الأحد 2021/07/25

آخر تحديث: 13:34 (بيروت)

كورنيش الميناء-طرابلس: بهجة الفقراء زهيدة الثمن كثيرة الفوضى

الأحد 2021/07/25
كورنيش الميناء-طرابلس: بهجة الفقراء زهيدة الثمن كثيرة الفوضى
كل ما يطلبه العابرون يجدونه على الكورنيش (المدن)
increase حجم الخط decrease

كلمّا اشتدّت الأزمة الاقتصادية في لبنان، تتكشف ظواهر سلوك اللبنانيين في التعاطي مع معاناتهم، رفضًا أو تكيفًا. هذا ما يمكن استخلاصه، لدى العبور على كورنيش الميناء البحري شمالًا، بدءًا من النقطة المحاذية لقصر رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، نزولًا عند آخر نقطة انتهى فيها مشروع تأهيل الكورنيش البحري.  

ولعل ما تشهده الميناء على طول مئات الأمتار من شاطئها، يتخطى ظاهرة الاكتظاظ وتدافع الناس فيما بينهم، وما يتبعه من خطاب تأنيبي للمواطنين غير المكترثين لتفشي موجة ثانية من وباء "كورونا".  

هذا الكورنيش، يختزل حرمان اللبنانيين من كل شيء، وسعيهم للحصول على كل شيء. أو بالأحرى، سعيهم لنيل الحدّ الأدنى من حاجاتهم، في مناطق ومدن مهمشة، حوّلها أداء الدولة على مرّ عقودٍ لمجرد عشوائيات بلا مساحات عامة، وبلا خيارات "ممكنة" للتلاقي والفرح. 

 

كورنيش لكل شيء  
في الآونة الأخيرة، تحول كورنيش الميناء إلى مساحة للاستثمار الفردي، متخطيًا فكرة الأكشاك التي سبق أن أزالتها البلدية، فبدأ يجذب أبناء الميناء وطرابلس، وخصوصًا أولئك العاطلين عن العمل، إلى "اختراع" شغل بما تيسّر، لكسب قوتهم وجني الأرباح، ولو كلّف ذلك استشراء الفوضى.  

كل ما يطلبه العابرون يجدونه على الكورنيش، بلا حسيب ولا رقيب: أفراداً يأجّرون مئات الدراجات الهوائية والسيارات الالكترونية للأطفال، بائعي الألعاب، بائعي البوشار والذرة والبوظة والكعك والحلويات، سيخ شاورما دجاج، ألعاب مدينة ملاهٍ، ألعاب قوى للشبان، مئات الطاولات التي حولت الكورنيش لمقاه متنقلة تستقبل طالبي النرجيلة، وعارضي الرحلات على السفن إلى جزر الميناء، وغيرها الكثير، فيما يتنافس الجميع، نساءً ورجالًا وأطفالًا، على جذب الزبائن، عبر المضاربة بأسعار الخدمات.  

مثلًا، يُأجر أحدهم الدراجة الهوائية بـ10 آلاف ليرة كل نصف ساعة، فيعمد آخر لعرضها بـ8 آلاف ليرة للمدة نفسها. يبيع أحدهم كيس البوشار بـ4 آلاف ليرة، فيضارب آخر بعرضه مقابل 3 آلاف ليرة. يقدم صاحب بعض الطاولات النرجيلة بـ25 ألفًا، فيقدمها آخر بـ20 ألف ليرة. وخلال جولتنا، كان يعترض أحد الزبائن على ثمنها، فأجابه صاحب الطاولات بنبرةٍ عالية: "بإمكانك الذهاب لمقهى فاخر بالضم والفرز ودفع ثمنها 55 ألف ليرة".  

ولعل المضاربة بألوف الليرات خسرت كامل قيمتها بفعل انهيارها، يبدو أنهت تُحدث فرقًا كبيرًا لدى مئات الأسر التي تصطحب أولادها إلى الكورنيش، بعد أن صار الذهاب لأماكن منظمة مستحيلًا بفعل كلفتها الباهظة.  

ولدى اصطحابها لأطفالها الثلاثة، تقول مريم العلي (34 عاماً) لـ"المدن": "لا أجد سوى الكورنيش ملجأ للعب أطفالي، رغم أنه صار مكلفًا، لكنه يبقى أرخص بكثير من أي مكان آخر، فيما زوجي عامل بسوق الخضار مقابل 35 ألف ليرة يومياً". 

 

استنكار وفوضى  
وواقع الحال، استشرت الفوضى في الميناء بعد انحلال مجلس بلديتها العام الفائت، وهي تخضع حاليًا لسلطة المحافظ رمزي نهرا.  

وقبل نحو ثلاث سنوات، انطلق العمل بمشروع تأهيل كورنيش الميناء، ضمن برنامج الأمم المتحدة الانمائي (UNDP)، وبتمويل أوروبي كلّف ملايين الدولارات. وبعد أن جرى تأهيل نحو 1800 متر على مرحتلين، بدأ قبل أشهر العمل لتنفيذ المرحلة الثالثة من المشروع، على أن يجري تأهيل نحو 700 متر إضافية.  

وقبل نحو شهر، عمدت القوى الأمنية بتوجيه من المحافظ، إلى إزالة معظم المخالفات على الكورنيش، وذلك بعد أن تبلغ امتعاضًا من المشرفين على المشروع، وفق معلومات "المدن"، على قاعدة أن هذه الفوضى تشوّه الكورنيش وتجعله عرضة لشتى أشكال المخالفات، ما يضرب كل الأهداف التي دفعت لتأهيل.  

لكن، سرعان ما توسعت هذه المظاهر، رغم امتعاض شريحة واسعة من أهالي الميناء، وصارت إحدى الأوصاف الرائجة عن الكورنيش بـ"الداشر"، كما يعبر كثيرون عن خشيتهم أن يكن دافعًا لتهديد أمنهم، نتيجة ارتفاع نسبة السرقات في محيطه. ويبدو أن ثمة قرارًا أمنيًا ضمنيًا، بالتغاضي عن شتى أشكال المخالفات، امتصاصًا للأزمة، أو تفاديًا من انفجار غضب الفقراء.  

لكن ما يشهده هذا الكورنيش، من امتهان للفوضى بحثًا فرحٍ غير مكلف، وبحثًا عن رزقٍ ممكن، ليس إلا دليل على بؤسٍ جماعي يحفر يوميات اللبنانيين، ويتعاظم يومًا بعد آخر، مهما حاولوا تجاهله، أو التحايل عليه، بعد أن صار الفقر قدرًا لا مهرب منه.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها