الأربعاء 2021/08/25

آخر تحديث: 19:33 (بيروت)

طلاب عراقيون بجامعات الدكاكين: شهادات دكتوراه بـ"فريش دولار"

الأربعاء 2021/08/25
increase حجم الخط decrease
هل هناك أفضل من لبنان للطلاب العراقيين (وربما غيرهم) للحصول على شهادات جامعية وبدرجات علمية تتراوح من شهادة الليسانس وصولاً إلى الدكتوراه، في بلد يوجد فيه أكثر من أربعين دكانة جامعية خاصة؟ الجواب الحتمي لا. فبفعل انهيار العملة وحاجة الدكاكين للدولار الطازج لا مثيل للبنان بين الدول العربية. يستطيع الطالب العراقي الحصول على الشهادة الجامعية حتى من دون عناء المجيء إلى لبنان. 

التخرج عن بعد
ظاهرة غريبة تحدث في وزارة التربية، التي تتدفق عليها طلبات كثيرة لطلاب عراقيين لنيل الشهادة الجامعية من بعض الجامعات الدكاكين في لبنان. حتى أن عدد الطلاب المسجلين وصل إلى 24 ألف طالب عراقي معظمهم لم يزر لبنان حتى، ويتابعون دروسهم من بعد. 

وتشير مصادر خاصة بـ"المدن" إلى أن هذه الظاهرة لا تقل فداحة عن الفضيحة التي حصلت في وزارة التربية في ملف الجامعات الدكاكين، التي كانت تخرج الطلاب وتبيع الشهادات من دون حضور الطالب حتى ليوم واحد إلى الجامعة. وأدت إلى الإطاحة بمدير التعليم العالي الأسبق أحمد الجمال. بدأت حينها ببعض الطلاب العراقيين وتوسعت مع الوقت لتصبح باباً للتجارة بالشهادات في هذه الأيام، وخصوصاً في السنتين الفائتين، بذريعة كورونا.

ظاهرة تخرج الطلاب من بعض الجامعات كانت ملفتة، ولم يحضر أي طالب منهم إلى دوائر الوزارة لتعديل شهادة الثانوية العامة، كي يتسنى له التسجيل في الجامعات اللبنانية، بل يقوم سماسرة بكل هذه الأمور اللوجستية.

شبكة عراقية لبنانية
ووفق المصادر، ثمة قانون في العراق يلزم العراقيين الذين يريدون تبوء منصب مهم في إدارات الدولة الحصول على شهادة جامعية. ولأن لبنان بات منذ سنتين من أرخص الدول العربية في مجال التعليم بسبب انهيار العملة، وجدت شبكات فساد عراقية-لبنانية طريقاً لهؤلاء الطلاب، لشراء الشهادات الجامعية من لبنان، تحت مسمى التعليم من بعد. 

ربما هناك طلاب عراقيون يأتون إلى لبنان للتعلم ويفضلون العلم في لبنان، وخصوصاً في جامعاته المرموقة، وقد تراجعت هذه الظاهرة بسبب المشاكل السياسية والاقتصادية والأمنية. لكن ما يحكى عنه في دوائر وزارة التربية يتخطى مسألة العلم والتعليم، بل إن الأمر يدار من قبل شبكة فساد لبنانية عراقية، تسهل المرور للوصول إلى الشهادة. حتى أن طلاباً يدفعون رشاوى في وزارة التربية تصل إلى نحو ألف دولار لتسهيل معاملاتهم وعدم تكبد عناء المجيء إلى لبنان. 

وتلفت المصادر إلى أن مسؤولين عراقيين توسطوا لدى بعض الوزراء والشخصيات النافذة في لبنان لتسهيل أمور الطلاب العراقيين لاستقطاب المزيد منهم، خصوصاً أنهم يزودون البلد بالعملة الصعبة، وذلك بعد صدور قرار يلزمهم بالحضور إلى لبنان. وطبعاً من الصعب رفض طلبهم طالما أن لبنان بحاجة للنفط العراقي والدولار الطازج الذي يدفعه الطلاب. خصوصاً أن هناك أكثر من 15 ألف عراقي يتحضرون للتسجيل في بعض الجامعات الخاصة المصنفة لبنانياً كدكاكين جامعية (إحداها مصنفة ضمن الجامعات الإحدى عشرة الأولى). 

وجهان للمسألة
لكن مصادر وزارة التربية أكدت لـ"المدن" أن لبنان كان مقصداً للعديد من الطلاب العراقيين للحصول على الشهادات من دون حتى الدخول إلى الجامعة. وحصلت فضائح أسوة بفضيحة حصول لبنانيين على الشهادات، منذ قرابة الخمس سنوات. وتمت معالجة المسألة بإلزام الطلاب الحضور إلى لبنان وعدم منح الشهادة لهم قبل إجراء مناقشة الأطروحة حضورياً.  لكن ربما هناك جامعات ما زالت تقوم بتخريج الطلاب من دون حضورهم إلى لبنان.

وأوضحت المصادر أن ملف الطلاب العراقيين له وجهان. الإيجابي يتمثل في اختيارهم لبنان وتخرجهم منه ومد الجامعات بالعملة الصعبة، حتى أن جامعات دربت عراقيين إداريين عبر تمويل من برنامج "اليو أس أيد" في لبنان لتسلم إدارات الدولة هناك. وبعض الجامعات تخرج الطلاب نظامياً ولا يوجد أي شائبة عليها. لكن الوجه السلبي هو استغلال البعض الفساد المستشري واستعماله كباب للتجارة. 

لكن مصادر "المدن" تؤكد أن هذا الملف كله فساد بفساد، ومن شأنه ضرب مستوى الشهادة الجامعية، أسوة بفضيحة بيع الشهادات التي حصلت منذ نحو خمس سنوات. لذا، صدرت توصية من إحدى الدوائر في وزارة التربية للتدقيق في ملفات هؤلاء الطلاب والتحقق من الجامعات. وصدر قرار يلزم الطلاب العراقيين بالمجيء إلى لبنان لتعديل شهادتهم بأنفسهم. وباتت دائرة المعادلات تشهد تزاحماً بين ما لا يقل عن أربعمئة طالب عراقي يومياً، منذ مدة. حتى أن القيمين على دائرة المعادلات تفاجؤوا بأن طلاباً كثراً لا يجيدون حتى ملء الاستمارة المطلوبة، كما تقول مصادر مطلعة في الوازرة. فكيف كان يتخرج أقرانهم في السابق من لبنان. ولماذا ترفض الجامعات المهمة قبول طلبات تسجيل طلاب عراقيين، ويقتصر الأمر على جامعتين معروفتين؟ ولماذا يصر البعض في الوزارة على التعتيم على الملف، تسأل المصادر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها