الأربعاء 2021/08/11

آخر تحديث: 12:29 (بيروت)

أرقام صادمة عن هجرة الأدمغة: لبنان يخسر رأسماله البشري

الأربعاء 2021/08/11
أرقام صادمة عن هجرة الأدمغة: لبنان يخسر رأسماله البشري
هجرة الأدمغة أصبحت خياراً يائساً بشكلٍ متزايد في لبنان (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

رويداً رويداً، يفقد لبنان نخبته وهو ينوء تحت ثقل اقتصاده المتدهور، وبدأنا عملياً نشهد تفريغ البلاد من كفاءاتها الأساسيّة في كل القطاعات التي كانت لبيروت ميزات تفاضليّة فيها. فدرجات اليأس المتقدمة، وانسداد الأفق، وهوان الخدمات العامة، وكذلك مشقة الوصول إلى الخدمات المُلحّة وتبخر قيمة الأجور، دفعت بالأدمغة للهجرة نحو مختلف أصقاع الأرض، بحثاً عن فرص عمل أفضل، واستقرار لم يعد متوفراً في لبنان.

قدّر محتّم
معضلة هجرة الأدمغة التي عايَشها لبنان منذ القدم، والتي أصبحت قدَراً لا مفرّ منه اليوم مع استفحال الأزمة، تطرقت إليها مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، التي اعتبرت أن المهنيين الذين يقدمون الخدمات الأساسية، مثل: الأطباء، والممرضات، والمهندسين، وكذلك الأكاديميون ورجال الأعمال، هم أول من سيترك لبنان. 

ونقلت عن اقتصاديين قولهم "على الرغم من شح البيانات، فإن الاتجاهات مقلقة. في تقييم أُجري بشهر كانون أول 2020، حذر البنك الدولي من أن هجرة الأدمغة أصبحت خياراً يائساً بشكلٍ متزايد في لبنان، إذ تُصنف أزمته الاقتصادية من بين أكبر ثلاث أزمات في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. كما ذكر البنك الدولي في حزيران المنصرم ما يلي: سيكون للتدهور الحاد في الخدمات الأساسية تداعيات طويلة الأمد، بما في ذلك الهجرة الجماعية. وسيكون من الصعب للغاية إصلاح الضرر الدائم الذي يلحق برأس المال البشري. ولعل هذا البعد من الأزمة اللبنانية يجعل الحلقة اللبنانية فريدة من نوعها مقارنة بأزمات عالمية أخرى".

مؤشرات اليأس عند الشباب
وتضيف المجلة، أن واقع اللبنانيين الضاغط بدأ بغضب، ثم تطور إلى يأس، والآن صار هروباً من البلد الصغير. فعلى مدى العامين الماضيين، شهد اللبنانيون تراجع اقتصادهم بشكلٍ متتال، وكشف انفجار مرفأ بيروت كذلك عن عدم الكفاءة والإهمال الجنائي للنخبة الحاكمة. وبذلك، أصبح اللبنانيون لا يأملون في تحقيق العدالة ولا في أي تغيير في ظل أي حكومة مع الطبقة السياسية المسؤولة ذاتها، ومن يمكنه العثور على وظائف في الخارج أو الانتقال مع الأصدقاء أو العائلة، سيغادر حتماً، وينتظر الكثير منهم الفرصة المناسبة للقيام بذلك.

وفي السياق ذاته، يقول خبراء للمجلة الأميركية أن الطفرة الحالية في هجرة العقول، سيكون لها تأثير دائم على بلد يعاني من عدد كبير من الأزمات، مضيفين أن هروب رأس المال البشري سيؤدي إلى تفاقم انهيار الاقتصاد المنهك بالفعل ويعيق انتعاشه. ولعل الأخطر من ذلك كله، كان كشف المجلة عن استطلاع أظهر رغبة 77 في المئة من الشباب اللبناني في الخروج من بلدهم. وهكذا، يتصدر الشبان اللبنانيون الشباب العربي في الرغبة في الهروب من بلادهم، متقدمين على 54 في المئة من الشبان في سوريا المنكوبة بالحرب، و58 في المئة من الشبان الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي.

نزيف غير مسبوق
وتكمل "فورين بوليسي" بعرض أرقامها المخيفة عن هجرة الأدمغة، وتشير إلى أن 20 في المئة من الأطباء اللبنانيين غادروا، أو يخططون لمغادرة البلاد، منذ الأزمة الاقتصادية التي ضربت لبنان عام 2019. يترافق ذلك مع إغلاق مئات الصيدليات أبوابها؛ ما جعل الصيادلة عاطلين عن العمل، فيما يتواصل النزوح الجماعي المستمر لموظفي الرعاية الصحية، كالعاملين في القطاع التمريضي الذين اجتذبت دول الخليج المئات منهم. وبالحديث عن الواقع الاستشفائي المنهك، نقلت المجلة عن ريتا الحويك، أخصائية العلاج الطبيعي، قولها إنها شهدت عشرات الاستقالات في المستشفى التي تعمل بها في مدينة طرابلس الشمالية، مضيفةً "ذهبوا إلى السعودية، وقطر، وكندا، وأي مكان استطاعوا الهروب إليه. إذ يجب عليهم إرسال الأموال إلى ذويهم في الوطن".

وتابعت المجلة في توصيف الواقع الكئيب، بكشفها أن عدداً لا بأس به من المهندسين يبحثون عن خطابات توصية من رؤسائهم يومياً، للتقدم لوظائف خارج البلاد. وعلى المقلب الآخر، ترك أكثر من 1500 من أعضاء هيئة التدريس والموظفين في الجامعة الأميركية في بيروت، بما في ذلك المركز الطبي، وظائفهم، خلال العامين الماضيين، وفقاً لتقرير أعدّه "معهد الشؤون العالمية الحالية The Institute of Current World Affairs".

وعن النزيف المستمر في الجامعة الأميركية في بيروت، قالت شارلوت كرم، والتي عملت في الجامعة كأستاذة مشاركة على تمكين المرأة في المنطقة، قبل أن تستقيل من وظيفتها، أن تقديراتها تشير إلى استقالة 40 في المئة من زملائها في الجامعة إياها، مرشحةً أن ترتفع الأرقام هذا العام. واستطردت بالشرح عن الأسباب التي دفعتها للهجرة "كيف يمكنني مواصلة عملي في بلد منهار؟ مع تخفيض راتبي، بتّ أرغب في تأمين حياة كريمة. والسبب الإضافي لمغادرتي البلاد يكمن باضطرار زوجي إلى إغلاق شركته بسبب الأزمة الاقتصادية".

طلب التأشيرات
إلى ذلك، قالت مصادر دبلوماسية في بعثتين أوروبيتين تعملان في لبنان لمجلة "فورين بوليسي"، إنها شهدت زيادة في عدد طلبات التقدم للحصول على التأشيرة من اللبنانيين، وذكر مصدر دبلوماسي ألماني ما حرفيته " الطبقات الوسطى تتواصل معنا بأعداد كبيرة لمعرفة كيفية الحصول على عمل، وتأشيرة عمل، وبشكلٍ عام كيفية الانتقال بشكل قانوني، ومعظمهم من المهندسين". في حين أضاف مصدر دبلوماسي فرنسي: "نحن نقدم المساعدة للمدارس والمستشفيات والمؤسسات الأخرى، لضمان أن يواصل اللبنانيون عملهم هنا وأن يكون لهم مستقبل داخل لبنان".

ومن بين من يرغبون في الهجرة، يأتي المصرفيون الذين يتربعون على سُلّم ترتيب الفئات التي يبغضها الشعب اللبناني، وذلك لأن البنوك منعت اللبنانيين من سحب مدخراتهم وفرضت اقتطاعاً غير رسمي على صغار المودعين. من هنا، يقول خالد زيدان، وهو مصرفي سابق، إنه بينما يخطط العديد من الموظفين في المصارف لمغادرة البلاد، فإن الأمر سيكون أكثر صعوبة على أصحاب المناصب العليا، على الرغم من أن البعض منهم يريد القفز عن السفينة. أضاف "وصمة العار لكونك مصرفياً لها تأثيرها. أتوقع خروج ما لا يقل عن 50 في المئة من القطاع من إجمالي عدد الموظفين قبل 17 تشرين أول 2019، وبالطبع فإن الموظفين يغادرون بالفعل أو يخططون للمغادرة بسبب الضغوط المالية".

تداعيات الهجرة الجماعية
ولفتت المجلة أن المغادرة من عدمها، هي السؤال الذي يطرحه المهنيون اللبنانيون، لأن معظمهم يجدون صعوبة في العيش من رواتبهم المتناقصة. في هذه الأثناء، يجب أن يكون القلق الأكبر لبقية العالم بكون الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع اللبناني ستلجأ في نهاية المطاف إلى توظيف المهربين لركوب القوارب إلى اليونان. وهذا ما حصل فعلاً العام الماضي، حين حاول قارب مليء بالعشرات من اللبنانيين والسوريين الوصول إلى قبرص، قبل أن تتقطّع بهم السبل. ومات بسبب ذلك، طفل صغير بين ذراعيّ والدته بعد أيام من عدم تناولهم الطعام أو شربهم الماء.

وبينما يعيش أكثر من نصف سكان لبنان راهناً تحت خط الفقر. يدرك المجتمع الدولي، حسب المجلة، تمام الإدراك التداعيات التي قد يرتبها هذا الوضع على أوروبا. ففي الأسبوع الماضي، ساعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في جمع 370 مليون دولار كمساعدات إنسانية في مؤتمر دولي لمساعدة الأفراد الأكثر احتياجاً في لبنان، وذلك جزئياً لتجنب الاضطرابات الاجتماعية في البلاد، ولضمان عدم تحول اللبنانيين إلى لاجئين يشكلون تحدياً جديداً للاتحاد الأوروبي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها