الإثنين 2021/08/23

آخر تحديث: 14:49 (بيروت)

"ولادي ما لازم ينسوا طعم اللحمة"

الإثنين 2021/08/23
"ولادي ما لازم ينسوا طعم اللحمة"
تستغني العائلات عن اللحوم في طعامها (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
"كنّا نتروق سودة نيّة كل يومين. اليوم عم نشتري بقايا اللحمة لنتذكر طعمتها". بهذه العبارة استهلت سلمى حديثها لـ"المدن". وسلمى ربة منزل في الخمسين، وأم لطفلين، وتعمل في سوبرماركت، وتتقاضى مليوناً و300 ألف ليرة راتباً شهرياً.

وهي بعبارتها هذه تعلن معاناة معظم فئات اللبنانيين اليوم، بعدما وصلت الأزمة إلى مائدتهم. وأضافت أنها كانت في السابق تشتري اللحمة يومياً، فباتت تقصد اللحام مرة واحدة كل أسبوعين، بسبب ارتفاع أسعار اللحوم ارتفاعاً جنونياً. وتقول إنها صارت تستعمل بقايا اللحوم والعظام في طبخاتها للحصول على النكهة. واستبدلت المأكولات التي تحتوي اللحم، بمأكولات من الحبوب والخضر.

و"اللحمة ما فاتت ع بيتي من حزيران الماضي"، قالت منى. وهي لاجئة سوريّة عاطلة عن العمل، وتعتمد على مدخول زوجها الذي يعمل ناطوراً في أحد مباني ضواحي بيروت. وأضافت: "كنت أشتري لحمة بـ 7000 ليرة لطبختي، اليوم طبخاتي كلها تخلو من اللحمة، وكل يومين مناكل فلافل. وهي خفيفة عالجيبة وبتسند القلب".

تبدل عادات الطهي
ووفقاً لشهادات أمهات تحدثن إلى "المدن"، تبدلت عاداتهن البيتية بسبب الأزمة. فخلت موائدهن العائلية من اللحوم، وصارت تعتمد على البطاطا والعدس وسواها من الحبوب.

ويتحدث اللحامون عن تغير كبير في معايير الزبائن: ما عادوا يهتمون بجودة اللحوم ونوعيتها، بل بأسعارها في الدرجة الأولى. وصاروا يبحثون عن بقايا اللحوم والعظام، ولو بكميات قليلة لاستعمالها في "تنكيه" الطعام.

وأقبل كثيرون على شراء اللحوم المثلجة من السوبرماركت، بدل الطازجة. فالمثلجة تتدنى أسعارها، رغم مخاطرها الصحية المعروفة، بسبب انقطاع التيار الكهربائي أوقاتاً طويلة. هذا فيما يقدم بعض محال اللحوم على غش المستهلك، فيبيعون لحوماً مجمدة باعتبارها طازجة، بعدما يتركونها خارج البرادات، وذلك لتحقيق الأرباح مضاعفة. ومنهم من يخلط اللحوم الطازجة بالمجمدة بعد تذويبها للتخفيف من الخسائر.

"ولادي ما لازم ينسوا طعم اللحمة"، قالت سمر وهي مدرّسة وأم لأطفال ثلاثة، وكانت زبونة يومية لمحل اللحوم، التي صارت تشتري منها اليوم العظام، فتسلقها مع كمية صغيرة من اللحمة، وتستعمل المرق في الطهي للحصول على نكهتها.

وتضيف أن عدداً كبيراً من أصدقائها استغنى عن اللحمة في الطبخ، فباتت طبخة الفاصوليا خالية منها، وباتت صينية الكفتة والبطاطا تقتصر على خضر مشكلة.

أزمة اللحامين
والأزمة طالت اللحامين أنفسهم بسبب انخفاض الطلب. يقول أحمد، وهو صاحب ملحمة متواضعة في البسطة التحتا، إن هذه الأزمة قضت على رزقه. وتراجع عمله بنسبة 90 في المئة عما كان عليه سابقاً، عندما كان يذبح يومياً عجلاً ويبيعه لزبائنه. لكنه اليوم يقتسم عجلاً واحداً مع 5 ملاحم. ويضيف أنه اعتمد على اللحوم المدعومة التي كان يشتريها من شركة سليمان للمواشي، التي ظلت تبيع اللحمة المدعومة حتى لفظت أنفاسها. وبعد التوقف عن دعم اللحوم، لم يعد بإمكانه مواكبة موجة ارتفاع أسعارها، فأقفل ملحمته، وخصوصاً بعد نفاد المازوت لتشغيل براداته.

أما صاحب ملحمة كساب في الضاحية الجنوبية، فلم يُؤثر الوضع على ملحمته تأثيراً كبيراً. فمبيعاته تراجعت بنسبة 20 في المئة فقط، رغم رفعه الأسعار ليستمر محافظاً على النوعية لإرضاء زبائنه. ولا ينكر بأنه خسر زبائن كثراً، لكنه حافظ على عدد لا بأس به من الزبائن المقتدرين مادياً والذين يتقاضون رواتب بالدولار الأميركي، ويشترون اللحوم بأسعارها الجديدة  العالية. وهو لم يشترِ اللحوم المدعومة بسبب فرض كمية معينة لكل ملحمة. وهو اعتمد على اللحوم الأوروبية والإسبانية التي يستوردها تاجر كبير في لبنان بالدولار الأميركي. وتُسعَّر حسب تقلبات سعر الدولار.

ولم تنحصر الأزمة بأصحاب الملاحم والزبائن، بل طالت عمال الملاحم، فاضطر بعض أصحابها إلى تقليص عدد العمال ورواتبهم. وكثرة من الملاحم استغنت عن عمالها ليقتصر العمل فيها على أصحابها، نتيجة عدم قدرتهم على تحمل تكاليف العمال.

تغير الأسعار
ارتفعت أسعار اللحمة منذ بداية أزمة الدولار إلى اليوم. كان سعر كلغ لحم العجل 16 ألف ليرة لبنانية، وكلغ لحم الغنم 20 ألف ليرة قبل الأزمة. ومع بداية تدهور الليرة ارتفعت الأسعار، فوصل كلغ العجل إلى 20 ألفاً والغنم إلى 25 ألفاً. بعد ذلك عمدت الحكومة إلى توزيع اللحم المدعوم لتلبية حاجات المواطنين، ووُحّد السعر بنحو 45 ألفاً للعجل و100 ألف للغنم. لكن هذا الحل لم يدم طويلاً. فقد احتكر كثر من أصحاب الملاحم السوق وباعوا اللحم المدعوم بأسعار أعلى. وفقدان المدعوم من السوق، رفع الأسعار أكثر من مرة، فوصل كلغ لحم العجل إلى 150 -160 ألف ليرة، فيما ارتفع كلغ لحم الغنم إلى 250 ألف ليرة في بيروت، وإلى 350 ألف ليرة في الجنوب، بسبب كلفة المواصلات.

وكان عيد الأضحى علامة فارقة لدى اللحامين. يوضح أحدهم -وهو صاحب ملحمة كبيرة في الجنوب- الفرق بين عامي 2020 و2021. فقبل سنة "لم نستطع إقفال المحل يومين متتاليين بسبب ضغط العمل، حين ذبحنا حوالى 50 خاروفاً للعيد، ولم يستطع من التعطيل في العيد. أما هذا العام فقد ذبحنا أربعة خراف فقط. فالناس غير قادرين على شراء كلغ من اللحمة.

جوع القطط
ولم  تقتصر هذه الأزمة على الناس وحسب، بل طالت القطط التي كانت تتجمع أمام محال اللحامين منذ الصباح الباكر، ليكرمونها بقطعة لحم صغيرة. لكن القطط تطرد اليوم. إذ يندر أن يضحي لحام بقطعة صغيرة من لحومه.

فبقايا اللحوم باتت تُفرم وتباع للناس، بعدما كانت قوت القطط.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها