلبات الرّد ضد القاضي طارق البيطار والقاضي نسيب إيليا وبقية زملائهم.

سنبقى منتظرين.. مع ذاك الأمل بالعدالة، على مثال مصير رسلان وحبيب.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها