الأحد 2021/08/22

آخر تحديث: 13:03 (بيروت)

حرب أهلية على البنزين بالبقاع.. وزُمَرٌ تغزو محطات زحلة

الأحد 2021/08/22
حرب أهلية على البنزين بالبقاع.. وزُمَرٌ تغزو محطات زحلة
الفصل ليس مذهبياً فقط، بل طبقي ومناطقي بين القرى والبلدات المتجاورة (المدن)
increase حجم الخط decrease
تعم الفوضى قطاع بيع المحروقات، من بنزين ومازوت، في منطقة البقاع، لتتخطى مرحلة البيع بالسوق السوداء الى المطالبة بأمن ذاتي يحمي "فيدراليات الوقود". أمن يضمن حصرية استفادة أهالي كل منطقة من مخزون محطاتها حصراً.

عنصريات جديدة
والفصل المطلوب ليس مذهبياً فقط، بل طبقي ومناطقي عنصري، حتى بين القرى والبلدات المتجاورة. وما يثير "غريزة" هذا النوع الجديد من "الفدرلة"، هو نشاط تجارة السوق السوداء في مناطق الأطراف خصوصاً، ما يدفع أبناءها نحو مراكز الأقضية، حيث الدولة بأجهزتها الرقابية أقوى حضوراً.

ففي زحلة المدينة، تتعاظم النداءات لمثل هذا الفصل، بعدما ضاق صدر شبان زحليين من التعامل مع كميات المازوت المتبقية في محطات مدينتهم كـ"حق مكتسب لها ولسواها، فيما الزحليون لا يستفيدون من الكميات التي تخزنها المحطات في أي من قرى قضائها". وهذا ما اعتبر دافعاً للمطالبة بحجب مازوت المدينة عن "الغريب"، حتى لو اضطرهم ذلك إلى محاصرة "محطاتهم" بأجسادهم.

لكن هذا ليس وليد أزمة الأسابيع الأخيرة المستفحلة، بل يعود إلى بداية شح المازوت والبنزين في البقاع. وقد طُرح الأمر، وفقاً لمعلومات، على الأجهزة الأمنية، وطُلِبت مؤازرتها في الحد من تقاطر "السيارات الغريبة" إلى محطات زحلة. فرفضت الأجهزة الأمنية والمحلية ذلك، تداركاً للشرخ الذي يمكن أن يخلِّفه في النسيج الاجتماعي "المتنوع" في المنطقة. وخصوصا أن تنوع انتماءات أهالي زحلة الطائفية، لا يلغي غلبة وجهها المسيحي، الغارق في محيط مسلم، سني وشيعي.

فوضى "الغرباء" ورصاصهم
وترك هذا الواقع لدى شبان من مدينة زحلة شعوراً بـ"دونية"، فاقمها عدم التساوي بين الأهالي في قدرتهم على الوصول إلى خراطيم المحطات، التي تحاصرها يوميا مجموعات شبان امتهنوا تجارة السوق السوداء، وباتوا يسبقون أهالي زحلة إلى المحطات، ويبعثون فوضى تترك خزانات السيارات متعطشة للبنزين.

وهذا الضغط الذي يعيشه الزحليون يوميا، تطور مؤخراً إلى إشكالات وصدامات، يخشى المعنيون أن تخلف نفوراً وشقاقاً بين المناطق والطوائف.

أولى مؤشرات هذه الصدامات بدأت قبل أسابيع أمام محطة صادر في حوش الأمراء، حيث حاولت مجموعة شبان اجتياز شريط سيارات ممتد على مسافة طويلة، ليفرضوا على المحطة تزويدهم ما يريدونه من البنزين. ولدى معارضة أصحاب المحطة، أحضر الشبان رفاقهم، وروعوا الناس المنتظرين بإطلاق نار أصابت رصاصاته خطوط التوتر العالي.

وتكرر مثل هذه الحادثة، خصوصا في محطات منتشرة على أطراف زحلة. ما حمل ببعضها على رفع خراطيمها كلياً والتوقف عن الخدمة، حتى يُحرَّر سعر مادة البنزين وتتشبع السوق بكمياته الكافية.

أرض ومحطات على الهوية
وفي ضهور زحلة تكررت الاعتداءات على أكثر من محطة، ومنها محطة IPT على مشارف بلدة حزرتا. وهذه بلدة شيعية على كتف مدينة زحلة. وتؤكد مصادر أن المحطات فيها لا تبيع البنزين إلا بسعر السوق السوداء. وقد تحول بعض أبنائها تجار بنزين متنقلين، فوسعوا نشاطهم في اتجاه محطات ضهور زحلة، وألزموا أصحابها بتفريغ مخزونها لمصلحتهم، بحجة أن المحطة تقع ضمن أراضهم العقارية.

وأغلقت IPT  أبوابها منذ أيام حتى إشعار آخر. وحسب معلومات جاء القرار بعد مواجهات عدة خاضها أصحاب المحطة مع متنفعين باتت لديهم مجموعات عبر تطبيق واتساب، تمكنهم من تنفيذ غزوات على كل محطة تشغِّل مضخاتها، فينقضون على مخزونها ويستولون عليه ليبيعونه في السوق السوداء. ويمارس هؤلاء استقواءً على أصحاب المحطات بحكم وقوعها في مناطق عقارية أقرب إلى قراهم.

وتشير مصادر إلى أن بعض الغزوات تنفذ باسم "الثوار"، وهي محاولة للهيمنة على أصحاب المحطات في بعض المناطق. وقد اصطدمت بعض هذه المحاولات مع الأجهزة الأمنية، كما حصل في محطة مدكو في ضهور زحلة، التي أصدر القيمون عليها بياناً استنكروا فيه اعتداء أشخاص على المحطة، قال البيان إن "هوياتهم باتت معروفة لدينا، علماً أنها ليست المرة الأولى التي نتعرض فيها لمثل هذه الاعتداءات، وسنقوم بملاحقتهم أمام القضاء المختص. إضافة إلى ملاحقتهم بجرم القدح والذم والتحقير بنا، وشتمنا وشتم قيمنا ومقدساتنا المسيحية ومدينتنا زحلة على مسمع ومرأى من القوى الامنية".

عشائر السهل
وفي السهل ليست الحال أفضل. ويتحدث أصحاب المحطات عن حاجتهم لخوذ واقية كي يتوجهوا إلى محطاتهم في المناطق التي يكثر فيها أبناء العشائر المجنسة، والذين باتت الحجارة سلاحهم الأمضى لإلزام أصحاب المحطات بنيل الكميات التي يحتاجونها. ويقول أصحاب المحطات إن معظم مفتعلي المشاكل المتكررة من الوجوه المعروفة. وهم يملأون خزانات سياراتهم ويفرغونها في السوق السوداء، وصار هذا عملهم ولا يحتاجون لسواه عملاً.

ويستخدم تجار "غالونات البنزين" أسلوب الابتزاز الطائفي في المناطق المختلطة طائفياً. ففي تربل مثلا، كاد مخزون البنزين في محطات أن يؤدي إلى فتنة بين أهلها وأبناء بلدة الفاعور المستحدثة، وبينهم وبين ابناء الدلهمية. ما دفع بصاحب محطة إلى تفريغ مخزونها والتوقف عن البيع كلياً.

وهذا الواقع المستجد في زحلة وقضائها، يهدد بشح كميات المازوت والبنزين إلى حدود قصوى. وبات يلوح في الأفق بعد امتناع شركة توتال عن إرسالها البنزين المخصص لمنطقة البقاع، بذريعة تعرض صهاريجها لاعتداءات.

ووفقا لمصدر قضائي، ما يحصل في محيط محطات الوقود من إشكالات وصدامات بين الناس أمر طبيعي. فطابور السيارات يمتد أحيانا مسافة كيلومترين وأكثر، وسط توتر خانق، يحمل كل شخص على اعتبار أنه أحق من غيره بالبنزين.

مخزون المحطات
والمحطات ساهمت في مفاقمة هذا الواقع بتخزينها كميات كبيرة من المحروقات، قُدِّرت المصادرة منها في البقاع، من دون محافظة بعلبك، بـ 700 ألف ليتر من المازوت والبنزين. وهذا عدا عن الكميات التي صادرها الجيش مباشرة. وهذا يترك انطباعاً بأن الكميات المخزنة في المحطات ربما تكون أكبر من الكميات المهربة إلى الخارج.

وأوضح المصدر أن الكميات المصادرة، وخصوصاً من مادة المازوت، حُوِّلت إلى المؤسسات التي تُعنى بالخدمة العامة. ومنها 60 ألف ليتر من مادة المازوت حًوِّلت إلى شركة كهرباء زحلة، بعدما نجم عن تقنين الكهرباء توتر إضافي على أبواب المحطات، وبات الناس ينتظرون الكهرباء ليتسنى لهم التزود بالبنزين.  

شكوى المحطات
ويتحدث أصحاب المحطات في البقاع عن نقص في الكميات التي يتسلمونها. وتتفاوت بينهم الآراء حول ضرورة التوقف كلياً عن بيع المادة في محطاتهم، حتى يتسلموا كميات تجنبهم الإشكالات اليومية مع الناس. وخصوصاً بعدما كثرت عروض أهالي المناطق لتأمين الحماية الذاتية للمحطات التي تقع في نطاق مناطقهم.

ورفض أصحاب المحطات التي تعرضت لاعتداءات هذا الأمر، فأصدروا بيانا دعوا فيه "الدولة المتقاعسة إلى تحمّل مسؤولياتها في تأمين الحماية اللازمة للمحطات، حرصًا على السلم الأهلي، ولتفويت الفرصة على الأيدي المخربة العابثة بالأمن". وأهابوا بالدولة "حماية الناس والأرزاق من عمليات البلطجة واستباحة الحقوق والقوانين والكرامات والأعراض". وشددوا على "أننا لم ولن نطلب الحماية إلا من الدولة فقط، ولم ولن نلجأ إلى سواها في عملية تنظيم البيع".

جورج عقيص: لا للدم
ووجهه النائب جورج عقيص إلى كل "زحلي مخلص" وقال: "تريدونني أن أنزل مع شباب زحلة إلى محطات الوقود لاستلامها وتنظيم الدور فيها، وطرد البلطجيين منها؟ حسناً، أستطيع في غضون خمس دقائق أن أجمع مئة شاب من زحلة متحمسين للانتصار إلى كرامتهم المهدورة على طوابير الذل. ولكن هل أتحمّل سقوط نقطة دمٍ واحدة من أي شاب زحليّ؟ النزول إلى الأرض من أجل ماذا؟ من أجل الحلول محل الدولة التي نعمل ليل ونهار للحفاظ على ما تبقى من أركانها وبناء واحدة جديدة على أنقاضها؟ من أجل العودة أربعين سنة إلى الوراء، فيما نسعى إلى التقدم ولو شبر واحد إلى الأمام؟".

وأكدت مصادر أمنية أن لا إمكانات للقوى الأمنية للتدخل وتنظيم الأدوار أمام محطات الوقود.

وفي الأثناء تؤكد مصادر قضائية أن الضغط الذي تسببه مادة البنزين، وتراجع القدرة الشرائية ينعكسان سلباً على الأجواء الأمنية في منطقة البقاع. فمعدل الجريمة فيها ارتفع أضعافاً، وتفاقمت سرقات الأملاك العامة والخاصة. وخصوصا من محطات الوقود والمياه والكهرباء. وهذا لا يمكن تداركه، إلا متى تحمل المسؤولون مسؤولياتهم، وأوقفوا الذل الذي بات القاسم المشترك بين اللبنانيين، مهما تفاوتت وظائفهم ومراتبهم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها