السبت 2021/07/17

آخر تحديث: 10:52 (بيروت)

موضة اقتناء الكلاب المستوردة في بلاد العوز والفاقة

السبت 2021/07/17
موضة اقتناء الكلاب المستوردة في بلاد العوز والفاقة
ارتفاع سعر خدمات الحيوانات وغذائها، لم يؤد إلى تراجع مبيعها! (المدن)
increase حجم الخط decrease
فيما يلهث اللبنانيون لتأمين لقمة عيشهم تحت وطأة أزمة اقتصادية غير مسبوقة، تتفشى في زحلة ظاهرة تربية الكلاب، نوعًا من ترف "مصطنع"، وسط ضيق الناس وسعيهم اليومي المتواصل لتأمين حاجاتهم الضرورية من البنزين والمازوت والخبز واللحوم الدواء.  

موضة ونقاش فقرار
وقبل أسابيع تحوّلت القضية موضوع جدل في زحلة، بعد تكاثر براز الكلاب على البولفار الذي يربط أسواقها بمقاهي البردوني. وتطور الأمر نقاشًا افتراضيًا مع بلديتها، التي اتخذت قرارًا بمنع اصطحاب الكلاب على طرق المشاة. ووفقا لرئيس البلدية أسعد زغيب، جاء القرار بعد سلسلة إنذارات وُجهت لأصحاب الكلاب، كي يرفعوا برازها عن الأرصفة. وكذلك بعد تحرير محاضر مخالفات بهم. ولكن عندما تحوّل عدد الكلاب مصدر إزعاج للناس، منعت البلدية اصطحاب الكلاب إلى البولفار، الذي يشكل متنفسًا أساسيًا للجميع في ظل الظرف الصعب والضيق الذي يعيشه لبنان كله. 

فكيف يمكن لشعب يعاني هذا الضيق، أن يضيف "ترف" النفقات التي تحتاجها تربية أي نوع من الحيوانات إلى ميزانيته المتهالكة. إنه الـ"TREND" أو الموضة التي تجعل اللبناني يميل إلى ما هو شائع في مجتمعه. وهذه خلاصة سريعة يتوصل إليها المستطلعون.

ويشرح صاحب أحد المؤسسات التي تعنى بتأمين الخدمات المتعلقة بالحيوان، أن موضة اقتناء الحيوانات الأليفة وتربيتها، انطلقت باقتناء الأسماك والطيور، وتطورت لاحقًا إلى ارتفاع الطلب على الهرر، قبل أن تحل الكلاب في الطليعة.

الجوع وسعادة الكلاب
وتطورت خدمات هذه المؤسسة لتلبي حاجة الحيوانات إلى طعام خاص وعناية طبية، إضافة إلى النظافة. وتعبق المؤسسة إياها بـ"حب" استثنائي للحيوانات، يعبر عنه  زبائنها وزبوناتها من حملة كلاب وقطط، يجيئون بها إليها لقص شعرها، أو تلقيحها، أو عرضها على طبيب بيطري.

ورغم الأزمة الاقتصادية يبدو المكان مزدهرا، وإن كانت "الأرباح" أدنى بكثير من السابق، على ما يؤكد صاحب المؤسسة.

وعصف الدولار بأسعار المواد الغذائية والكماليات التي تؤمنها المؤسسة لسائر الحيوانات، فتضاعفت أسعارها بما لا يقل عن سبعة مرات، كسائر المنتجات المستوردة. لكن ارتفاع سعر خدمات الحيوانات وغذائها، لم يؤد إلى تراجع مبيعها، يؤكد صاحب المؤسسة الذي قام بتغيير بعض النوعيات التي كانت توفرها، فاستبدلتها بنوعيات أقل كلفة. والبرهان على كلام صاحب المؤسسة يأتي مباشرة من إحدى السيدات التي قالت إنها مستعدة لتجوع، شرط أن يبقى كلبها سعيدًا.

فقد وتعويض
لكن ما هي الأسباب النفسية التي دفعت إلى تحمل عبء "روح" وكلفتها في المنازل، وحاجتها إلى عناية وأنواع طعام خاصة، مستوردة كلها وبالعملة الصعبة، فيما تعاني بعض العائلات صعوبة حتى في شراء الغذاء؟

وفقا لأخصائية علم النفس، سيبيل الحاج، ليست ظاهرة تربية الحيوانات غريبة في المجتمعات التي تكثر فيها الأزمات. فكثرة من أهلها يلجأون إليها هروبًا من الواقع، وتعويضًا نفسيًا عن خسارة ما تعرضوا إليها.

وشرحت سيدة أحضرت قطتها للتلقيح، أن أولادها تعرضوا لصدمة بعد وفاة أحد أقاربهم أمام عيونهم، فنصحها أطباء بتربية حيوان أليف لنزع الذكرى البشعة من رؤوسهم. وكانت تفضل الكلب بداية، ولكنها وجدت أن تربية الهر أسهل بكثير.

مسؤولية مضاعفة
والخسارات لا تحصى في المجتمع اللبناني، تضاف اليها أزمة كورونا وعزلاتها، ورغبة الأهل بإلهاء أولادهم عن التجهيزات الإلكترونية خلال مدة الحجر. ويؤكد صاحب المؤسسة فورة الطلب على الكلاب خلال مرحلة الحجر الصحي تحديدًا، ليتحول الأمر موضة لاحقًا: "جاري اشترى كلبًا، فلماذا لا أفعل مثله وأشتري كلبا؟".

وتحولت تربية الكلاب في زحلة ظاهرة، تفشت أكثر مع عودة الحياة إلى الشوارع، بعد خفوت أزمة كورونا. لكن عندما ملّ الأطفال من كلابهم، تحولت إلى مسؤولية إضافية على الأهل.

وفي مقابل هذه الظاهرة، شكى ميلاد أبو رجيلي -وهو صاحب ملجأ لإيواء الكلاب الشاردة- من تزايد أعداد تلك المهملة في الشوارع. وما يحصل وفقًا لأبو رجيلي أن كثرة من العائلات تشتري كلبًا لولدها، اعتقادا منها أنها ستحمله على تحمل مسؤوليته. وعندما يتحول الكلب إلى مسؤولية الوالدين غير المتفرغين لتحمل عبء إضافي، وسط سعيهم خلف مصدر العيش، يتبدد هذا "الترف" الذي يعبر عنه الزحليون في طريقة عيشهم، ليتحول إلى تخل عن الكلاب إما للملاجئ أو الشوارع.

الكلفة والأزمة
يؤكد أحد أصحاب الكلاب، بأن الكلفة ليست سببًا لتخلي الشخص عن كلبه، أو أي حيوان يربيه في بيته. والكلب يحتاج إلى لقاح واحد سنوياً، ويمكن تنظيم طعامه ليتناول طبقًا واحدًا يوميًا، فلا تتخطى مجمل كلفة تربيته في المنزل 100 دولار سنويًا. وهذه كلفة مقبولة وفقًا لمربي كلب، حتى في ظل الارتفاع الجنوني لسعر الدولار.

في المقابل تشكل الخلافات التي يمكن أن تولدها تربية الكلاب في المنازل ومع المحيط، سببًا للتخلي عنها. خصوصًا إذا كانت سيدة البيت غير راضية على الحيوان، أو إذا انزعج الجيران من نباح الكلب.

في زحلة لا يمكن إيواء الكلاب إلا في أحياء سكنية مكتظة. وهي أيضا الأماكن التي تشرد فيها الكلاب لدى التخلي عنها، ما يحوّل الكلب المهمل من أزمة عائلية إلى اجتماعية.

التخلي والتشرد
وفي بداية كل موسم صيف تتكرر شكوى بلدية زحلة من أعداد هذه الكلاب الشاردة في الشوارع. ومعضلتها وفقًا لأبو رجيلي، مرتبطة بثقافة المجتمع، وبالروادع "الأخلاقية" التي تمنع أي شخص من تربية كلب ما لم يكن واثقًا من قدرته على الاحتفاظ به. وينتقد أبو رجيلي من يهدون الآخرين كلابًا، ويعتبرونها مقتنيات يمكن التخلي عنها في أي وقت. وهو يرى أنه "كما لا يمكن لأحدهم أن يتخلى عن طفله بسبب القلة أو المرض، لا يجب أن يتخلى عن كلبه لأي سبب".

ويشرح أبو رجيلي عن الأزمة الكبيرة التي باتت تعيشها معظم الملاجئ، غير القادرة على إيواء أعداد إضافية من الكلاب، ليس بسبب تكاثر أعدادها في الشوارع فقط، وإنما بسبب كلفة إيوائها، ونقص في طعامها.

ويقول أبو رجيلي أن معظم أصحاب الملاجئ يجاهدون للحفاظ على حيواناتهم، من خلال نشاطات جانبية تقدمها مراكزهم، خصوصا مع تراجع التبرعات لهذه الملاجئ إثر الأزمة الاقتصادية.

استيراد الكلاب
لكن هذا كله لا يبدو أنه يشكل رادعًا للحد من ظاهرة موضة الكلاب. بل يصر كثيرون على شرائها "أصيلة"، فيما يحل التبني مشكلة الاكتظاظ في الملاجئ. وهذه الأزمة المفتوحة على عدة احتمالات لا تحمل في طياتها الحل، طالما أن استيراد الكلاب مستمر. ولا يملك المجتمع الوعي الكافي للمسؤوليات التي ترتبها تربية حيوانات في المنازل.

وإذا كانت تربية الكلاب حاليًا موضة، فلا يستبعد أحد المعنيين أن يمل الناس منها قريبا، ليبدأوا بالبحث عن موضة أخرى. ويتوقع أن يكون المستقبل لتربية الخيول. والمؤشرات إلى بداية الطلب عليها بدأت تظهر، على رغم الظروف التي تعيشها البلاد.   

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها