طرابلس وعكار: حرمان شامل.. والأحزاب تبدأ حملاتها الانتخابية بالمساعدات

لا يوحي العبور في طرابلس ومحيطها الشمالي، أن تشكيل حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي، أحد زعمائها الأثرياء، انعكس إيجابًا وارتياحًا في الشارع.  

وما هي إلا أيام قليلة، حتى تبددت مفاعيل فوز زعيم المدينة برئاسة الحكومة، وتقدّمت هموم أهلها، بعدما وجدوا أنفسهم في معركة سحق طبقية، عنوانها العجز عن شراء حاجات العيش والبقاء.  

تداعيات الوقود 
وفي الشمال حيث تطغى عمالة المياومين، ويطال الفقر أكثر من 70 في المئة من الأسر، تتصاعد المخاوف كلما اتخذت السلطات قرارًا برفع إضافي لدعم المحروقات، وما يتبعه من غلاء كبير في أسعار السلع الأساسية؛ خصوصا أن كلفة التنقل اليومية صارت أعلى من أجر مياوم يتقاضى نحو 30 ألفا لا تكفي لشراء فطور أبنائه.

وعلى مسافة أيام من نهاية أيلول، يترقب الأهالي التسعيرة الجديدة لمولدات الكهرباء الخاصة. لذا، عمد البعض إلى قطع خطوط اشتراكاتهم لدى تداول أخبار عن أن تسعيرة 5 أمبير لن تقل عن مليون و200 ألف ليرة، فيما قنن بعض أبناء الأحياء الشعبية حصتهم إلى 2 أو 3 أمبير كحد أقصى.  

الحرمان من البطاطا
وفي السوق يعبر الرجال والنساء وسط أرتال من صناديق الخضر والفاكه والحشائش، ويتبعون كالتائهين الأسعار الملصقة على الكراتين، مستمعين لنداءات الباعة. وتستنكر إحدى السيدات بغضب سعر كيلو البطاطا البالغ 10 آلاف ليرة وكذلك البندورة، وتقول: "حرمونا من الدجاج واللحوم والآن من البطاطا".  

وأمام محطات الوقود المقفلة، المشهد على حاله: طوابير السيارات تقف لساعات في انتظار وصول صهاريج البنزين، أو لأن جزءًا كبيرًا من أصحابها امتهنوا الوقوف لتعبئة خزاناتهم، ومن ثم تفريغها في غالونات وبيعها بضعف سعرها الرسمي. ففي طرابلس وعكار، ما زالت السلطة المطلقة على المحروقات للمحتكرين وتجار السوق السوداء.  

وزارة الطاقة والبلدية
ويستمر شح الوقود شمالًا رغم دخولها مرحلة تحرير أسعارها. وبحسب معلومات "المدن"، ثمة تقاذف للمسؤوليات، وخصوصا أن وزارة الطاقة لم توافق أن تكون بلدية طرابلس مشرفة على عملية توزيع المحروقات، وسط شكوك في أداء منشآت النفط في طرابلس، واتهامها من قبل البعض أنها لا تضمن توزيعاً عادلا للمازوت.  

وهكذا، بقي المواطنون تحت سطوة السوق السوداء، حيث تباع غالونات البنزين (المغشوشة غالبا) على الطرقات من دون أي ملاحقة قانونية. حتى أن بعض المحتكرين في عكار، بدأوا عرضها ملصقة عليها أسعارها، للمضاربة بينهم، ويتراوح سعر الواحد منها بين 165 ألف إلى نحو 250 ألف ليرة.  

مازوت إيران 
ويحيي ذوو ضحايا انفجار التليل العكارية ذكرى مرور 40 يوماً على مقتل أبنائهم، ويبدو أن تلك الجريمة الدامية التي أودت بحياة أكثر من 30 شابًا احتراقًا بين مدنيين وعسكريين، يجري تمييعها قضائيًا، إذ لم تصدر أي معطيات جديدة حول التحقيقات في الجريمة.  

لكن التطورات السياسية، ومن بوابة المساعدات، تطغى في عكار. فبعد نحو أسبوعين من توزيع  حزب الله مبالغ مالية ومساعدات عينية على ذوي ضحايا انفجار التليل، وصل السبت أول صهريج من شركة "الأمانة للمحروقات" محملًا بالمازوت الإيراني، وجرى توزيعه على عدد من أفران بلدات الحيصا، والتليل، وشربيلا، وعكار العتيقة.  

وحمل الصهريج نحو 18500 ليتر من المازوت، ومن المنتظر أن تتبعه صهاريج أخرى لتوزيعها على مؤسسات صحية وإنسانية ومولدات خاصة في عكار.  

ولدى تواصل "المدن" مع بعض بلديات عكار، نفت علمها بوصول الصهريج، ووضعتها في إطار "الطلب الشخصي" من قبل الأفران والمؤسسات الخاصة التي تواصلت مباشرة مع شركة الأمانة.  

حملات انتخابية 
وإذا كان البعض يعتبر أن حزب الله يتسلل إلى مناطق ومحافظات خارج سيطرته الحزبية والطائفية، بدأت تنشط تيارات وأحزاب عكار بحشد حملاتها الانتخابية، مستغلة الأزمات الصحية والمعيشية وشح المحروقات لتوسيع نطاق نفوذها.  

وبحسب المعلومات، فإن تيار المستقبل بدأ التحرك في عكار عبر نوابه ومحازبيه الذين يسعون لشد العصب الطائفي والمناطقي، ومثله يفعل بهاء الحريري عبر شخصيات تدور في فلكه، وكذلك تنشط شخصيات مقربة من حزب الله وحلفائه تحضيرًا للانتخابات. وفي هذا الوقت يشكو أهالي الشمال من الانقطاع المتواصل لشبكات الاتصال وضعف الانترنت، نتيجة الأعطال المتواصلة في أوجيرو.  

أما الأطفال والمراهقون الذين يملأون الشوارع للعب والشغب والشجار، هربًا من التقنين والحرمان في منازلهم، فيعكس أن مئات الأسر في الأحياء الشعبية، لم تعد معنية ببدء موسم العام الدراسي، بعدما صار التعلم والوصول إلى المدرسة، حكرًا على فئات محدودة من دون سواها.