إنه واحد من الشبان الذين لديهم الكثير من الوقت في طوابير الانتظار، ويحاولون استغلاله علّهم يحصلون على ما يعوض تلك الأوقات الضائعة تحت الشمس.
تحاول الغرق في هاتفها، متحاشية أن تلتفت إلى الشبان المحيطين بسيارتها، وأن تتصرف كأنها لا تبصر شيئاً، وغير مرئية أيضاً. تفاجئها بعد قليل طرقات خفيفة على زجاج النافذة، فتضطر لفتحها "مرحباً أنا داوود"، يقول شخص النافذة المفتوحة، فتسند رأسها إلى المقود. ترى وجه الشاب من قرب ويكاد يتجاوز حدود النافذة بابتسامته البلهاء، كأنه ينتظر منها رداً ما. تفقد أعصابها: "داوود من؟ من داوود؟ لا أعرف"، تقول، فيتابع الوجه القريب: "هوني عليكي يا مدام"، ثم يبتعد مغادراً، ويردد قائلاً: "مشلّفة".
أنت جميلة وأنا جاهز
تكاد رحلتها أن تنتهي. خطوات قليلة تفصلها عن خراطيم محطة البنزين لملء خزان سيارتها. يخرج أحد العاملين في المحطة ملوحاً بيديه عالياً: "لا بنزين، فرغت الكمية في خزان المحطة". يبدأ المصطفّون في الطابور خلفها بالتأفف. يرتفع صوت أحدهم بالشتائم، ثم يبدأون بالانسحاب واحداً واحداً، وغداً يوم آخر.
تنظر إلى مؤشر الوقود في سيارتها، يبرز الضوء الأحمر. تترجل من السيارة، وتقترب من صاحب المحطة، تلتمس منه القليل من الوقود للعودة إلى البيت، لكنها لا تسمع سوى عبارات اعتذار.
فقدت الأمل ودخلت إلى سيارتها. يقترب منها أحد العمال ويعرض عليها بكل تهذيب أن يساعدها على ملء سيارتها من محطة يعمل فيها قريب له: "المحطة قريبة من هنا"، فتوافق. يصعد الشاب إلى جانبها في السيارة وينطلقان. على الطريق يعطيها رقم هاتفه ويعرض عليها أن يملأ سيارتها كلما احتاجت. يبدو العرض مغرياً والشاب مهذب، توافق، وتشعر بالارتياح. حال وصولهما إلى المحطة تبصر طابوراً طويلاً. يطلب منها الشاب أن تتجاوز السيارات المصطفة في الطابور، وتمر عبر البوابة المخصصة لغسل السيارات.
فيما هي تتجاوز البوابة يقول الشاب: "أسكن قريباً من هنا، عندك رقم تلفوني، اتصلي بي في أي وقت، أنا جاهز لك". تضغط بقدمها على الفرامل، فيتابع الشاب: "لا تفهمي خطأً. أنت جميلة". تبقى صامتة لبعض الوقت. ترتبك، تطلب منه الخروج من السيارة، فيفعل. وكان مؤشر الوقود قد وصل إلى النقطة الصفر.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها